ما إن جلس "ميخائيل غورباتشوف" على عرش الكرملين عام 1985، حتى قام برفع شعاري "البيريسترويكا" (إعادة البناء)، و"الغلاسنوست" (الشفافية وحرية التعبير)، مما جعل شعوب الاتحاد السوفيتي، تلتف حوله، دون أن تطالب بأي تفسير لهما، رغم إلحاح الاقتصاديين بضرورة شرح معنى الشعارين.
وللحقيقة، فإن "الكسندر ياكفليف" (سفير الاتحاد السوفيتي في كندا، 1973-1983)، هو العراب الحقيقي لهذين الشعارين.
وما إن أصبح "غورباتشوف" قريبا من قمة الهرم الحزبي، حتى استدعى "ياكفليف"، بسرعة، إلى موسكو، ليترأس دائرة الدعاية الأيديولوجية في الدولة، ثم ليصبح بعدها مديرا "لمعهد الاقتصاد والعلاقات الدولية" الذي يعد أحد أهم مصادر المعلومات لأصحاب القرار السياسي في الدولة وصار الرجل ملازما "لغوربتشوف" كخياله وظله، و"ياكفليف"، هو المسؤول الشيوعي الذي أصدر توصياته بالسماح للكتاب الروس "المنشقين" بنشر كتبهم وآرائهم المعادية للحزب والدولة السوفيتية بحجة "إعادة البناء"، ونشر "الديمقراطية"، أمثال إلكسندر سولجنيستين. كما أنه سمح بعرض أكثر من 30 فيلما مناهضا للأيديولوجية الاشتراكية في دور السينما السوفيتية. وهو الذي أعاد تنظيم العلاقة مع الكنيسة الأرثودكسية الروسية، مما سمح لها باستعادة الكثير من الكنائس والأديرة التاريخية إلى ممتلكاتها.
ومع أن صداقة "ياكفليف" القوية لرئيس الوزراء الكندي آنذاك "بيير ترودو"، (جدّ رئيس الوزراء الكندي الحالي) الذي قام بتسمية أبنائه بأسماء روسية (ميشا وساشا)، كانت دليلا قاطعا على صداقة الرجل مع رئيس الوزراء، إلا أن ذلك لم يشفع له أمام رئيس جهاز المخابرات السوفييتي السابق " كروتشكوف"، الذي اتهم "ياكفليف"، علانية، بالعمالة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه).
يذكر أن "ياكفليف" حصل في العام 1959 على منحة "فولبرايت الدراسية إلى جامعة كولومبيا الأمريكية، علما وللصدفة! فإن عميل وكالة المخابرات المركزية الأمربكية، (العقيد في المخابرات السوفياتية "اليغ كالوجين")، كان قد حصل في العام نفسه، على المنحة الدراسية مع الطالب "ياكفليف"
ومع ذلك جاءت الأوامر من "غورباتشوف" شخصيا! بعدم المساس "بأبو البيريسترويكا".
يذكر أن "ياكفليف" وجه رسالة مفتوحة، تحث المجتمع الدولي على الإفراج عن الملياردير اليهودي"ميخائيل خدراكوفسكي"، المعتقل في السجون "البوتينية"، والمتهم بأعمال الغش والسرقة، مطالبا بإطلاق سراحه واعتباره "سجينا سياسيا"!.
وقبل وفاته عام 2005، بسنوات قليلة، اعتنق"ياكفليف" الديانة البوذية، واعترف جهارا بارتباطه بجهاز المخابرات الأمريكية "السي آي آيه"، منذ أن كان سفيرا لبلاده في كندا.
ومن الطريف ذكره أن "غورباتشوف" زار الصين عام 1989 وعند تجواله، في ساحة "تيان ان مان"، في بكين، التي كانت قد شهدت قبل أقل من شهر واحد، أحداثا دامية، قتل فيها المئات من الصينيين، بدأ الرجل يتحدث لمرافقيه عن عظائم "البيريسترويكا" و"الجلاسنوست"، عندها، أمسك أحد القياديين الصينيين يد "غورباتشوف" مودعا إياه، طالبا منه اختصار ايام زيارته الرسمية للصين!، واصفا إياه بعد ذلك، بأنه "كتلة من الغائط"!، أما الزعيم الصيني"دينغ شياو بينغ" فقد وصف الضيف السوفيتي، بعد ذلك قائلا:-
إنه فعلا رجل "أحمق". (ولم يقل عميلا!).
وهو ما كان يعرفه رجال المخابرات السوفييت ومنهم "فلاديمير بوتين".