هل ستؤدي الاوضاع التي تشهدها الاراضي الفلسطينية اليوم، من انسداد الافق السياسي، وتغول الاستيطان، والإقتحامات الليلية للمدن والبلدات والمخيمات في الضفة الغربية، والاعتقالات والقتل الممنهج، الى انفجارانتفاضة ثالثة كالإنتفاضة الاولى عام 1987؟ أخذا بعين الاعتبار أن الظروف الاقليمية والدولية عشية انفجارالانتفاضة الأولى عام 1987، تشبه الى حد ما الظروف السائدة في العام 2022، مع إختلاف الظروف والمحركات الذاتية الفلسطينية الداخلية تماما ... .
فلسطينيا ، وقبل اربع سنوات من اشتعال فتيل الانتفاضة الاولى، أُجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من لبنان والرحيل لتونس، وانهيارها ماديا، ما أضطرها آنذاك لبيع عقارات لها، واغلاق مكاتب لها حول العالم، بعد تجفيف منابع التمويل الذاتية والعربية، ما ادى الى اصابة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة بالإحباط، والإنكفاء على الذات، ورغم ذلك كانت تنطلق مسيرات سلمية في المناسبات السنوية، كيوم الارض وفي الذكرى السنوية لإنطلاق هذا الفصيل او ذاك، وغالبا ما كانت تشهد صدامات عنيفه مع قوات الاحتلال.
دوليا، فقد الشعب الفلسطيني في النّصف الثاني من الثمانينيات الاتحاد السوفيتي حليفه الدولي الأكبر، فمثلا خلال اللقاء بين الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان، ورئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف، في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 1987( قبل نحو شهر على اندلاع حريق الانتفاضة الاولى) ، لم يصدر عنه أي نتائج او حتى اشارة، تصريحا او تلميحا حول القضية الفلسطينية، وسبل تسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، فأضاف هذا الحدث إحباطاً للفلسطينيين على إحباطاتهم الأخرى المتراكمة.
عربيا ، فقد شهد النصف الثاني من الثمانينيات، إنحسارا في الإهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، إذ انصب إهتمام العرب وخاصة الخليجيين منهم بالحرب العراقية الايرانية، كما أن خروج مصر من ساحة الصراع العربي – الإسرائيلي، بعد توقيعها على اتفاقيات كامب ديفيد، وعقدها معاهدة السلام مع (إسرائيل)، زادت من قناعة رجل الشارع الفلسطيني باستحالة التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، دون تحرك شعبي داخلي، خاصة في ظل أجواء من انحسار الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، واكتفاء معظم الدول العربية بتسجيل مواقف خطابية إعلامية، دون أن يتعدى ذلك تحركا عمليا تشعر معه إسرائيل بالضغط عليها.
ما أشبه اليوم بالأمس، عندما يتعلق الامر بالظروف الدولية والاقليمية التي سادت عشية الانتفاضة الاولى، وتلك السائدة اليوم !!!
صحيح ان منظمة التحرير كانت ضعيفة ومعزوله، بعد الخروج من لبنان في العام 1983، الا انها كانت قوة كامنه تُؤخذ بعين الاعتبار في الاقليم، بالإضافة الى ان هياكلها التنظيمية والادارية كانت فاعله، تغطي النشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، للتجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات، تحت شعار " الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" ، الا ان هذا الشعار أُفرغ من مضمونه وبات لا يستعمل الا بروتوكوليا، كما كما ان معظم صلاحيات منظمة التحرير نقلت للسلطة الفلسطينية، واصبحت ليس اكثر من ختم بيد رئيسها لتمرير ما شاء من سياسات .
عربيا، فحدث ولا حرج، فمعظم الدول العربية اليوم أدارت ظهرها للشعب الفلسطيني، وسبع دول منها، تربطها علاقات تطبيع دبلوماسية واقتصادية وعسكرية مع اسرائيل، بعد ان كانت مصر الوحيدة التي عقدت اتفاق سلام معها عند اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987، ناهيك عن تدمير دول كالعراق وليبيا، وبهذا فقدت القضية الفلسطينية عمقها العربي الرسمي.
اما دوليا، فقد تراجعت مكانة القضية الفلسطينية، في الدبلوماسية الدولية حتى الغياب، فالصراع السياسي والاقتصادي بين روسيا والصين من جانب، والغرب بقيادة الولايات المتحدة من الجانب الآخر، بالإضافة الى الازمات الاقتصادية، والحروب الاقليمية حول العالم، أخرجت مسألة الصراع مع اسرائيل من الاجندات الدولية تماما.
إن ما تشهده الأراضي الفلسطينية اليوم، من استيطان ومصادرة أراضي، واعتقالات وقتل، وحدٍ من الحركة، وغيرها من السياسات الاسرائيلية، لن تؤدي الى إشتعال انتفاضة ثالثة كانتفاضتي 1987 او 2000 ، لعدم توفر عوامل دولية واقليمية ولعل الاهم عدم مواتاة ديناميات فلسطينية ذاتيه، فهناك عوامل فلسطينية داخلية طاردة لإنتفاضة ثالثة، نذكر منها :
(أولا) وهن السلطة الفلسطينية، وعدم مقدرتها الانعتاق من اتفاق أوسلو، هذا إذا افترضنا ذلك. فإستراتيجية السلطة منذ أكثر من 15 عاما، تتمثل باقامة دولة فلسطينية عبر محادثات سلام مع اسرائيل فقط، والتوصل لذلك من خلال الشرعية الدولية، نقطة اول السطر. اما أدواتها التكتيكية في هذا المسعى، فلا تتعدى التحركات الدبلوماسية دوليا، ومحاولة الحصول على اعتراف بدولة تحت الاحتلال، والتهديد "الفارغ" بوقف العمل بإتفاق اوسلو، والدعوة لما يسمى بــ "المقاومة السلمية"..
واذا كانت اسرائيل تنفذ ما يصب في مصلحتها من بنود اتفاق أوسلو، فان السلطة الفلسطينية مجبره (وقد تكون راغبه) ، على السير في المسار الذي تحدده اسرائيل لها في الاتفاق، كالتنسيق الامني الذي يجعل من احتمال انفجار انتفاضة شعبية ثالثه بعيدا على المديين القريب والمتوسط.
(ثانيا) حالة الانقسام الداخلي الذي شطر الاراضي الفلسطينية الى نصفين: الضفة الغربية بقيادة سلطة ضعيفة وقطاع غزة بقيادة حركة حماس المسلحه. فإذا إفترضنا إشتعال انتفاضة ثالثة، فإنه ما من ضمانات بعدم استخدام حماس السلاح، إما عبر قطاع غزة أو في الضفة الغربية، ما سيمنح اسرائيل المبرر للبطش عسكريا بالانتفاضة، تماما كما حدث في الانتفاضة الثانية في عام 2000 .
(ثالثا) انكفاء معظم الكوادرمن كافة الفصائل التي نشطت في الانتفاضتين الاولى والثانية على نفسها، فإبعاد (او ابتعاد ) قادة حركة فتح الميدانيين سابقا عن صفوف الحركة، إما برضاهم او دون رضاهم ، والتحاق عدد كبير منهم في وظائف امنية او مدنية في السلطة الفلسطينية. وما حصل في حركة فتح من تشظي تنظيمي، حصل في فصائل اليسار، حيث ابتعد الكثير من ناشطيها عن فصائلهم، وانشغل عدد منهم في مؤسسات المجتمع المدني، ما يُفقد اغناء انتفاضة ثالثه بتجارب إنتفاضتين سابقتين..
إن ما يجري في الأراضي الفلسطينية اليوم، لا يتعدى عن كونه هبه كهبة القدس في 2015 و 2016 ، وهي بمثابة تمارين لإنتفاضة ثالثة ولكن ليس على المدى المنظور