احتفلت اسرائيل في ايار 2022 بالذكرى السنوية الـ 74 لقيامها، ولا تزال أزمة "الهوية" تعصف بها، فإسرائيل تفتقر لمجتمع متجانس، وهي تتكون من نسيج متباين من العرقيات والاديان تشكل مجتمعا طبقيا. ووفقا لبيانات مكتب الإحصاء الاسرائيلي يصل عدد سكان اسرائيل اليوم الى نحو 8 ملايين ، 6 ملايين منهم من اليهود، ونسبة معدل النمو في عدد السكان 2%، وبمتوسط 3 طفال لكل إمرأه إسرائيلية
المجتمع الاسرائيلي (اليهودي) يتكون من ثلاث مجموعات طبقية: السفارديم ، وهم يهود إسبانيا والبرتغال، ويهود المشرق العربي، واليهود الأشكيناز وهم من أوروبا الشرقية والغربية، والذين يمثلون نحو 85% من أجمالي اليهود عالميا، ويسيطرون على المؤسسات السياسية والاقتصادية في اسرائيل.
وينقسم اليهود الى مجموعتين رئسيتين: الاولى الحراديم، وهم المتدينون الذين يمارسون الطقوس الدينية وفقا للشريعه اليهودية، ويشكلون نحو 10% من سكان اسرائيل، بنسبة نمو سكاني مرتفعه تصل لنحو 5%، أما المجموعه الثانية فهي غير الحرديم او العلمانيين، ويشكلون نحو 65% من سكانها، فيما تصل نسبة الفلسطينيين العرب، نحو 20% من إجمالي عدد السكان في اسرائيل، بتعداد يصل الى مليون و 700 الف، اكثر من 80% منهم مسلمين، ونحو 10% مسيحيين و 10% تقريبا من الدروز .
وبعد 74 عاما على إقامة إسرائيل، لا يزال الصراع العرقي – الثقافي فيها يزداد حدة، الامرالذي يشير الى فشل نظرية "الصهر" التي تبناها اول رئيس وزراء اسرائيلي دافيد بن غوريون، فالمكونات العرقية المختلفة تعمل على ابراز ثقافاتها الخاصة بها، بعيدا العنصر "القومي" المصطنع، حيث نرى جمعيات يهودية تنشط في بعث ثقافتها الشرقية، من شعر اندلسي وموسيقى عربية، كما نسمع في الاحياء الشعبية في المدن الكبرى التي يقطنها اليهود من أصول شرقية الاغاني والموسيقى العربية..
ويشكل المهاجرون الروس أكبر مكون عرقي في اسرائيل، بثقل ديموغرافي يصل لنحو سدس المجتمع اليهودي الاسرائيلي، وهم لا يزالون يتحدثون باللغة الروسية، رغم مرور اكثر من ثلاثين عاما على هجرتهم الى اسرائيل، ما يعني إنقطاعهم عن "الثقافة" الاسرائيلية، وهو مثال آخر على فشل الحكومة الاسرائيلية والحركة الصهيونية لبلورة "ثقافة إسرائيلية" تستوعب الثقافات العرقية المتعدده..
إن اللغه العبرية فشلت في استيعاب مركبات الهوية الثقافية الاسرائيلية، كما كان يأمل قادة اسرائيل والحركة الصهيونية، فكلما ازداد عدد المهاجرين الى اسرائيل إزداد التباعد العرقي ، وازداد الشرخ في "هويتها" ، ما يؤشر على نهاية المشروع الثقافي الصهيوني، وفشل المزاوجه بين اليهودية و "القومية " ، وبالاضافة للازمات التي تعيشها حاليا، فإنها تحمل في طياتها أزمات في طريقها للتفجر في المستقبل.
إن صهر مفهومَي اليهودية والديمقراطية، ينطوي هو الآخر على تناقض لا لبس فيه، ذلك أن اليهودية وما تتضمنه من معتقدات وتصورات عنصرية، تتنافى تماماً مع الديمقراطية، التي تعتبر المواطنة والحريات، وحقوق الإنسان والاعتراف بالآخر من أهم الآسس التي ترتكز عليها. فاليهودية ترى في اليهود شعب الله المختار، وعليه فإن أي شعب آخر يعتبر من وجهة نظرهم شعبا اقل مستوى منهم، ما يتناقض مع الديمقراطية. غير أن قادة "إسرائيل" توصلوا إلى أن ما يوحد هذه الجماعات المتنافرة والمنقسمة، الخطر الذي يتهددها، بترسيخ ثقافة الخوف والخطر الذي يمثله العرب على وجود اليهود.