"ضحايا إرهاب إلعاد هم ثلاثة آباء ، تاركين وراءهم 16 يتيما" ، هو العنوان الرئيسي في مواقع يديعوت احرانوت والجروزاليم بوست، ووسائل اعلام اسرائيلية أخرى، حول عملية "إلعاد" شرق تل ابيب التي وقعت مساء الخميس 5 ايار 2022 والتي اسفرت عن مقتل ثلاثة وجرح آخرين .. وفي التفاصيل أيضا، نقرأ كيف كان هؤلاء القتلى والجرحى يحتفلون بما يسمى بذكرى "الاستقلال"، وفي تغطيتها للحدث قالت يديعوت احرانوت، إن سكان "العاد" وصفوا احدهم، بأنه دائم الابتسامة، الى غير ذلك تفاصيل دقيقة عن حياتهم، وما كانوا سيفعلون لو لم يقتلهم "الارهابيون" الفلسطينيون.
إن وسائل الاعلام هذه، طورت قواعد لغوية خاصة بها، في تغطيتها للصراع مع الفلسطينيين والعرب، إذ يستخدم الصحافيون الإسرائيليون الفعل المبني للمجهول ،عندما يتعرض فلسطيني لإرهاب الجيش والمستوطنين، كالقول مثلا "قتل فلسطينيان أحدهما طفل يبلغ التاسعة من العمر... "، ولكن عندما يتعرض إسرائيلي لهجوم فلسطيني بأن يقتل أو يجرح، تستخدم وسائل الإعلام الإسرائيلية الفعل المضارع المستمر، وتورد في التقرير أسماء الضحايا وأعمارهم وماذا كانوا يفعلون “لأنسنتهم”، الأمر الذي لا ينطبق على الفلسطيني، الذي يحوله الإعلام الإسرائيلي إلى رقم جامد سواء في حياته أو مماته...
ولا يختلف اثنان على أن الإعلام الإسرائيلي، وصل إلى درجة عالية من الاحتراف والشفافية، في تغطية القضايا الداخلية الاسرائيلية، كالفساد والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى، إذ أطاح برؤساء حكومات، وأدخل الكثير من السياسيين السجن، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن عندما يتناول هذا الإعلام الشأن الفلسطيني وشؤون الصراع العربي- الإسرائيلي بشكل عام ،تغيب عنه “الديمقراطية” و”الشفافية”، وتأخذ تغطيته منحى آخر يختزل بـ”نحن” مقابل “هم”، أو “جيش الدفاع” مقابل “العدو”، وتصبح الرواية العسكرية هي الرواية الوحيدة المسموح بنقلها.
وسائل الاعلام الإسرائيلية لا تستخدم مثلا مصطلح “الأراضي الفلسطينية المحتلة”، باستثناء استخدامه أحيانا من قبل بعض الصحفيين، وكتاب الأعمدة اليساريين المعارضين لسياسات حكوماتهم، الذين يوصفون في إسرائيل بـ”كارهي أنفسهم”، ويغيب هذا المصطلح تماما عن غرف الأخبار، ويجري استبداله بمصطلحات أخرى كـالمصطلح التوراتي “يهودا والسامرة” أو “المناطق” أو “المناطق المتنازع عليها”… والهدف من استخدام مصطلح كهذا، إخفاء حقيقة أن إسرائيل، تحتل أراضي شعب آخر، والإيحاء بأن اليهودي هو ضحية الفلسطيني الذي يناضل دونما سبب أو جدوى!
إن مصطلحات لغوية كالاحتلال، والعنصرية، والأبارتهايد، والتطهير العرقي، والنكبة، غير موجودة إطلاقا في قاموس الإعلام الإسرائيلي، مما يجعل الإسرائيلي العادي يعيش حياته وهو لا يعلم ما يجري من حوله.. فمثلا كلمة عنصرية غير موجودة في الذاكرة الجمعية الإسرائيلية.
ومثلا عند تغطية الاعلام الاسرائيلي لقضايا تتعلق بفلسطينيي الداخل، بسن الكنيست الإسرائيلي على سبيل المثال تشريعا يقضي بأن اليهود فقط، بإمكانهم شراء 13% من الأراضي في إسرائيل، فبذلك يكون برلمانا عنصريا، وعندما يكون نادرا تعيين عربي وزيرا في الحكومات الإسرائيلية، على مدى اكثر من 70 عاما فإنها حكومة عنصرية، وعندما تواجه الشرطة والجيش المتظاهرين الفلسطينيين دون غيرهم، باستخدام الذخيرة الحية والطلقات المطاطية والبلاستيكية ، فهما شرطة وجيش عنصريان، وإذا قال 75% من الإسرائيليين في استطلاعات الرأي، إنهم يرفضون أن يكون لهم جار عربي فهو مجتمع عنصري.. وبالمحصلة النهائية فإن عدم الاعتراف بأن إسرائيل دولة عنصرية تتزايد فيها العنصرية يوميا ، سيؤدي إلى عدم تمكن الإسرائيلي العادي من التعامل مع واقعه المعاش. .
إن المصطلحات الإعلامية الإسرائيلية ، تتسم بالمراوغة وبتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا، وغالبا بأبسط مبادئ المنطق السليم ، مما يجعل من الضرورة تفكيكها وإعادة تركيب وصياغة مصطلحاتٍ مضادة، وليس التوقف عند نقد المصطلح أو إدانته، بل تجاوز ذلك إلى تعرية المفاهيم الكامنة خلفه.