الحدث- سوار عبد ربه
شهد شهر رمضان 2022 كما كل عام، اقتحامات للمسجد الأقصى، وتعكيرا لصفو المسلمين في هذا الشهر الفضيل، الأمر الذي قوبل بمواجهة تعددت أساليبها، وفي مشاهد كثيرة وثقتها عدسات الكاميرا كانت بطلات تلك المواجهات النساء اللواتي شكلن خط الدفاع الأول في ردع اقتحامات المستوطنين وقوات الاحتلال بالصوت والعناد فقط.
تقول المرابطة عائشة عليان لـ"صحيفة الحدث"، إن "الاقتحامات التي نفذها المستوطنون وقوات الاحتلال هذا العام كانت مختلفة، واستمرت بشكل لافت، بسبب تزامن الشهر الفضيل مع الأعياد اليهودية، حيث بدأت منذ الأسبوع الأول، واستمرت على مدار أيام متتالية، ما دفعنا للاعتكاف والرباط بشكل مكثف، لكن المشكلة كانت في أعداد المصلين، سيما في الجمعتين الأولى والثانية من شهر رمضان، فإذا ما قورنت الأعداد بالأعوام الفائتة، سنجد أنها كانت أضعافا مضاعفة عن العام الحالي.
وأدى صلاة الجمعة الأولى من رمضان نحو 80 ألف مصل، وفقا لمدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس عزام الخطيب، لينخفض العدد إلى 60 ألف مصل في الجمعة الثانية، ويصل إلى 150 ألفا في الجمعة الثالثة.
وترجع عليان السبب في ذلك إلى التضييقات التي فرضها الاحتلال بشكل مبالغ فيه هذا العام، من خلال تحديد أعمار المصلين على أن تقتصر على من تتجاوز أعمارهم الـ 50 عاما فيما كانت في السابق 40 عاما، وتدقيق هويات النساء، بالإضافة لمنع أهالي الشهداء والأسرى من الدخول إلى مدينة القدس المحتلة.
وتوضح المرابطة في حديثها لصحيفة الحدث: أن الوضع داخل المسجد الأقصى هذا العام كان متوترا جدا، خاصة وأن المستوطنين كانوا يؤدون الصلوات التلمودية على أعين المرابطين والمرابطات، وهذا ما حدث لأول مرة، بهذا الشكل، دون أن يكون هناك رادع حقيقي لهذه الممارسات الاستفزازية.
نحمي الأقصى في عيوننا
تؤكد عليان أن المرابطات على استعداد لحماية الأقصى بأعينهن، لكن الأمر يحتاج إلى وقفات تضامنية جادة، وزحف من جميع مناطق فلسطين المحتلة، للاعتكاف والرباط في المسجد الأقصى المبارك.
وعن دور المرأة في صد اقتحامات المستوطنين وقوات الاحتلال، تقول المرابطة: تواجد المرأة مهم جدا سواء للدفاع عن المسجد الأقصى أو في الحياة العملية والاجتماعية، فالمرأة في المسجد الأقصى كانت خط دفاع عنه وعن هذه الممتلكات الدينية، الأمر الذي عرضهن للضرب والشتم والاعتداء والاعتقال والتحقيق والإبعاد من قبل قوات الاحتلال ومستوطنيه، مؤكدة أن أجساد النساء الفلسطينيات كانت رادعة لاقتحامات أكبر وأوسع، وتدنيس أكثر في المسجد الأقصى.
وبحسب المرابطة عائشة: تمثل دور المرأة في تأدية الصلاة أمام جنود جيش الاحتلال ما شكل حاجزا وخوفا عند عناصر شرطة الاحتلال ومستوطنيه، بالإضافة إلى الإرباك الصوتي والتكبيرات وهذا أكثر ما يرعب جنود الاحتلال والمستوطنين. مضيفة أن النساء الفلسطينيات مثلهن مثل الرجال تعرضن للضرب والقمع والتنكيل، ولكن يبقى هذا واجبنا الأساسي والأهم في هذه الفترة.
الإرباك الصوتي أسلوب قديم تعمق في العام الحالي
وتوضح المرابطة أن موضوع الإرباك الصوتي بدأت فيه النساء منذ عام 2016 عند اقتحام مجموعة من المستوطنين لباحات المسجد الأقصى المبارك، فكان رد فعل النساء أنهن بدأن بالتكبير والطرق على الأبواب، كي يشتتن مسار المستوطنين، بالإضافة إلى الضغط عليهم، وتبليغهم رسالة مفادها أن المرابطات والمرابطين لن يسمحوا بأي اقتحام في المسجد الأقصى. وبحسب المرابطة عائشة، فإنه بعد عام 2016، اعتمد الشبان والنساء في المسجد الأقصى مسألة الإرباك الصوتي.
وفي الاقتحامات الأخيرة كان الشبان المحتجزون داخل المصلى القبلي يمارسون الإرباك الصوتي من خلال الطرق على الأبواب، وتشغيل صافرات الإنذار وغيرها وفقا للمرابطة، منوهة أن هذا الأمر البسيط يشتت المستوطنين المقتحمين ويخيفهم.
واعتمدت النساء أيضا منذ بداية الاقتحام، رفع القرآن في وجه المستوطنين، والتكبيرات تأكيدا على الحق الديني والمكاني للمسلمين في المسجد الأقصى.
وتوجهت المرابطة برسالة إلى جميع المسلمين في العالم، أن الأقصى ليس للمقدسيين فقط ولا حتى للفلسطينيين وحدهم، فهو القبلة الأولى للمسلمين، وحمايته واجبة على كل فرد مسلم وعربي.
وأشارت عائشة إلى أنه حتى المرابطات المبعدات عن المسجد الأقصى المبارك، سعين للتواجد في أقرب مكان إلى الأقصى، "فهذا واجب وليس منة، وعلى كل امرأة في مدينة القدس المحتلة وكل إمرأة تستطيع الوصول إلى المسجد الأقصى أن تأتي وترابط، وتعتكف داخل باحاته.
بدورها قالت المرابطة شيماء أبو طير، إن المرأة الفلسطينية شريكة في النضال في كل جوانبه، ومن الطبيعي أن تكون شريكة في الدفاع عن المسجد الأقصى، أقدس مقدسات المسلمين.
وتطرقت أبو طير إلى بداية فكرة الرباط والاعتكاف، حيث أوضحت أن المرأة كانت من أوائل المرابطين في المسجد الأقصى، وتواجدها حفز الكثير من النساء على القدوم والرباط، ففي البداية كان التواجد يقتصر فقط على فئة قليلة، ولساعات محدودة، من باب الحرص على التواجد فقط، ثم توسع ذلك ليشمل حلقات العلم، ما حفز على انضمام مرابطات جدد، ثم بدأت حملات الإفطار الجماعي في المسجد الأقصى، إذ تجلب كل امرأة ما تصنع يدها من طعام وتأتي للإفطار هناك، فأخذت الأعداد بالتزايد بشكل تدريجي.
وعن دور المرأة في الاقتحامات الأخيرة تقول المرابطة، إن النساء حرصن على التواجد عند سطح قبة الصخرة في الوقت الذي كان الرجال فيه محتجزين داخل المصلى القبلي من قبل قوات الاحتلال التي عملت على تأمين اقتحامات المستوطنين، وفي إحدى أيام الاقتحام، أحضرنا كراسي ومصاحف وجلسنا بشكل جماعي، رافضين أن يتم إبعادنا أو إرجاعنا خطوة واحدة للخلف، كما شاركنا في الإرباك الصوتي، وكنا لا نتوقف عن التكبير وصيحاتنا لا تنتهي إلا بانتهاء الاقتحام.
وتشير المرابطة إلى أن الرباط يكلف الروح والحياة والجهد والوقت، ما بين اعتقالات متكررة، وتوقيف وقرارات الإبعاد، والاستدعاءات، والمضايقات وقطع التأمين الصحي، والتهديد باعتقال أفراد العائلة، وهذا كله يأتي في سياق منعنا من التواجد في المسجد الأقصى، مشددة على أن ظلم الاحتلال واعتداءاته على المرابطات لا يزيدهن إلا قوة وإصرارا.
رمضان هذا العام كان مختلفا
في هذا الجانب تقول المرابطة شيماء أبو طير، لـ"صحيفة الحدث" إن تجييش المستوطنين بدأ قبل شهر رمضان المبارك، من خلال الإعلانات ومنشورات الجمعيات الاستيطانية، التي هيأت بيئة خصبة لتوتر الأوضاع قبل الشهر الفضيل وخلاله، الأمر الذي دفع بالمرابطات لاتخاذ قرار بالتواجد في المسجد الأقصى طيلة أيام شهر رمضان.
وحول الفروقات التي لوحظت خلال اقتحامات العام الحالي، توضح المرابطة أن شرطة الاحتلال كانت تدخل قبيل اقتحام المستوطنين بفترة زمنية، وتحاول إفراغ المسجد الأقصى من المصلين وتعمل على محاصرتهم داخل المصلى القبلي، وتغلق الأبواب عليهم، حتى النساء عملوا على حصر تواجدهن في بقعة معينة، مع تواجد مكثف لجنود الاحتلال أمامهن وفي محيطهن.
وتضيف: أحد الفروقات أيضا أنه تم الإعلان هذا العام عن نية المستوطنين ذبح القرابين داخل المسجد الأقصى، الأمر الذي لم يحدث مسبقا، إلى جانب أن عدد المقتحمين كان كبيرا، وهذا ما آلمنا وأوجع قلوبنا، ناهيك عن أنه في السابق كان الاقتحام يجري على مرحلتين، واحد صباحا وآخر مساء، لكن هذه المرة اقتصر الاقتحام على الفترة الصباحية.
وتتابع: "والملفت هذا العام أيضا الوحشية التي تعامل فيها جيش الاحتلال مع المصلين، من خلال الضرب المبرح، وإطلاق الرصاص المطاطي على الشبان وتعمد إصابتهم في الأجزاء العلوية من الجسد، بهدف إلحاق الضرر والتقليل من تواجدهم".
في المقابل، ترى أبو طير أن المرابطات والمرابطين، استغلوا كل الطرق الممكنة لمحاولة صد هذه الاقتحامات والاعتداءات الغاشمة على المصلين، من خلال أجسادهم وأصواتهم والحجارة، منوهة أن الأسلوب الأكثر ردعا للاقتحامات هو التواجد المكثف بأعداد كبيرة داخل المسجد الأقصى.
واعتبرت المرابطة أن أبسط الطرق التي استغلتها المرابطات مكنتهن من استفزاز المستوطنين.
وأشارت المرابطة إلى أن هذا العام كان هناك تواجد لوجوه جديدة من المرابطات، واختلاف في الفئات العمرية لهن.
وختمت أبو طير حديثها بالقول: سنبقى نحن المرابطات حصن المسجد الأقصى وجنوده، وكتيبة في الدفاع عنه، وأدعوا المقدسيين وأهلنا بالداخل الفلسطيني المحتل عام 48 بالحرص الدائم على التواجد داخل المسجد الأقصى سواء خلال شهر رمضان أو غيره.
ودعت المرابطة إلى أن يتم تخصيص يوم رباط لكل بلدة، فمثلا اليوم الأول يأتي أهالي بلدة سلوان بالكامل للرباط فيه، واليوم التالي أهالي جبل المكبر، فبيت حنينا، فكافة قرى وبلدات القدس المحتلة، ثم قرى وبلدات الداخل المحتل، للحفاظ على التواجد الفلسطيني والعربي داخل المسجد الأقصى، مشيرة إلى أن رمضان هو شهر من السنة، لكن الاقتحامات مستمرة طوال العام، ما يدفعنا للتواجد طيلة العام في المسجد الأقصى.
في سياق ذي صلة، شهد رمضان الماضي 2021، أحداثا ساخنة في القدس، توزعت بين حي الشيخ جراح، وباب العامود والمسجد الأقصى، وتصاعدت وتيرة الأحداث لتشمل مناطق أوسع من فلسطين المحتلة، إلى حين دخول المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على خط المواجهة، وفي أحداث العام المنصرم كان للمرأة أيضا حضور بارز، ومنهن من أصبحن أيقونات نضالية في تلك المرحلة.
ولا تزال المرأة الفلسطينية تسطر أسمى معاني النضال والصمود والتحدي في ظل هذا الاحتلال الغاشم، مع تصاعد مستمر لدورها في هذا المجال، بحسب ما أوضحته الناشطة الحراكية سمر حمد لـ"صحيفة الحدث".
وترى حمد أن المرأة الفلسطينية قادرة منذ زمن طويل على التواجد في الميدان جنبا إلى جنب مع الرجال، فهي أم الشهيد وزوجة الشهيد وأم الأسير وزوجة الأسير وتتحمل مسؤوليات في شتى المناحي، وتقف شامخة في هذه الظروف الصعبة التي تواجه الشعب الفلسطيني.
معركة سيف القدس.. أعلت صوت المرأة
واعتبرت الناشطة الحراكية أنه بعد معركة سيف القدس ليس فقط نساء فلسطين بل الشعب الفلسطيني ككل تلقى جرعات عالية من التفاؤل والثقة بالنفس واليقين بأننا قادرون على استرجاع حقوقنا، وهذا ما أثر أيضا على المرأة، لذا رأينا لها تواجدا قويا وظهورا بارزا في شتى المجالات ومختلف الميادين.
وتضيف: "كان للمرأة صوت عالٍ وبارز في شتى القضايا، وفي كافة مناطق البلاد سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس المحتلة أو الداخل الفلسطيني المحتل.
وحول الأيقونات النسائية التي برزت مؤخرا، تقول حمد إن ذلك لكون المرأة حملت على عاتقها جزءا كبيرا من النضال، سيما بعد أن استطاعت أن تكسر الصورة النمطية التي حددتها في وظائف وأدوار معينة، وجعلتها بعيدة عن النواحي السياسية والنضالية، فالنساء اللواتي خرجن عن هذه الصورة، أصبحن أيقونات في العمل السياسي والنضالي والشعبي.
وتضيف: "هذا أعطى صورة جديدة مشرقة، كانت موجودة منذ الأساس وهي ليست جديدة أو وليدة على الشعب الفلسطيني، لكنها في تصاعد مستمر، فالنساء في فلسطين منذ القرن الماضي وهن يقدمن الكثير، لكنهن أصبحن اليوم أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهن في شتى المجالات.
وتوجهت حمد برسالة إلى الذين يطالبون المرأة بالتنحي عن الميدان قائلة: هذه نظرة قاصرة، الإنسان الذي ينظر إلى المرأة التي تتواجد في الساحات أو الميادين سواء في المظاهرات أو في العمل السياسي على أنها ضلع قاصر يريد أن تبقى في أماكن محددة ووظائف محددة لديه نظرة قاصرة، مضيفة أن للمرأة دورا عظيما وكبيرا سيما وأنهن أثبتن أنهن قادرات وجديرات على أن يخضن كل الميادين والغمارات وبالتالي الذي يقول إن المرأة وجودها وهتافاتها في الميادين مخل هو لا يفهم دور المرأة الحقيقي.
وأكدت حمد على أن المرأة هي التي تربي الأجيال وتخرج الرجال وتقف وتدافع عن هذا الوطن خاصة في ظل الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، متسائلة إن جلست كل امرأة في بيتها وقالت هذا فوق طاقتي ووظيفة لا تخصني أو لا أستطيع تأديتها، فمن الذي سيقف لأبناء هذا الشعب؟.