الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

روسيا ما قبل بوتين (11)/ بقلم: د. سامر العاصي

روسيا… بلا جيش!

2022-05-15 08:17:41 AM
روسيا ما قبل بوتين (11)/ بقلم: د. سامر العاصي
سامر العاصي

في العام 1995، استطاعت المخابرات الروسية الحصول على محضر اجتماع سري "للغاية"، جرى في البيت الأبيض بين الرئيس "بيل كلينتون"  وكبار مساعديه حيث قال:-

_ لقد حصلنا، في السنوات الأربع الماضية من روسيا، على عشرات الآلاف من أطنان المواد الاستراتيجية الخام مقابل بضعة "سنتات"!، وقد أثبتت سياسة أمريكا وحلفائها نجاعتها في تدمير الاتحاد السوفيتي، وتدمير روسيا أيضا، وأننا استطعنا الوصول إلى أهدافنا دون إطلاق رصاصة واحدة، وذلك من خلال التدمير الذاتي الذي قاده الرئيسان "غورباتشوف" و"يلتسين".

ومع ذلك، لم تكن الدوائر الغربية لترضى بالسيطرة على الاقتصاد الروسي فحسب، بل كانت تتطلع وتتربص الفرصة، تلو الفرصة، لتمزق القوة العسكرية الروسية، خشية أن يأتي قيصر جديد، في يوم من الأيام، يأخذ إمكانات روسيا الجبارة، ويعيد العالم إلى سياسة القطبين.

فبعد يومين فقط، من سقوط الاتحاد السوفيتي، ديسمبر 1991، أعلن الرئيس "يلتسين"، نفسه، رئيسا للوزراء، ووزيرا للدفاع.. ومنذ تلك اللحظة، بدأ تمزيق الجيش الروسي. 

ومن أجل الحصول على قروض من الغرب، قام "يلتسين" بتدمير 262 مصنعا من أكبر المصانع الحربية وأفضلها في العالم. وبتقليص عدد فرق الجيش الروسي من 212 فرقة إلى 24 فرقة!. أما بقية الفرق الأخرى فقد أصبحت غير فعالة على نحو مطلق.

وبعد أن أتم "يلتسين"  خصخصة الغالبية العظمى من المصانع الحربية، قام الرجل بتخفيض ميزانية وزارة الدفاع ( 5 مرات- مضاعفات!)  في الوقت الذي ظل فيه الرجل يغازل (كذبا) مارشالات الجيش، معلنا عن نيته بمضاعفة رواتب جنود الجيش وضباطه!. 

ووفقا لذلك، فإن 22٪ فقط! من مصانع مجمع الصناعات العسكرية، كانت تعمل في العهد "اليلتسيني"! كما أن 30٪  من  تلك المصانع (من 22%!!)، كانت قد توقفت عن الإنتاج بالمطلق.

وفي شهر أيار 1992، تم تعيين الجنرال "غراتشف"، وزيرا للدفاع، مكافأة له على موقفه في دعم انقلاب "آب" 1991. يذكر أن "غراتشف"، فور تعيينه، أعطى أوامره بإزالة حلقة الدفاع الصاروخية المضادة للصواريخ الباليستية"، بحجة عدم وجود أي أعداء لروسيا!. 

وصارت عملية خصخصة المؤسسة العسكرية، وتحطيمها تجري بسرعة الريح، فمع بداية العام 1996، كانت 58% من تلك المؤسسة قد أصبحت شركات خاصة، وتم تحويلها إلى أغراض "مدنية".  يذكر أنه، في ذاك العام، تم طلب صناعة 58 دبابة فقط!! (أي أقل من المعدل السنوي ب 60 مرة). كما تم تجميد إنتاج الطائرات العسكرية الثقيلة، حتى أنه في عامي (1994/1995) تمت صناعة "طائرتين قاذفتين" فقط!. ومنذ العام 1995 توقف إنتاج طائرات الهليكوبتر نهائيا. 

وظهر اتجاه، في القيادة "اليلتسينية" آنذاك إلى بيع المعاهد العسكرية العلمية أيضا!

وهكذا.. تم إغلاق العديد من مكاتب التصاميم العسكرية الاستراتيجية والعشرات من مراكز البحث العلمي العسكري. وعليه، تم تسريح مليونين ونصف المليون موظف روسي من هذه المؤسسة!

ولم تقم حكومة "يلتسين" بدفع ديونها المالية إلى وزارة الدفاع التي وصلت إلى 5.3 تريليون روبل! 

وجاء تسريح مئات الآلاف من الجنود الروس العائدين من أوروبا الشرقية، ليزيد من درجة الغليان الاقتصادي والأمني. ويقال بأن وزير الدفاع السوفياتي السابق، المارشال "يازوف"، (أحد مخططي محاولة الانقلاب الفاشل ضد "غورباتشوف")، وبعد الإفراج عنه، تلقى مرة "مساعدة مالية"!!، من صديقه وزير الدفاع السوري العماد "مصطفى طلاس"، وبشكل سري، مبلغ ألفي دولار "2000$" ! بعد أن كان الرجل يوقع (سابقا)، "عقودا" بمئات المليارات من الروبلات والدولارات. ويقال بأن الرئيس "ياسر عرفات"، ظل يقوم، ولسنوات طوال، بدفع "رواتب" للعديد من المستشرقين الروس بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

وهكذا... أصبح عدد فرق الجيش الروسي، في بداية 1999، 7 فرق فقط لا غير! 

ومع نهاية العام نفسه، كانت هناك فرقتان عسكريتان فقط من سلاح الصواريخ "المضاد للصواريخ الباليستية" تعملان على تغطية أكثر من 17 مليون كيلو متر مربع!!! (مساحة روسيا 1/11 من مساحة العالم)، مقارنة ب 49 فرقة في الجانب الأمريكي.

وجاءت الإهانة الكبرى للجيش والدولة الروسية، قبل 4 أشهر فقط من نهاية حكم يلتسين عندما احتلت جمهورية الشيشان (الاتحادية الروسية)، أراضي جمهورية داغستان (الاتحادية الروسية أيضا!!)

ومع نهاية اليوم الأخير من حكم "يلتسين"، صارت روسيا... وكأنها بلا جيش. 

وظل الوطنيون الروس ومنهم "فلاديمير بوتين ورفاقه"، يشاهدون بأعينهم، ودموعهم، تحطيم جيشهم، وهم ينتظرون اللحظة التي سيعيدون فيها بناءه، وإعادة  الهيبة والعزة والكرامة إلى روسيا .