الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

روسيا البوتينية (1)/ بقلم: د. سامر العاصي

أصعب مهنة في العالم

2022-05-22 08:42:09 AM
روسيا البوتينية (1)/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

يقول المستشار الألماني السابق، جيرهارد شرايدر، إن هناك وظيفتين في الكرة الأرضية لم أتمناهما يوما في حياتي، الأولى هي أن أكون "البابا! أما لماذا؟ فأنا لا أعرف تفسيرها!... أما الثانية فهي أن أكون "رئيس روسيا"!.. ذلك أن روسيا دولة عملاقة، تتكون من مجتمعات وقوميات مختلفة ومتعددة وتاريخ عريق ومشاكل جمة.

ففي العام 1990، عاد المحامي "فلاديمير بوتين"، الذي عمل  في محطة "المخابرات السوفيتية" في مدينة "درسدن" فيما كان يعرف بـ"بألمانيا الشرقية"، إلى مسقط رأسه، مدينة ليننجراد، ليشغل منصب "نائب رئيس جامعة ليننجراد". وفي حزيران 1991، أصبح رئيس الجامعة ومعلم "صاحبنا"، السيد "انتولي سابتشاك"، رئيسا لبلدية ليننجراد (التي صار اسمها سانت بطرسبرج)، وعليه تم تعيين "فلاديمير بوتين" نائبا أول لرئيس بلديتها، ثم صار الرجل نائبا لمدير شؤون الرئاسة الإدارية في (حكومة إقليم سانت بطرسبرج) التي ترأسها "سابتشاك" أيضا.

وفي آب من العام 1996، استُدعيَ "بوتين"، للعمل في موسكو، ليشغل منصب، نائب رئيس الديوان الرئاسي في الكرملين، ثم ما لبث الرجل أن صار رئيسا لجهاز الرقابة الرئاسية في الدولة المتهالكة. 

وسرعان ما صعد الرجل، درجة أخرى، حين تم تعيينه، في تموز 1998، رئيسا لجهاز الأمن الروسي، أو المخابرات الروسية (ف.س.ب F.S.B ). وبعد أقل من 6 أشهر، أضيف إلى مهامه، منصب (سكرتير عام مجلس الأمن القومي الروسي). ولم يبق أمام الرجل سوى خطوتين اثنتين لتحقيق كامل أهدافه.

وجاء أيار من العام 1999، لتتصاعد حدة إضرابات عمال المناجم، بعد أن تمكنوا من إغلاق جميع خطوط السكك الحديدية في البلاد، وقطع الطرقات بين المدن، مطالبين بدفع رواتبهم المتراكمة منذ أشهر رافعين شعار: "الشعب يريد إسقاط الرئيس". واستطاع "بوتين"، وبوقت قصير جدا، تسوية جميع مطالب العمال، وإنهاء الإضراب الذي شلّ حركة البلاد، بعد أن ذهب إليهم والتقى بممثليهم.  

ومع بداية شهر آب 1999، تسارعت الأحداث في البلاد، عندما احتلت قوات الشيشان (الروسية الاتحادية)، أراضي جمهورية داغستان (الروسية الاتحادية.. أيضا)، مما شكل "إهانة" للجيش الروسي وحكومته وللشعب الروسي أيضا. وعلى إثر ذلك، وبعد ثلاثة أشهر فقط من عمله، قدم رئيس الوزراء "ستيباشن" استقالته من منصبه، معلنا أمام الصحفيين أن الوضع السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري في البلاد سيئ "جدا جدا"، وأن الرئيس "يلتسين" قد كلف للتو سكرتير عام مجلس الأمن القومي "فلاديمير بوتين" تشكيل الوزارة! 

وما إن تسلم رئيس الوزراء الجديد منصبه، حتى أمر "برد الصاع" ضد أي جهة تتحدى الدولة الروسية "بعشرة أضعافها"، معطيا قادة الجيش الروسي هناك كامل الصلاحيات العسكرية بشن هجوم كاسح لطرد القوات الشيشانية من أراضي "داغستان"، وبعد حوالي الشهر، كانت جميع أراضي "داغستان" قد حررت بالكامل.

وبدا أن قادة الجيش الروسي بدأوا يتفاءلون "بالرجل" الذي أعلن حربا "لا هوادة فيها" ضد حركة الانفصال في روسيا كلها، والتي تسببت بمقتل  عشرات الآلاف من المدنيين والجنود، والتي صارت تهدد ديمومة الدولة الروسية.

وأعلن "بوتين" حربه الشاملة على العصابات الإرهابية، التي صارت تقوم بتفجيرات العمارات السكنية، وقطارات الأنفاق في موسكو، وفي مدن روسية أخرى. كما أعلن الرجل أيضا، سياسة "الضرب بيد من حديد ونار"، وملاحقة الإرهابيين أينما كانوا، وأينما ذهبوا (حتى إلى داخل دورات المياه والحمامات). وبعد أقل من شهرين، استطاع "بوتين" شق المعارضة الشيشانية، التي كانت تدعو إلى انفصال الشيشان والاستقلال عن روسيا، باستمالته رجل الشيشان القوي "أحمد قاديروف"، والد الرئيس الحالي "رمضان” . 

 

وشعر قادة الجيش، بل وتأكدوا، بأن من يجلس في "الكرملين" الآن لن يخذلهم، كما كان في السابق. وصارت انتصارات الجيش تتوالى في معاركه ضد الانفصاليين والإرهابيين فوق كل الأراضي الروسية. 

وبدأ المواطن الروسي العادي، يشعر دون أن يفهم أو يتأكد، بأن "رياحا جديدة تهب من "الكرملين"

وظل السياسيون الروس، باختلاف توجهاتهم الحزبية، أكثر حذرا في تأييدهم للرجل الجديد، ظنا منهم بأنه من حاشية السكير "يلتسين"، وهو ما كان يثلج صدور "السياسيين الغربيين" وجميع رؤساء أجهزة المخابرات الغربية من تحليلاتهم لشخصية "الرجل الجديد". والحقيقة أن قلب وصدر  الرئيس "يلتسين"، هو من كان بحاجة إلى من "يثلجه" ويداويه!  

وظهر أن "فلاديمير بوتين" لديه الدواء، لسيد الكرملين المريض. 

ويقال إن "يلتسين" قد فهم بأنه سينجو من المحاكمات القادمة ومن العقاب.... إن هو وضع ثقته الكاملة ومنصبه بين يدي "بوتين".

وقبل 5 دقائق فقط، من دخول العالم الألفية الثالثة، من مساء يوم 31 ديسمبر من العام 1999، وفي خطوةِ أذهلت الشعب الروسي، وأذهلت الغرب والشرق، أعلن "يلتسين" استقالته من جميع مناصبه، وتعيينه "فلاديمير بوتين" رئيسا "بالنيابة"، ريثما تتم الانتخابات الرئاسية.

لتدخل روسيا، والعالم كله، القرن الجديد ... مع زعيم جديد.