الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

روسيا البوتينية (2)| بقلم: د. سامر العاصي

من أين يبدأ؟

2022-05-25 12:46:41 PM
روسيا البوتينية (2)| بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

مع بزوغ فجر يوم 1-1-2000، وما إن حطت الطائرة العسكرية للرئيس الروسي الجديد وسط أرض المعارك في الشيشان، حتى ارتفعت معنويات قادة الجيش وجنوده إلى السماء، خصوصا، بعد أن اجتمع معهم الرجل في خيمة عسكرية، رافعا كأسا من الفودكا نخبا لشهداء الجيش الروسي الذين قتلوا، أو جرحوا في الحربين "الروسية-الشيشانية". ولما هَم أحد القادة العسكريين بشرب الكأس حتى أمسك "بوتين" بيده بقوة، قائلا له:- 

  • ولكننا لن نشرب الكأس الآن يا رفيقي! بل سنعيد الكؤوس جميعها إلى الطاولة، كما هي مملوءة، وسنشربها حتى القاع، بعد أن نكون قد حققنا النصر كاملا، وأعدنا ترتيب وحدة البلاد.

 وكان لا بد للرجل أن ينهي الانفصال السياسي والإداري لجمهورية الشيشان، لكي تكون عبرة لباقي الجمهوريات والأقاليم التي صارت تطالب بالانفصال عن روسيا، لا بل وصار البعض يتحدث علانية عن (الحتمية التاريخية في تفتيت وتجزئة الدولة الروسية)، وسط عجز وصمت الكرملين. ووصل الأمر بأحد حكام الأقاليم في سيبيريا إلى القول بأن تأجير كامل أراضي إقليمه لليابان هو أفضل الطرق للخروج من الأزمة الاقتصادية!

وهكذا، صار انتصار الجيش الروسي في الشيشان، ووقف بيع النفط الشيشاني ذي الجودة العالية، الذي كان يباع ويُصدر بأبخس الأسعار، هو المفصل الرئيسي لاستقرار روسيا الاتحادية كدولة موحدة. وبعد أسابيع قليلة فقط، استطاع "بوتين" إنهاء الحرب، بانتصار الجيش الروسي انتصارا كاسحا. وصارت قيادات الجمهوريات والأقاليم تفكر جديا بنتائج وتبعات أي قرار انفصالي عن روسيا الأم. 

وفهم "البعض" أن القيادة الروسية قد تغيرت، وأن عهدا جديدا لروسيا قد بدأ.

وفي  آذار 2000، فاز مرشح الكرملين والأليجارك "فلاديمير بوتين"، في الانتخابات الرئاسية بنسبة 53% فقط من الأصوات! وذلك بسبب دعم الأليجارك، وحاشية الرئيس السابق له. 

وكان محور الأسئلة، التي بدت أمام الرجل، بعد نجاحه في الانتخابات، هي، كيف يمكن النهوض بالبلاد من الموت السريري؟ 

وكيف يمكن لروسيا دفع الديون (500 مليار دولار) للدول الغربية؟ التي بلغت فوائدها 40 مليار دولار "فقط"!

وكانت الأسئلة تبدأ من أين؟ وكيف؟ يمكن إطفاء الحرائق المندلعة هنا وهناك، وروسيا كلها تحترق وتتمزق!

وصارت العشرات والمئات من الأسئلة الاقتصادية والأمنية والعسكرية والدولية تدور في رأس الرئيس الجديد!  

وقرر الرجل أن يخطو خطوتين إلى الأمام وبسرعة:- 

الخطوة الأولى، تكمن بإعادة ترتيب الجيش الروسي لمنع تفتيت روسيا، وضرب الفلتان الأمني بيد من "حديد ومن نار". 

أما الخطوة الأخرى، فقد ظلت في عقل صاحبها، منتظرا اللحظة المناسبة والحاسمة للانقضاض والقضاء على "الأليجارك"، وإعادة السلطة الفعلية إلى الكرملين، والسيطرة التامة على وسائل الإعلام.

وكان لا بُد للرجل من البدء بإنشاء نظام إداري جديد، وتقسيم البلاد إلى 7 مناطق على رأس كل إقليم "ممثل" من رجالاته المخلصين. وتم مطاردة رجالات العصابات والمافيات المنظمة وغير المنظمة وضربها "بأيد من حديد ونار" والزجً بعشرات الآلاف منهم في السجون السيبيرية، بعيدا عن المدن التي بدأت تعيش تحت حكم "ديكتاتورية الدولة"، بعد القضاء على "ديكتاتورية الشارع".

وتم إلقاء القبض على المئات من الحكام والمسؤولين الكبار الفاسدين والمرتشين.

وبدا أن الشعب الروسي قد يثق بزعيمه الجديد إن استطاع القضاء على "الأليجارك" (طبقة القطط السمان) أولا، وإعادة بناء الجيش الروسي.

وسمي العام 2000 بعام إعادة ترتيب البلد.

الطريف ذكره، أنه في العام 2018، وفي لقاء تلفزيوني رد الرئيس "بوتين"، على سؤال، إن كان قد شرب ذاك الكأس بعد ذلك ومع من؟... وكان جواب الرجل:- 

  • نعم! لقد شربت الكأس لاحقا وحتى القاع، مع من شارك في تلك المعارك، وتذكرنا مآثر أبطالنا الذين قضوا نحبهم من أجل وحدة روسـيا.