كانت الخطوة الأولى لرئيس روسيا الجديد "فلاديمير بوتين"، تكمن في النهوض بالصناعات الاستراتيجية، وإعادة ترتيب الجيش الروسي المحطم معنويا وماديا، حيث لم تتلق مصانع الجيش العسكرية، منذ العهد الغاربتشوفي، أيا من الطلبات العسكرية سواء من داخل روسيا، أو من خارجها. وبعد أن كانت مبيعات السلاح السوفيتي تصل إلى 35 مليار دولار سنويا! أصبحت 5 مليارات فقط!
وبدأ الرجل بتطهير الجيش وغربلته، استعدادا لإعادة القدرة الدفاعية للدولة النووية، التي أصبحت جيوشها غير قادرة حتى على حماية سماء وطنها. ولم يكن الجيش الروسي قادرا على تحديث أسلحته، في الوقت الذي بدأ فيه حلف "الناتو" يتطلع إلى نشر أسلحته في دول "حلف وارسو" السابقة!
وبدأ "بوتين" عملية إصلاح واسعة، شملت إعادة ترتيب الجيش، وهيكلته، وغربلته من القمة وحتى القاعدة. وأخذت المصانع الحربية تتلقى الطلبات من وزارة الدفاع بعد أن تم تحديثها وإعادة الكفاءات العلمية إليها، وتخصيص تريليونات الروبلات لبناء المصانع الحربية.
وتلفت الرجل، ليجد أن منظومات الأسلحة الأميركية المنتشرة حول بلاده، أصبحت تغطي كامل أراضي بلاده. وجاء رأي قادة الجيش الروسي الجديد، بأن المنظومة هذه، ما هي إلا جزء لا يتجزأ من المنظومة الهجومية الشاملة، وبالتالي، فإن هذا يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الروسي.
وبدأ الرجل يغذي شعبه بالروح الوطنية، التي انشغل الروس عنها منذ العهد "الغاربتشوفي".
وجاء تصريح "بوتين" المفاجئ للغرب، حين أعلن إلقاءه جانبا وعود أسلافه "غاربتشوف ويلتسين"، بعدم إعادة نشر القوات الروسية فوق أراضيها!.
وفي العام 2002، أعلن "بوتين" أن روسيا ستقوم بتطوير أسلحتها الاستراتيجية "الهجومية"، وليس الدفاعية. ولم يأبه الأميركان لذلك! إذ أن المنظومة العسكرية الروسية، كانت "مهترئة"، وفي حالة شديدة من الفوضى، وهي بحاجة إلى عشرات السنين لكي تستطيع إعادة إنشاء "أسلحتها الدفاعية"، وليس "الهجومية".
وكان من المستحيل أن يخطر في بال الأميركان، وجميع أجهزة الاستخبارات الغربية، في ذلك الوقت، أن روسيا ستكون قادرة على استعادة قدراتها العسكرية الاستراتيجية في غضون سنوات قليلة. لذلك جاء الرد الأميركي:-
افعلوا ما شئتم!.
وازداد الوضع الدولي سوءا بين البلدين، عندما أعلن البيت الأبيض نشر صواريخه "الدفاعية" في بلغاريا وبولندا وجورجيا، بحجة ردع التهديد النووي الإيراني، والكوري الشمالي، الأمر الذي لم تعد القيادة الروسية الجديدة مستعدة لتصديقه، أو مناقشته.
وكان على "بوتين" أن يتقدم إلى الأمام في الساحة السياسية الدولية، بعد أن استقر وضع بلاده الاقتصادي، وبدأت شوكته العسكرية تقوى أكثر وأكثر.
وبعد أن كانت ميزانية وزارة الدفاع الروسية، لا تتجاوز 140 مليار روبل، أصبحت في العام 2007، عشرين تريليون روبل قابلة للمضاعفة في السنوات التالية، حتى أصبحت أرقامها الآن خيالية. وأصبحت روسيا المصدر الثاني في العالم للسلاح بعد الولايات المتحدة.
وصارت رواتب جنود وضباط القوات المسلحة، من أفضل رواتب الجيوش في العالم، بعد أن تقطعت بهم وبعائلاتهم الأوصال منذ أيام “غاربتشوف".
ونجحت إدارة "بوتين" نجاحا باهرا بتطوير كامل منظوماتها الاستراتيجية "الدفاعية منها والهجومية"، لا بل إنها نجحت في تطوير أجيال جديدة من منظومات الصواريخ العابرة للقارات والصواريخ الفوق صوتية.
وجاء يوم 10 فبراير من العام 2007، فمع افتتاح، مؤتمر قمة الأمن النووي، في ميونخ، وبحضور العشرات من زعماء العالم، طلب "بوتين"، وعلى غير العادة، وخلافا لكل قواعد البروتوكول، أن يكون هو المتحدث الأول من الحضور.
وما إن صعد الرجل إلى المنصة، حتى بدأ، وبنبرة فيها من القوة والكبرياء، بمهاجمة سياسات الولايات المتحدة الأميركية، متهما إياها بزيادة التوتر الدولي وسط ذهول قادة العالم الذين لم يعتادوا سماع مثل تلك التصريحات من أي مسؤول روسي منذ 22 عاما، قائلا بأنه، ومع انتهاء تقسيم العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي! إلا أن ظهور "القطب الدولي الواحد"، قد أدى إلى تهديدات عالمية جديدة وانقسامات دولية لم يشهدها العالم من قبل.
وفي نهاية كلمته، أعلن الرجل، وهو ينظر مباشرة في عيون رئيس الوفد الأميركي، أن الوقت، قد حان لوضع النقاط على الحروف في معاملة روسيا، ووضعها في مكانها الصحيح، مضيفا بأن العالم قد تغير، وأن روسيا قد عادت إلى الملعب الدولي، وأن العالم لم يعد "أحادي القطبية".
وفهم العالم، أن عهدا جديدا في العلاقات الدولية، قد بدأ... وأن روســــــــــيا صارت "بوتينية".