تعمل النُظم الانتخابية في مفهومها الأساس على ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في الانتخابات إلى عدد المقاعد التي تفوز بها الأحزاب والمرشحون المشاركون بها، وليـس هنـاك نظـام انتخابـي مثالـي خـالٍ مـن العيـوب، وتختلـف وجهـات النظـر فـي تحديـد مميـزات وعيـوب كل نظـام، إلا أن هنـاك اتفـاق تام علـى الجوانـب الاجرائيـة الـي تُقـاس بنـاء علـى مبـادئ ثابتـة مثـل الشـفافية والنزاهـة وتكافؤ الفرص، وتمكـّن الناخبـين مـن ممارسـة حقهـم بعدالـة، وبشكل ديمقراطي، وبإرادة حرة للناخب.
وقد أصدر المجلس التشريعي الفلسطيني قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005، وقد تبنى القانون النظام النسبي (القوائم) في انتخاب مجالس الهيئات المحلية بدلا من نظام (الأغلبية) الذي كان معمولا به، ووفقا لهذا القانون يتم الترشح بقوائم انتخابية مغلقة لا تظهر أسماء مرشحيها على ورقة الاقتراع، ويتم ترتيب أسماء المرشحين فيها وفق أولوية كل قائمة، حيث يخصص لكل قائمة -حازت على نسبة الحسم أو أكثر من الأصوات الصحيحة للمقترعين- عدد من مقاعد المجلس، توزع حسب تسلسل أسماء مرشحي القائمة، وفق طريقة "سانت لوغي" لاحتساب المقاعد، وقد مر القانون بسلسة تعديلات، الا ان جوهر النظام الانتخابي بقي على ما هو عليه. وقد جرت الانتخابات المحلية تبعا لهذا النظام منذ اقراره في العام 2005، لغاية الآن (2022)، وعلى الرغم من ان النظام النسبي (القوائم) يضمن تمثيل لكافة القوائم المنافسة التي تجتاز نسبة الحسم (8%) في القانون الفلسطيني، الا أنّ هذا النظام لا يخلو من العيوب، بل ويتضمن كمّاً من العيوب، فهو عمليا يحّد من الإرادة الحرة للناخب لاختيار مرشحيه، فالناخب ملزم بترتيب مرشحي القائمة الانتخابية المعتمد، فمثلا ان أراد الناخب انتخاب مرشح في قائمة ما، فهو (مجبر) على منح صوته للقائمة، والتي عمليا تعتمد قائمة مرشحين مغلقة، ويمكن ان يكون المرشح المرغوب ترتيبه متأخرا وبالتالي لن يستطيع الفوز، كذلك فان هذا النظام يمكن أن يمنح أفضلية لـ (فاسد) أو (غير الكفؤ) بالفوز كون ترتيبه متقدم في القائمة على حساب من هم أفضل، إضافة الى ما تقدم فأن النظام الحالي لا يدعم الشباب، كون الشباب عادة ما يكونوا في ترتيب متأخر في القائمة، وكذا الأمر بالنسبة للنساء، فعلى الرغم من نظام الكوتا، الا أن النساء عادة ما تكون في الحدود الأخيرة لنظام الكوتا، كما أن الناخب في نظام الانتخابات المحلية الحالي سيكون رافعة لنجاح من يتبوأ المراكز الأولى في كل قائمة وهم عادة من الشخصيات التقليدية او جزء من المحاصصة الفصائلية أو العشائرية أو المناطقية على حساب الكفاءة والمهنية.
وفي ضوء ما تقدم فأنه توجد ضرورة لتعديل نظام الانتخابات المحلية، وربما التشريعية وان كان لا يلوح بالأفق أي مؤشر على اجرائها، رغم غيابها القسري منذ 16 عام ونيف، ومن الأنظمة الانتخابية التي تتوافق مع التمثيل النسبي وتلبي إرادة الناخب، نظام القائمة النسبية المفتوحة، والمعمول به في دول عدّة في العالم، ويقول مؤيدو هذا النوع من الأنظمة الانتخابية إنه الأكثر عدالة من حيث التمثيل والاختيار.
وتبعا لهذا النظام، والذي توجد أيضا انظمة مشتقة منه، فان الترشح يكون ضمن قوائم وليس فرديا، وبإمكان الناخب التصويت لقائمة وحدة فقط، كما هو الحال في نظام التمثيل النسبي المعمول به حاليا، ولكن بإمكانه أيضا التصويت لاسم أو أكثر داخل القائمة، أو في نظم مشتقة أخرى، يستطيع ترتيب اختياراته من القائمة تبعا لأولياته، أي منح الناخب حرية اختيار مرشحيه من القائمة، وليس فرض ترتيب القائمة عليه.
وعند الفرز تحصل القائمة على عدد مقاعد مساوٍ لنسبة ما حصلت عليه من إجمالي أصوات المقترعين الصحيحة. فعلى سبيل المثال، لو كان لدينا بلدية فيها 15 مقاعد، وكان عدد الأصوات الصحيحة ثلاثين ألف صوت، وحصلت إحدى القوائم على ما مجموعه عشرة آلاف صوت، فإن هذا يعني حصولها على 33.3% من مجموع الأصوات، وهو ما يساوي (5) من المقاعد الـ (15). وهذا مثال بسيط، والحسابات على أرض الواقع قد تكون أكثر تعقيدا، وسيكون هناك نسب مجزوءه وكسور، وتتم معالجة ذلك من خلال نظام الباقي الأعلى لاحتساب المقاعد.
أما من يحصل على المقاعد من مرشحي القائمة فهم المرشحون أصحاب أعلى الأصوات داخل القائمة. وبالتالي، فإن الناخب هو من يحدد من سيفوز بالمقاعد من خلال التصويت للمرشحين داخل القائمة. وهنا يكمن الفرق بين القائمة المفتوحة والقائمة المغلقة. فالأخيرة تأتي بأسماء المرشحين مرتبة مسبقا، ويفوز بالمقاعد المرشحون حسب ترتيبهم في القائمة، في حين يمنح نظام القائمة المفتوحة حرية أكبر للناخب لاختيار مرشحيه بإرادة كاملة، ويستطيع الناخب حينها حجب صوته عن الفاسد او غير الكفؤ، ويستطيع عدم الرضوخ للمحاصصات الفصائلية والعشائرية والمناطقية، وسيجبر المرشحين على عدم الاطمئنان لحصولهم على مراكز متقدمة في ترتيب القائمة، واعفاء القوائم من اشكاليات الصراع على المراكز المتقدمة، وانما على العمل المضني من اجل كسب الأصوات، وعلى الحفاظ على تاريخ حافل بالإنجازات استعدادا لذلك، كما سيوفر نظام القائمة المفتوحة فرصة أكبر للشباب للفوز، وكل ما سبق سيوفر مناخ انتخابي اكثر ديمقراطية، وسيعزز من "الحوكمة" ومبادئها في العملية الانتخابية، وسيضفي مزيد من الشفافية والنزاهة على المشهد الانتخابي، وسيسهم في انتخاب الأكثر كفاءة ومهنية.