شروط الأوروبيين للتمويل.. الأزمة العالقة
المنهاج الفلسطيني.. أزمة قديمة متجددة
مراكز أبحاث قريبة من إسرائيل مصدر قرارات الاتحاد الأوروبي
أيهما أهم الدعم المالي أم السياسي؟
خاص الحدث
لم تتحقق آمال الحكومة الفلسطينية في إقناع الأوروبيين باستئناف الدعم المالي، الذي تبلغ قيمته 300 مليون دولار، فلا زالت الفجوة بين ما طلبه الأوروبيون وبين ما يمكن للحكومة الفلسطينية تحقيقه كبيرة، كما أن الحديث الفلسطيني عن سبب الأزمة وحصره في المنهاج غير دقيق، فما يريده الاتحاد الأوروبي تجاوز هذه المسألة بكثير.
في السابع من مايو 2022 غادر رئيس الحكومة محمد اشتية إلى بروكسل على رأس وفد حكومي في محاولة لإقناع الأوروبيين باستئناف الدعم المالي، وضم الوفد كلا من وزير المالية شكري بشارة ورئيس سلطة المياه مازن غنيم ورئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم والأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة الاقتصاد.
ومن خلال نظرة أوسع يتبين أن الدعم الخارجي لخزينة السلطة الفلسطينية يقترب من نقطة الصفر، وبحسب ما نشرت وزارة المالية على موقعها فإنه تراجع بنسبة 90% تقريبا في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2021 مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه. في ضوء أن الجزائر مثلا هي الدولة العربية الوحيدة التي ظلت ملتزمة بدعم خزينة السلطة الفلسطينية.
بعض الشروط الأوروبية سياسية بامتياز، وفق ما أكدت مصادر مطلعة لـ"صحيفة الحدث"، وتتعلق بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لتجديد الشرعيات، وهذا أمر لا يمكن للحكومة الفلسطينية البت فيه أو إصدار موقف بشأنه. لكن الرد الفلسطيني في هذا الإطار يأتي منسجما مع السبب المعلن لإلغاء الانتخابات التشريعية، وهو ضرورة سماح حكومة الاحتلال بإجراء الانتخابات في القدس.
والشرط الآخر الذي طرحه الأوربيون، بحسب ذات المصادر؛ حقوقي، مرتبط بمحاكمة المتهمين بقتل نزار بنات، والذين تجري محاكمتهم بحضور دبلوماسيين وجهات أوروبية حقوقية، لكن في الآونة الأخيرة أثيرت بعض التفاصيل الخاصة بالإفراج عنهم لقضاء عطلة العيد والمشاركة في مناسبات خاصة، ما دفع عائلة بنات للانسحاب من المحاكمة تحت شعار أنها غير نزيهة ولا تحقق العدالة المطلوبة.
والشرط الثالث، وهو الأكثر تداولا، له علاقة بالمنهاج الفلسطيني، فمن وجهة نظر الأوروبيين يجب أن يكون محتوى المنهاج الفلسطيني منسجما مع الحدود القانونية والسياسية للقانون الدولي، فمثلا لا يمكن اعتبار يافا مدينة فلسطينية، بحسب الأوروبيين، ما دام القانون الدولي وحتى السقف السياسي للسلطة يتعامل معها على أنها ضمن حدود دولة الاحتلال.
الدعم السياسي الأوروبي أهم من المال
العلاقة مع الأوروبيين مهمة ليست فقط في شقها المالي؛ وإنما الدعم السياسي الأوروبي هو الأهم، لأن الأوروبيين هم الجهة الوحيدة في العالم تقريبا التي تتبنى خيار حل الدولتين بالصيغة التي تطرحها أو تتبناها السلطة، يقول رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس أحمد عوض في حديثه لـ"صحيفة الحدث"، مشيرا إلى أن السلطة ستحاول البحث عن مخارج لحل الأزمة.
ويشير عوض إلى أن السلطة ستحاول التفاوض على بعض الشروط، وقد تقترح على الأوروبيين ترحيل بعضها مع الالتزام بتطبيقها، أو تطبيق نسبة معينة من كل شروط، أو ابتكار طرق جديدة لتطبيق كل الشروط، لكن الأهم بالنسبة للسلطة سيكون عدم خسارة أهم داعم سياسي لها في العالم، لذلك لا يمكن الحديث عن انهيار كامل في العلاقة بين الطرفين، وإنما أزمة أو فجوة ستعمل السلطة على تداركها.
الدعم المالي مهم.. يؤثر على الرواتب
في المقابل يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي طارق الحاج، أنه لا يمكن التقليل من أهمية الدعم المالي الأوروبي والمساعدات الخارجية بشكل عام، لأنه بالنظر للأزمة المالية للسلطة والتي إحدى انعكاساتها الرواتب، يتضح أنها جاءت بعد تناقص الدعم الخارجي، ولذلك فإن هذا الدعم مهم ويمكن أن يؤثر على عمل السلطة والاقتصاد الفلسطيني بشكل عام.
ويؤكد الخبير الاقتصادي الحاج لـ"صحيفة الحدث" أن الدعم المالي من قبل أي دولة أو منظمة دولية هو دعم مشروط، ولا يمتلك المتلقي فرصة تغيير الشروط أو رفضها، وهذه الشروط تتضمن أحيانا أبعادا سياسية وقانونية وأمنية وتاريخية وثقافية، كما في حالة الدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية، وبكل الحالات من يحدد أولويات تطبيق الشروط هو الداعم وليس المتلقي.
المنهاج.. أزمة قديمة تتجدد مع الأوروبيين
في أبريل 2021، تبنت لجنة مراجعة الميزانية في البرلمان الأوروبي موقف الممثل المجري، أوليفر فارلي، بأن تحويل المساعدة، البالغة قيمتها 214 مليون يورو، سيكون مشروطًا بتغيير المنهاج الدراسي الفلسطيني، على افتراض أنه يتضمن مواد تحريضية.
وفي مطلع مايو مرر البرلمان الأوروبي بأغلبية الأصوات قرارا جديدا يدعو السلطة الفلسطينية لمراجعة محتوى المنهاج الفلسطيني، محذرا من أن وجود بعض المضامين قد يؤثر على التمويل الأوروبي للسلطة الفلسطينية، ودعا القرار إلى إزالة ما أسماها المواد التحريضية وإدخال تغييرات على المناهج الدراسية "بسرعة"، ومتابعة ومراقبة عملية معالجة هذه التغييرات. بالإضافة إلى ذلك، أشار مقدمو الاقتراح إلى المطالبات السابقة التي أكدت أن على السلطة الفلسطينية الوفاء بشروط اليونسكو للتمويل الأوروبي للكتب المدرسية، ونشر محتوى يحض على ما أسموه "التعايش".
القرار الأوروبي كان جزءا من عملية مراجعة للميزانية، والتي تدرس كيف يستثمر الاتحاد الأوروبي الخزينة المخصصة له للاستثمار بالقطاعات المختلفة. أما قصة المنهاج الفلسطيني، فهذه هي السنة الثالثة على التوالي التي يتم فيها تمرير قرار يدعو لمراجعة المنهاج، وهذه المرة كانت بأغلبية 357 مؤيدًا مقابل 259 معارضًا، وامتناع 24 عن التصويت.
القرار الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي استند إلى تقرير صادر عن معهد IMPACT-SE للبحوث والسياسات، وتم إعداده بناءً على طلب من البرلمان الأوروبي في مناقشة مشتركة للجان الشؤون الخارجية والميزانية والتعليم والثقافة، ومراقبة الميزانية، وكذلك جلسة اللجنة في 20 أبريل الماضي. الاحتجاج الأوروبي المستند للتقرير المذكور يتركز في الدعوة إلى الدفاع عن الوطن حتى لو بالدم، وتمجيد الشهداء، وأيضا تضمين المدن المحتلة عام 1948 في خارطة فلسطين، أي عدم الاعتراف بشرعية الوجود الإسرائيلي في تلك المناطق، ووصف الجدار الفاصل بالعنصري.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي في قراراته على توصيات مراكز بحثية غير حكومية يقوم بتكليفها بإعداد دراسات حول مواضيع ذات علاقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن بينها موضوع المنهاج، وتضم هذه المراكز باحثين إسرائيليين، كما في حالة مركز "جورج إريكت" الذي أصدر تقريرا عن المناهج الفلسطينية، معتبرا أن عدم تضمين الرواية الإسرائيلية للمنهاج الفلسطيني بمثابة عرض لرواية أحادية ويشجع على "العنف" ويقتل سبل "التعايش".
خيارات السلطة ضئيلة.. لكن يمكنها الرفض
يرى المختص والباحث في الشأن الاقتصادي عبد العزيز الصالحي، أن الدعم المالي الأوروبي مهم ويتركز في عمليات التطوير، ويهتم بالأساس بقطاعي التعليم وحقوق الإنسان، ولا يمكن القول إنه رمزي ولا يمكن الاستغناء عنه، لأن السلطة الفلسطينية منذ نشأتها وحتى اليوم كيّفت نفسها على الحاجة للمساعدات الخارجية، وهي قادرة على سد هذا الفراغ أو العجز من خلال إيرادات محلية في ظل أنها أصلا تعاني من أزمة مالية وعجز.
وأوضح الصالحي في مقابلة مع "صحيفة الحدث" أن الدعم المالي هو تعبير مباشر عن الدعم السياسي، وبالتالي لا يمكن الفصل بينهما والمفاضلة من هو أهم، لأنهما مرتبطان، والانتقادات الأوروبية مثلا للمنهاج الفلسطيني هي تعبير عن موقف سياسي أوروبي ينعكس على الدعم المالي، والانتقادات الموجهة للسلطة في ملف الحريات وحقوق الإنسان خاصة بعد قضية مقتل نزار بنات، هي أيضا موقف سياسي.
وشدد المختص والباحث في الشأن الاقتصادي على أن الاتحاد الأوروبي يتعامل بمعايير مزدوجة فيما يتعلق بالفلسطينيين ومسألة الدعم، وأحيانا بطريقة غير مفهومة ولا مبررة، فمثلا في الوقت الذي يطالب فيه بإزالة توصيف العنصري عند الحديث عن جدار الفصل في المنهاج الفلسطيني، يدعم بعض المشاريع القريبة من الجدار بهدف منع السيطرة الإسرائيلية على الأراضي هناك، وبعض هذه المشاريع تتعرض للهدم أو المصادرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وهناك يكمن السؤال المهم: أليست هذه المشاريع أيضا من أموال أوروبية وتم تدميرها والعبث بها من قبل الإسرائيليين، لماذا لا يتحفظ الاتحاد الأوروبي على بعض أشكال العلاقة مع إسرائيل بسبب انتهاك مشاريع دفع فيها أموالا طائلة؟!.
وبحسب الصالحي فإنه لا يمكن التنبؤ بنهاية الأزمة مع الاتحاد الأوروبي، لكن بكل الأحوال يمكن للسلطة الفلسطينية رفض الشروط الأوروبية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وهذه الخطوة قادرة على إنتاج شكل جديد للعلاقة مع الممول، وقد تضطر الأخير للاتجاه نحو الحلول الوسط، ولكن السيناريو المرعب، هو أن تستجيب السلطة لهذه الشروط والإملاءات وبالتالي تمرير ملاحظات الاتحاد الأوروبي في المنهاج والتي تمس جوهر الثقافة الوطنية.
الخلاف مع الأوروبيين.. في ظل أزمة
وتعاني السلطة الفلسطينية، من أزمات مالية متعاقبة بسبب توقف الدعم المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مؤخرا، حيث كان يصل معدل الدعم المباشر الذي تتلقاه السلطة حتى عام 2013 إلى حوالي مليار دولار، ثلثه من الولايات المتحدة، وثلثه الثاني من الاتحاد الأوروبي، والثلث الأخير من الدول العربية التي أوقفت دعمها المالي للسلطة باستثناء الجزائر.
وبحسب بيانات رسمية، شهدت الفترة بين عامي 2020 و2021 ارتفاعا في نفقات السلطة الفلسطينية بشكل ملحوظ، بالتزامن مع النقص الحاد في الإيرادات وتوقف الدعم الخارجي.
وخلال الأشهر الماضية، ذكر تقرير لسلطة النقد الفلسطينية، أن إجمالي رصيد الدين الخارجي على القطاعات الاقتصادية الفلسطينية بلغ نحو 2.159 مليار دولار مع نهاية الربع الأخير لعام 2021، كما وارتفع رصيد الدين الخارجي على السلطة بنسبة 1% مقارنة بالربع الثالث من العام 2021 الذي سجل 3.131 مليار دولار أمريكي.
وقدمت السلطة خطة إصلاح مالي للمانحين تضمنت معالجة لبعض جوانب القصور في الأداء المالي للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك مظاهر الفساد والتسرب المالي الذي يتمثل بالتهريب وغيره. كما تضمنت الخطة التي لم تطلع عليها جهات ومؤسسات رقابية فلسطينية، تأكيدا على تطوير العمل في بعض القطاعات ومن بينها الطاقة الشمسية، وهو ما لم يحدث بل وجاءت القوانين الأخيرة في مجال الطاقة الشمسية مثلا على عكس رغبة المانحين وصادمة لهم وبما يضعف هذا القطاع.
"صحيفة الحدث" توصلت في وقت سابق مع مدير مكتب الإعلام والاتصال للاتحاد الأوروبي في فلسطين شادي عثمان، والذي قال إن هناك نقاشا موسعا بين دول الاتحاد بما يخص استئناف الدعم المالي، والذي قد يعود في أي وقت فور انتهاء المناقشات.