الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

روسيا البوتينية (5)| بقلم: د. سامر العاصي

إنه الأفضل لروسيا

2022-06-06 08:14:26 AM
روسيا البوتينية (5)| بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

في يناير  2001، حل الرئيس الأميركي "جورج دبليو بوش" ضيفا على نظيره الروسي، ليتساءل الرجل بعنجهية الكاوبوي، أمام المئات من الصحافيين عما إذا كان بإمكانه الثقة بالرئيس "بوتين

عندها، قاطع "بوتين" ضيفه قائلا، بأنه لن يجيب عن هذا السؤال، بل إنه هو (بوتين) الذي يتساءل إن كان يستطيع الثقة بالرئيس الأميركي؟!. وصمت "بوش"، وظل فمه مفتوحا لبضع لحظات، وسط صمت الصحفيين ونظراتهم وضحكاتهم.. ثم أجاب قائلا:-

  • نعم.. نعم.. لقد نظرت في عيني الرئيس "بوتين"! ووجدته صادقا وأمينا، إنه سيكون الأفضل لروسيا

وهكذا، ومع نهاية الفترة الرئاسية الثانية في آذار 2008، وبعد أن كانت روسيا أكبر دولة مدينة في العالم وعلى شفا الإفلاس والتمزق والضياع، تم تسديد كامل الديون الخارجية، التي بلغت أكثر من 500 مليار دولار، إضافة إلى سداد فوائد تلك الديون. وارتفع حجم الاستثمارات الأجنبية في روسيا من 10 مليارات دولار عام 1999 إلى 120 مليار دولار في العام 2007!. كما تضاعف دخل الفرد الروسي 7 مرات، وتضاعف راتب المتقاعدين  ثماني مرات عما كان عليه في السابق، وتضاعفت حركة البناء في البلاد، ليتضاعف حجم بناء المنازل والبيوت مرتين. وأصبحت رواتب موظفي الدولة والجيش من أفضل رواتب الموظفين في العالم.

وبعد أن استكمل الرجل إعادة بناء البنية التحتية للبلاد وإعادة تأهيل جميع المصانع والمؤسسات الكبرى، تضاعف حجم صندوق الاستثمار الوطني 37 مرة، وازداد احتياط الذهب الاستراتيجي في خزينة الدولة 16 مرة عما كان عليه في عام 2003، وأصبحت الأسواق مليئة ب 6 أضعاف احتياجات المواطن العادي، حتى بلغ معدل النمو الاقتصادي في روسيا 7% سنويا. وتوقف نزيف هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية، بعد أن هاجر أكثر من مليون روسي من حملة أعلى الشهادات العلمية إلى أميركا، وأوروبا، وإسرائيل، لتتلقفهم هناك كبرى مؤسسات الأبحاث العلمية والاستراتيجية في مختلف فروع العلوم. واستطاع بوتين إعادة الآلاف من هؤلاء "العباقرة- اللاجئيين" إلى روسيا بعد ضمان جميع مطالبهم العلمية والمالية وتوفيرها أيضا. وتضاعفت التجارة الداخلية 6 مرات، وازداد إنتاج السيارات الخاصة بمعدل "الضعف ونصف الضعف".

وفي العام 2008، أطلت الأزمة الاقتصادية العالمية، واضطربت البورصات والأسواق المالية في أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، واليابان، والخليج العربي. وأصبح الوضع الاقتصادي كارثيا في إسبانيا، والبرتغال. وهبطت قيمة العملة في آيسلندا 80%، وأعلنت اليونان إفلاسها رسميا. وانخفض سعر برميل النفط من 140$ إلى 30$ ! ولو حدثت هذه الأزمة في "العهد اليلتسيني"، قبل عشر سنوات، لأعلنت روسيا إفلاسها قبل اليونان.

وكان للسياسة الاقتصادية، التي خططها التكنوقراط، وخبراء المال، والاقتصاد الروس، من رجالات الرئيس المخلصين والوطنيين، الأثر والدرع الواقي من انهيار الاقتصاد، الذي صمد، وبقوة، أمام تلك الأزمة المالية العالمية، وذلك بعد أن قام بوتين باكرا جدا، ومنذ تسلمه السلطة، بالتخلص من جميع المستشارين الأميركان والخبراء الغربيين الذين عملوا في ظل "الإدارة اليلتسينية" السابقة دون حسيب أو رقيب. 

ولأن "الحكومة البوتينية" كانت قد ضاعفت، في السنوات الماضية، الاحتياط الاستراتيجي "لذهبها المخزون"، و"لصناديق عملاتها الصعبة"، لذا فهي لم تتأثر من تلك الأزمة اقتصاديا، كما تأثرت بها أميركا وغيرها من الدول الأوروبية، ودول الخليج العربي أيضا. واستطاعت روسيا، وسط هذه الأزمة العالمية الخانقة، من ضخ "تريليون روبل" فورا إلى البنوك الوطنية منعا لإفلاسها. ومع ذلك، وفي خضم تلك الأزمة، وجد مليون عامل روسي أنفسهم في الشارع، قامت الحكومة الروسية بتأمين جميع احتياجاتهم، ولم تتركهم للجوع، أو في العراء. وأعلن بوتين عن عزمه إنشاء خطوط سكك حديدية جديدة تربط البلاد شرقها بغربها بطول عشرة آلاف كيلومتر، وبناء طرق سريعة بتكلفة 11 مليار دولار.

وبدأت الحرب على البطالة تعطي ثمارها بنسب تجاوزت كل التوقعات، وفهم الروس أن تأخرهم، في تلك السنين كان بسبب خطة شيطانية رسمت لهم في الغرب، بدقة وذكاء متناهيين، تبدأ بتدمير الاتحاد السوفيتي أولا... ثم تفتيت روسيا ثانيا.

وفي تلك الأيام، وجد بعض أصحاب المصانع الكبرى، الفرصة في عدم دفع رواتب العمال والموظفين، حتى أن أحد أعضاء نقابات العمال أرسل رسالة، إلى رئيس الوزراء "بوتين" يشكو فيها من قرارات الشركة ورفض أصحابها دفع المستحقات المتراكمة منذ أشهر. 

وفوجئ المواطنون في ذاك المصنع بزيارة مفاجئة "لبوتين". وسرعان ما استدعى الرجل رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة، ليتبين أن مستحقات العمال يمكن صرفها في نفس اليوم. وأعلنت الشركة بأنها سوف تفكر لاحقا بحل ما للأزمة!.

وجاء الرد الفوري "لبوتين"، باستعداد الدولة شراء جميع أسهم الشركة "المفلسة"، بدءا بأسهم أعضاء مجلس الإدارة. وخاف أعضاء المجلس أن تضيع منهم "الشركة الخاسرة"، فوافقوا على جميع طلبات الموظفين، وتم صرف جميع المستحقات المالية قبل مغيب شمس ذاك النهار، والتي بلغت 41 مليون روبل!

وتم توقيع اتفاقية "المخالصة" بين الطرفين أمام "بوتين"،الذي أعطى قلمه الخاص لرئيس مجلس الإدارة الذي نسي أو "تناسى" توقيع اسمه على المخالصة!، وما إن هم "الملياردير" بالعودة إلى مقعده (بعد أن وضع توقيعه على الاتفاق)، حتى نادى عليه "بوتين" أمام الجميع، وبنبرة من الجدية قائلا له:- 

  • لو سمحت.. "أعد إلي قلمي"!

وانتشر مقطع الفيديو على "اليوتيوب"، ليحصد في روسيا والعالم كله عشرات الملايين من "اللايكات". وبدا أن الغالبية الساحقة من الروس قد أصبحت تؤمن بقيادة "بوتين" زعيما لهم وتؤمن بمستقبلهم معه.