الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رحلتي بين القلم والميكروفون والكاميرا (الحلقة التاسعة)/ بقلم: نبيل عمرو

حكاية أول الكاميرا

2022-06-12 10:51:11 AM
رحلتي بين القلم والميكروفون والكاميرا (الحلقة التاسعة)/ بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

 لعبت الصدفة أدوارا مهمة في مسيرة حياتي، والصدفة التي وضعتني أمام ميكروفون الإذاعة ها هي تضعني أمام الكاميرا.

 بعد أن وضعت حرب أكتوبر 73 أوزارها، وُجِّه لوم للرئيس المصري أنور السادات بسبب موافقته على وقف إطلاق النار،  بينما كان الانطباع السائد شعبياً، بأن الجيش المصري الذي حقق تقدماً على الجبهة يجب أن يواصل، وظهرت أصوات فلسطينية تعتبر وقف إطلاق النار إنهاءً لمعركة كان يمكن أن تحقق نتائج أفضل لصالح الفلسطينيين والعرب.

 في تلك الفترة استدعاني المدير فؤاد ياسين إلى مكتبه، وأبلغني بأن مديرة التلفزيون المصري طلبت منه الظهور على شاشاته لإعلان موقف فلسطيني متفهم لوقف إطلاق النار، مع إشادة بدور الجيش المصري وصانع القرار الذي حقق العبور ودمر خط بارليف المنيع… الخ.

كان فؤاد ياسين قد اتخذ موقفاً سلبياً من وقف إطلاق النار، واعتبره إجهاضاً لانتصار كان في متناول اليد لو تقدم الجيش المصري إلى أبعد من النقاط التي توقف عندها، وبفعل هذا الموقف اعتذر عن الاستجابة لطلب المديرة المصرية، واقترحني للظهور بدلا عنه وقال لي:

= أنت تعرف لماذا ستظهر على الشاشة المصرية، إنهم يريدون موقفا فلسطينيا إيجابيا، وأنني أثق بقدرتك على إعطاء موقف متوازن يدعم الموقف المصري، ويعبر عن رغبتنا في جولات جديدة من الحرب، لعلها تعدل الموازين وتهيئ لحل سياسي يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية.

طمأنت مديري، وقمت أمامه بما يسمى البروفة لأول لقاء تلفزيوني سأجريه في حياتي التي لم تتجاوز تجربتي الإعلامية فيها القلم والميكرفون، شعرت بأني أواجه تحدياً أقرب إلى الامتحان الصعب، ولقد تضاعف شعوري بالقلق من التجربة التي سأقوم بها لأول مرة، حين عرفت بأني سأظهر على أهم برنامج تلفزيوني مصري وعربي هو برنامج "النادي الدولي" الذي يقدمه النجم اللامع في حينه الفنان سمير صبري، كان البرنامج الأعلى مشاهدة على مستوى مصر، وحيث يصل البث إلى العالم العربي، كان المصريون يتابعون "النادي الدولي" بشغف، وكانوا يناقشون القضايا التي يثيرها طيلة الأسبوع، ولحسن حظي أني مُنحت ثلاثة أيام للاستعداد.

اكتشفت أن كثرة التفكير فيما ستقول وما لا تقول، تؤدي إلى حيرة وارتباك.

حاولت نسيان الأمر فلم أستطع، وحاولت الاستقرار على صيغة محددة لما سأقول إلا أني لم أصل إلى نتيجة.

كانت تراودني فكرة وقبل أن اعتمدها كصيغة نهائية، تراودني فكرة أخرى، فأتشكك في الأولى ولا أستقر على الثانية وهكذا.

أخيراً تركت الأمر للحظات الحاسمة، وبدأت بترويض نفسي على عدم التفكير بالأمر معتمداً مقولة لكل حادثٍ حديث.

وصلت إلى المبنى الشهير – ماسبيرو- توجهت إلى الاستعلامات لمعرفة إلى أين أذهب، حين أبلغت الموظف الجالس وراء مكتب نصف دائري وإلى جواره يوجد موظفون آخرون يقومون بمهام إرشاد الضيوف والزوار إلى مقاصدهم في المبنى الكبير، طلب بطاقتي الشخصية، تحقق من الاسم، أدار قرص التلفون وقال عندي نبيل عمرو، أنتظر الجواب، وقال حاضر يافندم، ناولني بطاقة زائر، علقتها على صدري وصعدت إلى الدور الذي يصور فيه برنامج النادي الدولي.

كان معد البرنامج في استقبالي، اصطحبني إلى مكتب صغير وشرع في إعطائي التعليمات الفنية التي يتعين علي التزامها كي تمر الفقرة الخاصة بي بسلام، أبلغني أنهم يعتمدون نظام فيديو جديد يصعب المونتاج فيه، إذاً نعتمد عليك يا نبيل بيه بأن تجيب عن الأسئلة كما لو أنك على الهواء مباشرة. ولأول مرة عرفت أنه يوجد في التلفزيون شيء اسمه As Live (كالمباشر).

  • وأنت يا نبيل بيه، حتقول أجوبتك على الأسئلة باختصار وبلا لعثمة أو تأتأة، إنتبه المونتاج صعب جداً، وأبلغني بأنني سأحظى بأطول فقرة في البرنامج وهي ستة دقائق "تقدر تقول فيها كل اللي لازم يتقال".

 لم يتطرق خلال توجيهاته لي إلى المضمون السياسي.

بعد دقائق اصطحبني المعد حتى باب الأستوديو، أشار علي بالتوجه إلى حيث يقف النجم سمير صبري كانت أضواء الأستوديو شديدة السطوع، وكانت عدة كاميرات تنتشر في المكان، مشهد رأيت نفسي فيه لأول مرة في حياتي، شعرت برهبة أقسى بكثير من تلك التي شعرت بها وأنا أجلس لأول مرة وراء ميكرفون الإذاعة، انطلق صوت يعلن بدء التصوير، شعرت ومنذ بدأت الإجابة عن السؤال الأول براحة نفسية لا أدري كيف ولدت في داخلي، لعلها بفعل الابتسامات المشجعة التي كان يرسلها النجم بين جملة وأخرى مما كنت أقول، وعرفت كذلك كم يملك مقدم البرنامج من قدرة على طمأنة ضيفه وجعله يجيب بارتياح، وشكرني بعد أن أنجزت أهم ست دقائق في حياتي المهنية.

 أثنى معد البرنامج على أدائي وقال "كأنك مولود في أستوديو" خلال الأيام الثلاثة، أيام القلق قبل الوقوف لأول مرة أمام الكاميرا، كنت قمت بعملية ترويج للبرنامج الذي سأظهر فيه، اتصلت بجميع أصدقائي وزملائي ومن أعرف من الصحافيين والمعدين، سألتهم بعد أن تابعوا ظهوري الأول عن تقويمهم لأدائي التلفزيوني، أجمعوا على أنني كنت موفقا، فتولد في داخلي شعور بأنني صرت نجما صنعته ست دقائق في ظل نجم ساطع هو مقدم برنامج النادي الدولي! شعوري بالنجومية تمت تغذيته في اليوم التالي لإذاعة البرنامج، حين سألتني سيدة كنت أقف قبالتها في المترو المزدحم "هو حضرتك اللي كنت مبارح مع سمير صبري؟ " كانت فرصة من النوع الذي لم يتكرر. لم يحدث وعلى مدى سنوات أن ظهرت مرة أخرى على أي شاشة لأي تلفزيون، نسيت الدقائق الست، ونسيت إعجاب الأصدقاء والزملاء ولم أعد أستعيد من ذاكرتي سؤال السيدة المصرية في المترو.

تقلبات السياسة فرضت إغلاق إذاعتنا في القاهرة وهذا يعني مغادرتنا جميعا إلى بيروت، أودعت بشرى زوجتي وطارق ونرمين أبنائي في الطائرة المتجهة إلى عمان وبعد ساعات صعدت الطائرة المتجهة إلى دمشق، ومن هناك إلى بيروت في ذات اليوم.

طيلة عملي في بيروت كنائب لمدير الإذاعة ثم كمدير لها فيما بعد، لم أحظ بظهور تلفزيوني إلا في وقفات سريعة في خلفية ياسر عرفات حين كنت أرافقه في زيارة ما.

خلال الحقبة البيروتية الطويلة لم أظهر على أي شاشة تلفزيونية، إذ كنت متفرغا تماما للعمل الإذاعي والسياسي ولم أكن بالمستوى الوظيفي الذي يجعل الكاميرا تأتي لأخذ رأيي في أي أمر.

غير أن ما حدث فيما يتصل بالكاميرا كان حين بدأنا في تونس نعد العدة للعودة إلى الوطن على جناح أوسلو.

 

يتبع... ظهور ولكن هذه المرة على الشاشة الإسرائيلية