الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

روسيا البوتينية (7)/ بقلم: د. سامر العاصي

ربيع "أوكرانيا"

2022-06-12 01:38:14 PM
روسيا البوتينية (7)/ بقلم: د. سامر العاصي
سامر العاصي

يقول "زبيجنف برجينسكي"، مستشار الرئيس الأميركي، "جيمي كارتر" لشؤون الأمن القومي، إن هدفنا الأول، كان في حربنا الباردة مع الاتحاد السوفيتي، هو فصل أوكرانيا عنها.

فبعد نجاح ثورة "لينين" عام 1917، لم يكن بالإمكان، بتاتا، بناء الاتحاد السوفيتي، دون أوكرانيا. ولكي تنضم أوكرانيا إلى الاتحاد الشيوعي الجديد عام 1922، كان من الضروري إجراء استفتاء شعبي في أوكرانيا، في الوقت الذي كانت فيه كل الدلائل والمعطيات تشير إلى أن نتائجه لن تكون في صالح انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد السوفيتي. لذلك، اقترح الشيوعيون الروس على إخوانهم الشيوعيين الأوكرانيين، بضـم المقاطعتين الروسيتين، دونـباس ودنبــرو-بتروفـسـك (المتنازع عليهما الآن)، إلى أوكرانيـا وذلك من أجـل ضمان نتـائج الاستفتاء.

وهكذا، بدون استفتاء قانوني، أصبحت تلك المقاطعتان الروسيتان… مقاطعتين أوكرانيتين!  

وأصبحت أوكرانيا سوفيتية! ولم يتم بعدها إعادة المقاطعتين إلى روسيا.

أما شبه جزيرة القرم، فكانت منذ القرن الثامن عشر، جزءا من الأراضي الروسية.

وبعد وفاة "ستالين" عام 1952، أصبح الرفيق "خروشوف"، هو الشخص الأقرب حظوة إلى خلافة "ستالين"، (إن هو ضمن، إلى جانبه، أصوات الشيوعيين الأوكرانيين). ولضمان ذلك، قام الرجل عام 1954، "بإهداء" القرم الروسي إلى الرفاق الأوكرانيين!  ودون استفتاء السكان أيضا.

يذكر أن، سكرتير الحزب الشيوعي في القرم آنذاك، عارض القرار الرئاسي!! وتمت معالجة الأمر بسرعة وبسهولة بتعيين "مسؤول حزبي" آخر مكان الرجل المعارض.

وهكذا انتقلت شبه جزيرة القرم، إلى "جمهورية أوكرانيا السوفيتية".

ولما كانت الأممية هي أحد أهم مبادئ الشيوعية، وشعاراتها، فقد ظلت الأمور بين الجمهوريتين السوفيتيتين (الروسية والأوكرانية) كالسمن على العسل لا يشوبها أي شائب.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، ظلت المقاطعتان وشبه جزيرة القرم، ضمن حدود الدولة الأوكرانية، مع ضمان حق روسيا الاحتفاظ بميناء وبمدينة "سيفاستوبل" الحربي على البحر الأسود.

وفي العام 1994، جرت الانتخابات الرئاسية الثانية في جمهورية أوكرانيا الرأسمالية، وفاز فيها رجل موسـكو القوي "ليونيد كوتشما"، بمنصب رئيس الدولة. وظلت العلاقات الأوكرانية-الروسية على خير ما يرام.

ثم أعيد انتخاب "كوتشما" لدورة رئاسية تالية.

وبدأت علاقات الرجل مع الغرب تهتز بعد رفضه المطلق انضمام أوكرانيا إلى "حلف الناتو"، ورفضه التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي حرصا منه على إبقاء العلاقة والمصالح الأوكرانية- الروسية مميزة.

وفي العام 2004، وفي خضم الحملة الانتخابية الرئاسية، تم تسميم المرشح المعارض لموسكو، والمقرب من الغرب "فيكتور يوشينكو". ووجهت أصابع الاتهام نحو موسكو ومرشحها السيد "فيكتور يانكوفيتش" (سميت بانتخابات وبحرب الفيكتوريين).

واُعلِنت نتائج الانتخابات، التي فاز فيها "رجل موسكو"، على منافسه "يوشنكو" لتندلع بعدها الاضطرابات في "كييف"، و"أوديسا"، بعد أن خرج مئات الآلاف من السكان إلى وسط مدينتهم مشككين، منددين بنتائج الانتخابات. وسميت تلك الاحتجاجات (بالثورة البرتقالية)، بعد أن وضع زعيم المعارضة "يوشينكو" كوفية برتقالية حول رقبته. (تأكد بعدها أن تلك الكوفيات تمت خياطتها وشحنها من "وراء البحار").

ومع بداية العام 2005، أعلنت المحكمة العليا الأوكرانية، بطلان الانتخابات، ليتسلم "يوشينكو" الرئاسة.  وبدأت الأصوات، داخل الحكومة، تنادي بانضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو"، وهو أمر لن تقبله موسكو بتاتا.

وصارت العلاقات، مع روسيا، تتأرجح بين المد والجزر، حتى أن الرئيس "يوشنكو" اعترف، ذات مرة، بأن كميات هائلة من الغاز الروسي القادمة من سيبيريا، تضيع، أو تتسرب عند مرورها عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا الغربية. ويقول الخبراء الروس، إن تلك الكمية تقدر بحوالي 150 مليون متر مكعب يوميا، إضافة إلى كميات الغاز التي يتم بيعها سنويا بأسعار تفضيلية إلى أوكرانيا بقيمة 2.2 مليار دولار.

ومع بداية شتاء عام 2006، ازدادت الأمور تعقيدا بين البلدين، بعد أن أوقفت روسيا إمداداتها من الغاز والنفط عن أوكرانيا. وعمت الاحتجاجات البلاد.

وطالب "بوتين" أوكرانيا، بتعيين "يانكوفيتش" رئيسا للوزراء. وتم له ذلك!

ومع تراكم الديون الخارجية لصالح روسيا، أعلنت روسيا عن استعدادها بإعادة جدولة ديون أوكرانيا (حوالي 25 مليار دولار)، واستمرار بيع كميات الغاز السنوية "نفسها" ب 1.5 مليار دولار فقط، بدلا من 2.2 مليار، وذلك من أجل الحفاظ على "الجار التاريخي"، وضمان عدم انضمامه إلى حلف "الناتو"، أو الأحلاف الاقتصادية التي تضر بالمصالح الروسية.

وجاءت انتخابات عام 2010، التي فاز فيها، رجل موسكو القوي "فيكتور يانكوفيتش" على منافسته المقربة من الغرب، السيدة "يوليا تيمشنكو"، وأعلن "يانكوفيتش" رفضه المطلق انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو إلى الاتحاد الأوروبي.

وبدأت بعض الدوائر الغربية تعيد سيناريوهاتها في التعامل مع أوكرانيا ورئيسها الجديد.

ومع نهاية العام 2013، بدأت تظهر احتجاجات المعارضة شيئا فشيئا.

وفي فبراير 2014، تسارعت الأحداث، عندما بدأت "رصاصات قناصة" تفتك بكلا الطرفين المتنازعين وسط العاصمة "كييف"، دون تمييز، مما نتج عنه مقتل أكثر من 70 شخصا. فيما عرف، بعد ذلك، "بأحداث الميدان"، التي كان ظاهرها معارضة الدستور الجديد للبلاد.

ولم يتم التأكد، من صحة ما صرح به أحد كبار رجال الاستخبارات الروسية السابق، الجنرال "ليونيد ايفاشوف"، عن صحة تدخل "وحدة القناصة الإسرائيلية" (بيتار) في إلهاب "الثورة البرتقالية"، متهما إياها "بقنص" عدد من المتظاهرين وقتلهم (من مسافة بعيدة) في اللحظة نفسها التي تم فيها "قنص" عدد من رجالات الشرطة التابعين لنظام "يانكوفيتش"، تماما كما حدث في بودابست 1956 وفي موسكو عام 1993. وبعد أن أثارت تلك الوحدة المسلحة، النزاع بين الطرفين، اختفت فجأة دونما عودة!

واستعرت المعارضة المسلحة، في العاصمة "كييف"، وأصبحت البلاد على شفا الحرب الأهلية بين مؤيد ومعارض للحكم الجديد. وغادر "يانكوفيتش" قصره الرئاسي، بعد أن بدأت الجماهير بتطويقه، لتتلقفه طائرات الهليكوبتر الروسية قبل الحدود الروسية.

وتم تشكيل حكومة أوكرانية جديدة وصفت "بالنازية المتطرفة"، والمعادية "لروسيا البوتينية".

وكان على  "فلاديمير بوتين"، أن يراقب! .