حاوره- فارس الصرفندي
في الوقت الذي تمر به المنطقة العربية بأحداث جسام تهدد بتشرذم يضاف إلى تشرذم يمتد عمره إلى أكثر من نصف قرن تظل القضية الفلسطينية هي المحورية رغم محاولة البعض أبعادها وتهميشها إلا أن الشعوب العربية ما زالت تتعاطى مع القضية، كقضية رئيسية وهي الأساس في الصراع الممتد لأكثر من نصف قرن. ما بعد الأزمة السورية تغيرت التحالفات في المنطقة وبات القريب غريباً والحليف عدواً وخرجت بعض التنظيمات الفلسطينية من معسكر الممانعة وأصبحت تناصب هذا المعسكر العداء ولو بشكل غير مباشر. معركة البنيان المرصوص كما أطلقت عليها حركة الجهاد الإسلامي جاءت في ظل هذه الحالة السريالية لتقلب أوراق اللعب من جديد وتعيد الخارجين من معسكر الممانعة إليه ليعلن هؤلاء الشكر لهذا المعسكر ولقيادته.. لكن الجديد في إثر البنيان المرصوص سطوع نجم حركة الجهاد الإسلامي بقيادتها التي لم تناصب أحداً العداء وحافظت على توازن يفوق التصور في التعاطي مع معسكرين يتناقضان في كل شيء لتتحول الحركة إلى خيار فعال بالنسبة للمعسكر الأول وخسار منطقي للمعسكر الثاني... الحدث التقت في بيروت ممثل حركة الجهاد الإسلامي أبو عماد الرفاعي وحاورته في عدد من القضايا التي تتعلق بالشان الفلسطيني الداخلي والوضع الإقليمي والمستقبل الذي ما زال يتأرجح في هواء الصراعات والخلافات.
لم نعد نسمع في الإعلام الصهيوني عن حسم عسكري لما يسمونه مسألة غزة
هل تعتقد أن معركة البنيان المرصوص غيّرت من قواعد اللعبة مع المحتل؟
بداية، نتوجه بالتحية إلى أهلنا الصامدين في قطاع غزة والضفة الغربية، وإلى أهلنا في الداخل والخارج، ونترحم على الشهداء، ونواسي الجرحى، ونسأل الله تعالى أن يزيل عليهم الغمّة، وأن يذهب كيد عدوهم.
لا شك أن معركة البنيان المرصوص كانت معركة فاصلة، استطاعت المقاومة من خلالها أن تثبت أنها عصية على الهزيمة، وأن شعبنا يمتلك من إرادة الصمود والتضحية ما مكنه، بفضل الله سبحانه وتعالى، من هزيمة الجيش الصهيوني، رغم ما يمتلكه من عتاد وسلاح وصواريخ.
ولا شك أيضاً أن ما بعد معركة البنيان المرصوص ليس كما قبلها. ومن أراد أن يعرف أهمية ما حققته المقاومة في هذه المعركة فعليه أن ينظر إلى أهداف العدوان من جهة، وإلى سلوك العدو بعد المعركة من جهة ثانية. لم يستطع العدو أن يحقق من وراء عدوانه على غزة أياً من أهدافه، فلا هو استطاع القضاء على المقاومة، ولا استطاع أن يفرض على أهلنا في القطاع شروطه، ولا أن يجبر المقاومة على التنازل عن أي من مبادئها وثوابتها. بل على العكس من ذلك تماماً، فإن معركة البنيان المرصوص ارتدّت سلباً على العدو الصهيوني من الناحية العسكرية، حيث دفع العدو أثماناً باهظة لعدوانه، ولحقت خسائر فادحة في ألوية نخبته، واهتزت صورته أمام جنوده والرأي العام لديه.
ومن ناحية ثانية، يلاحظ المتابعون للأوضاع في غزة أن العدو قد اختلف سلوكه تجاه غزة، بعد المعركة، عمّا كان قبلها. لم نعد نسمع في الإعلام الصهيوني عن حسم عسكري لما يسمونه مسألة غزة، وفي المقابل كثرت الأحاديث عن خطط وبرامج الاحتواء، سواء عبر ما يطرحه موفدون أوروبيون، أو عبر ابتزاز أهلنا في قطاع غزة عن طريق تأخير إعادة الإعمار.
هذا كله يدل على أن معركة البنيان المرصوص كانت بالفعل معركة مفصلية، استطاعت المقاومة خلالها أن تفشل أهداف العدو، وأن تبرهن على صوابية خيار المقاومة، وأن ما يجري اليوم هو محاولة لإفقاد هذا الانتصار بريقه عبر المبادرات السياسية والضغوط المعيشية.
إلى أي مدى تعتقد أن الكيان "الإسرائيلي" يعاني اليوم من أزمة عنوانها الردع الغزي؟
يدرك العدو قبل غيره أن الحرب ضد غزة ليست نزهة، وأن المقاومة في غزة جاهزة لصد أي عدوان. والدليل على ذلك أننا لم نعد نسمع، بعد معركة البنيان المرصوص، عن عمليات اغتيال يمارسها العدو في قطاع غزة، لا عبر طائراته، ولا عبر دباباته وقناصته، كما كان الوضع سابقاً. وهذا يدل على أن المقاومة استطاعت بالفعل أن تفرض معادلة الردع على العدو.
هل المقاومة في قطاع غزه مستعده لأي عدوان "إسرائيلي" جديد؟
استطاعت المقاومة، بعد أسابيع قليلة من انتهاء المعركة، استعادة كامل قوتها وجهوزيتها، وهي الآن تمتلك من الأدوات والتقنيات والوسائل ما سيفاجىء العدو في أية حرب مقبلة.
البعض يقول إن الانتصار ليس بما تحققه على أرض المعركة، وإنما ما تحققه السياسة التي تستند إلى الانتصار. وحتى اللحظة، السياسة بعد معركة البنيان المرصوص لم تحقق شيئاً على الأرض؟
هذه المقاربة وإن كانت صحيحة، إلا أنها لا تنطبق بالكامل على المقاومة. البعض يروّج لهذه المقولة لكي يفقد الانتصار الذي حققته المقاومة بريقه. لكن ماذا لو تخيلنا العكس. ماذا لو أن المقاومة هزمت في غزة؟! صحيح أن المقاومة لم تستطع أن تحول انتصارها العسكري في الميدان إلى مكاسب سياسية، لكن، ألم يكن العدو ليحقق أهدافه السياسسية والعسكرية لو هزمت المقاومة، لا سمح الله؟! إذاً، لا يمكن التقليل من قيمة الانتصار العسكري، حتى لو لم يتحقق مكاسب سياسية.
هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن ما منع المقاومة، وما يزال يمنعها من تحقيق مكاسب سياسية هو الواقع العربي المأساوي. لقد خاض شعبنا في قطاع غزة معركة البنيان المرصوص في أسوأ الظروف التي تمر بها منطقتنا اليوم. ولو أن هناك حاضنة عربية جاهزة لاستثمار هذا الانتصار لاختلفت النتيجة تماماً.
لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة لعقد مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار غزة "كرمى لعيون أهلها"، بل لإنقاذ العدو "الإسرائيلي".
من الذي يعيق الإعمار في قطاع غزه اليوم؟
هناك عدّة أطراف تتحمل مسؤولية إعاقة إعادة إعمار قطاع غزّة، منها أطراف دولية وإقليمية. لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة لعقد مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار غزة كرمى لعيون أهلها، بل لإنقاذ العدو "الإسرائيلي"، الذي كانت صورته تتدهور بسرعة في الرأي العام العالمي، في محاولة لامتصاص نقمة الغضب العالمية على المجازر التي ارتكبها على مدى 51 يوماً من جهة، وبهدف الإمساك بورقة إعادة الإعمار واستخدامها في الضغط على المقاومة من جهة، وكورقة ابتزاز وتسعير للانقسام الفلسطيني الداخلي، من جهة ثانية.
في المحصلة، من يتحمل مسؤولية إعاقة إعادة الإعمار هو المشروع الغربي الذي يريد أن يفرض على الشعب الفلسطيني التنازل عن ثوابته وحقوقه، عبر الاشتراطات العديدة التي يضعها لإعادة الإعمار. وكذلك الغياب العربي الرسمي، الذي ترك القسم الأكبر منه فلسطين في أيدي القوى الغربية، وأيضاً حكومة الوفاق الوطني العاجزة عن التأثير في هذا الملف.
هل تعتقد أن طرفي الخلاف الفلسطيني انجرّا لىشهوة السلطة؟
ربما يكون بعض الأفراد في هذا الطرف أو ذاك قد انجرّوا بالفعل إلى شهوة السلطة، غير أننا لا نستطيع القول إن الإنقسام الفلسطيني سببه شهوة السلطة. الانقسام في الأساس هو نتيجة خلاف بين مشروعين: مشروع التسوية والمفاوضات والرهان على المجتمع الدولي وعلى الإدارة الأميركية، ومشروع المقاومة الذي راهن على الشعب الفلسطيني. ولذلك، فإن تقزيم الخلاف إلى مجرد شهوة سلطة لا يصح في هذا المجال، وإن كان ينطبق على بعض الأفراد كما سلف القول.
ألا تعتقد أن بعض الفصائل الفلسطينية أفقدت القضية الفلسطينية ثقلها العربي والدولي؟
ربما يكون أداء بعض الفصائل أثر في هذا الاتجاه، لكن لا يمكن تحميل الفصائل وحدها المسؤولية في ذلك. بعض الدول العربية كانت تبحث عن مبررات للتخلص مما كانت تعتبره عبء القضية الفلسطينية، وبعضها كان يخترع الذرائع.
- إلا تعتقد أن بعض الفصائل الفلسطينية تعيد سيرة الماضي بتدخلها في شؤون لا ناقة لها بها ولا بعير؟
نحن في حركة الجهاد الإسلامي نرى أن على القوى والفصائل الفلسطينية أن تراعي نتائج مواقفها على الوضع الفلسطيني العام، ولا سيما فيما يتعلق بأوضاع اللاجئين. غالباً ما دفع شعبنا أثماناً باهظة نتيجة مواقف سياسية لبعض القوى الفلسطينية. هذا ما حصل في تجارب كثيرة سابقة، وفي أكثر من بلد، حين أخذت منظمة التحرير الفلسطينية أو بعض الفصائل مواقف دفع شعبنا الفلسطيني ثمنها، كما حصل أثناء الحرب العراقية ضد الكويت. لكن، وفي المقابل، لا يجوز أن يدفع الشعب الفلسطيني، أو جزء منه، ثمن موقف سياسي لهذا الفصيل أو ذاك.
- خلال زيارة وفد "الجهاد الإسلامي" إلى القاهرة، ما هي أهم القضايا التي كانت على جدول البحث؟
تركزت النقطة الأساسية التي بحثها وفد الحركة، برئاسة الأمين العام الدكتور رمضان شلح، على تخفيف معاناة أهلنا في قطاع غزة. لذلك، تمحورت اللقاءات حول فتح معبر رفح، ووقف التحريض الإعلامي المتبادل بين حماس والإعلام المصري.
لا تستطيع حركة حماس أن تخسر عمقاً عربياً وجماهيرياً، مثل مصر، كما لا تستطيع مصر أن تخسر فصيلاً مقاوماً، مثل حركة حماس.
- هل حقاً كان هناك نوع من الوساطة التي لعبتها قيادة الجهاد بين حماس والقاهرة؟
نعم، قام وفد حركة "الجهاد الإسلامي" في القاهرة بوساطة بين الإخوة في حركة حماس والحكومة المصرية، على أساس ترتيب العلاقة بين حماس ومصر. في نهاية المطاف، لا تستطيع حركة حماس أن تخسر عمقاً عربياً وجماهيرياً، مثل مصر. كما لا تستطيع مصر أن تخسر فصيلاً مقاوماً، مثل حركة حماس. وترتيب العلاقة بين الجانبين، يصب أولاً وأخيراً في مصلحة شعبنا الفلسطيني.
وقد أنتجت هذه الوساطة بعض الانفراج، سواء في إلغاء القرار القضائي المصري باعتبار حركة حماس حركة "إرهابية"، أو في النقاش حول إعادة معبر رفح، الذي فتح بالفعل في حينه، بانتظار استكمال النقاش حول ظروف إعادة فتحه بالكامل، وكذلك في وقف الحملات الإعلامية بين الجانبين.
- هل تعتقد أن النظام المصري قادر على استيعاب حركة حماس، وهي جزء من جماعة الإخوان، الغريم التقليدي لهذا النظام؟
نحن في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين نرى أن قوى شعبنا غير معنية بالخلافات العربية الداخلية، وعلينا بذل الجهد لكي نحافظ على قضيتنا، ولا سيما في هذه الظروف الصعبة، وأن نسعى لكي نأتي بالعرب وبالمسلمين جميعاً إلى فلسطين، لأنها القضية المركزية للعرب وللمسلمين، وتعنيهم جميعاً. لذلك، الأمر لا يطرح من زاوية كيف ينظر هذا النظام أو ذاك إلى هذا الفصيل أو الحركة أو تلك، بل من زاوية ما نريده نحن الفلسطينيين، وما يعزز نقاط القوة، ويقوّي قضيتنا، ويخفف عن شعبنا، ويحمي مقاومتنا، في مواجهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية.
هل تعتقد أن معسكر الممانعة ما زال قادرًا على الاستمرار في نهجه بعد كل الضربات التي وجهت له؟
الأحداث تثبت أن محور المقاومة، ورغم كل المحاولات التي جرت لإنهاكه، لا يزال يشكل تحدياً وجودياً للكيان الصهيوني، ولا يزال قوياً ومتمسكاً بثوابته.
- هل ترى أن الانتصار لهذا المعسكر ما زال حتمياً كما كان يقول بعض قادته؟
بالتأكيد، فلولا الثقة بالانتصار لما كان هناك مبرر لوجود المقاومة واستمرارها.
- إلى أي مدى تعتقد أن ما حققته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجابهتا السياسية سيمنح ثقلاً لحلفائها في المنطقة؟
من طبيعة الأشياء أن يقوى الحليف بحليفه، ما دام الحلف قائماً. لذلك، من الطبيعي أن كل ما من شأنه أن يقوّي الجمهورية الإسلامية في إيران سيكون قوّة لحلفائها. لكن، هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن ما يجمع قوى المقاومة ليس "حلفاً مناطقياً"، بل مقاومة الكيان الصهيوني. لأن أساس التحالف وجوهره قائم على مقاومة المشروع الصهيوني، وليس على أساس تكتل إقليمي أو ما شابه.
هناك حاجة وضرورة لبلورة استراتيجية فلسطينية موحدة، تقوم على أساس المقاومة وحماية حقوق شعبنا وثوابته
- بعد معركة البنيان المرصوص، أصبحت حركة "الجهاد الإسلامي" رقماً صعباً في الأراضي الفلسطينية، وأثبت أمينها العام، بشهادة الجميع، أنه قادر على أن يكون قاسماً مشتركاً، وكثيرون اعتبروا أن الرجل يتميز عن كافة القيادات الفلسطينية. وعليه، هل من الممكن أن نرى الدكتور رمضان عبد الله شلح رئيساً لمنظمة التحرير يوماً ما؟
نحن في حركة الجهاد الإسلامي نرى أن هناك ضرورة لإصلاح وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وإشراك جميع القوى والفصائل فيها، لكي تكون تعبيراً وطنياً عن الكل الفلسطيني. كما نرى أن هناك حاجة وضرورة لبلورة استراتيجية فلسطينية موحدة، تقوم على أساس المقاومة وحماية حقوق شعبنا وثوابته. لذلك، نحن نسعى بكل جهد لتحقيق ذلك.
وبالإجابة على سؤالك، فإننا نعتقد أنه يحق لجميع المخلصين والقادرين من قادة شعبنا أن يكونوا في المراكز التي يستطيعون من خلالها تحقيق أهداف شعبنا، وحماية قضيتنا، ما دام ذلك يحظى بإجماع فلسطيني. وذلك أمر ينطبق على الدكتور رمضان، حفظه الله، وعلى سواه، ممن يرتضيهم شعبنا.
- لماذا لا تستفيدون من القاعدة الجماهيرية التي حققتموها وتخوضون معركة الانتخابات التشريعية أو حتى الرئاسية؟
الموقف الذي يتعلق بالمشاركة في الانتخابات أو عدمها مرتبط بالظروف السياسية والموضوعية. لذلك، فإن رفضنا في الانتخابات السابقة المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية مرتبط بواقع إفرازات أوسلو، ولم يكن موقفاً قائماً على حرمة الانتخابات، مثلاً. وبالتالي، فإن هذا أمر مرهون بالظروف السياسية. وفي كل الأحوال، فإن موضوع الانتخابات ليس مطروحاً الآن.
- أخيراً كيف ترى المستقبل الفلسطيني؟
نحن نؤمن أن المستقبل هو لصالح قضيتنا وشعبنا وأمتنا العربية والإسلامية، تصنعه المقاومة بفضل صمود أبناء شعبنا وتضحياتهم. رغم كل ما يقال عن تعقيدات المشهد الإقليمي، لكن يجب أن لا نغفل أن العدو الصهيوني هو الذي يعيش في مأزق وجودي، فرضته عليه قوى المقاومة في فلسطين ولبنان. صحيح أن شعبنا يعاني معاناة شديدة، في الداخل والخارج، ولكن العدو الصهيوني هو الذي يعيش المأزق، لأنه يواجه مأزقاً وجودياً، باعتراف عدد كبير من مراكز الأبحاث والدراسات الغربية، وبتقدير عدد كبير أيضاً من جنرالات العدو وقادته العسكريين والسياسيين على حد سواء. لذلك، نحن نرى أن المستقبل هو للمقاومة ولأبناء شعبنا، وأمتنا،.. وإن غداً لناظره لقريب
{2}
...نتنت
{2}
{2}
Signing in...
|
Couldn't connect to Messaging.
|
Try again
|
Couldn't connect to Messaging.
|
Try again
|
No contacts found.