الثلاثاء  19 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مخيم بلاطة... جرح غائر وصراع لا ينتهي

من رحم المعاناة والألم يولدون رجالاً

2015-04-21 12:54:10 AM
مخيم بلاطة... جرح غائر وصراع لا ينتهي
صورة ارشيفية
 
نابلس - آية أبو عيسى
 
في الأمس القريب كانت مشاهدة الأطفال تستوقفنا وهم يلعبون في أزقة المخيم وشوارعه الضيقة كرة القدم وغيرها من الألعاب التي يرسمونها في مخيلتهم..اليوم ومع ما يجرى من أحداث، باتت أحلامهم مستنزفة، فتارة يقمعهم الاحتلال وتارة واقعهم المرير الذي التهم أحلامهم البريئة, فنراهم يمارسون لعبتهم المفضلة "جيش وعرب" فيغلقون شارع القدس المحاذي للمخيم يومياً بالمتاريس والحجارة، فيما تلعب قوى الأمن "مجازاً"، دور العدو وهو في حالة تأهب دائم، لتصبح الفوضى سيدة الموقف الذي يدفع ثمنه سكان الحي العائدون إلى بيوتهم.
أثناء تجوالي في أزقة مخيم بلاطة شرق نابلس, قصدت منزل الطفل حسين سليمان أبو عصب (11)عاماً, والذي أصيب بعيار ناري في ركبتة اليمنى خلال الأحداث الأخيرة التي شهدها المخيم بين مسلحين وعناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينة.
"ذهب حسين لشراء بعض حاجياته من البقالة, فباغتته رصاصة في ركبته اليمنى, فسقط جريحاً على الأرض وسارع بعض رفاقة ونقلوه في سيارة جيب إلى المستشفى". هذا ما عبرت عنه والدة الطفل فاتن أبو عصب.
وقال شقيقه عادل أبو عصب:"بعد نقله إلى مستشفى رفيديا, وإجراء عملية تجبير لساقة اليمنى, تبين وجود نزبيف حاد صاحبه تضخم في قدمه بشكل كلي وتمزق في الأربطة وعظمة النمو إضافة إلى نقص في الجلد, الأمر الذي دعانا إلى أن نجتهد لمحاولة نقله لمستشفى آخر, خاصة بعد تردي وضعه الصحي بشكل كبير". وتابع: "رفضت إدارة المستشفى نقل شقيقي إلى مستشفى الإنجيلي إلا في حالة دفع مبلغ قدره 600 شيقل".
وواصل عادل حديثه وعيناه تمتلئان بتعابير الخشية والقلق:"أمضى أخي خمسة عشر يوماً في الإنجيلي ولم يتوفر له العلاج الكافي, فتم نقلة إلى مستشفى مائير في مدينة كفار سابا وهناك خضع لعملية ربط العظام, وتنتظره عملية أخرى الأسبوع المقبل لزراعة العظم والأنسجة والأربطة".
وأضاف: "رفض الطب الجنائي الإفصاح عن نوعية الرصاصة التي أصيب بها شقيقي حسين في ركبته وامتنع عن فحصه وإعطائنا تقريراً كاملاً عن حالته".
وفي مقابلة مع المحامية في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال سوسن صلاحات قالت: "إن الأحداث الأخيره التي غزت مخيم بلاطة أثرت بشكل واضح وملموس على حياة الأطفال ومستقبلهم, هناك حالات عديده لدينا يتم علاجها جراء تعرضهم للخوف الشديد والتبول، اللاإراديإضافةإلى عدمالشعور بالأمن والاسقرار جراء تلك الأحداث".
وأكدت على ضرورة عدم زج الأطفال في النزاعات والخلافات الداخلية وعدم استغلالهم والمتاجرة بهم ليكونوا دمى يسهل تحريكها لتحقيق أهداف القائمين عليها.
وأوضح البيان الصادر عن الحركه العالمية للدفاع عن الأطفال أنها لا تحمل المسؤولية لأي طرف معينوتؤكد على ضرورة تجنيب الأطفال أي مجاذبات ونزاعات داخلية، وتشير إلى ضرورة حماية الأطفال وإبقائهم بمنأى عن الخلافات ومحاسبة المسؤولين عن إلحاق الضرر بهم.
وقال الأستاذ محمد المسيمي، أخصائي اجتماعي في مركز يافا الثقافي: "لا بد من وجود تأثيرات على المستوى الإدراكي لدى الطفل, فعندما يستيقظ على أصوات إطلاق النار وقنابل الصوت, تتشكل لديه حالة من التوتر وعدم الاستقرار النفسي يصاحبه الخوف الشديد والانطواء، إضافه إلى اضطرابات سلوكية ونفسية وجسمية".
 
محمد ريان (30) عاماً أب لطفلين، يقول: "أثرت الأوضاع الأخيره على مخيم بلاطة بشكل واضح, أصبحنا نلقب بالحرامية والسكرجية, حشاشين وبلطجية, فغدونا نميل للتشاؤم أكثر بكثير من التفاؤل". وتابع: "حاولت الحصول على عمل في المتاجر والدوائر الحكومية، قالوا إني غير ملائم لأنني من سكان المخيمات، لا يوجد لدي عمل أكسب به قوت أولادي ولا أتلقى المساعدات من السلطة, نحن نسير في طريق مسدود ولا أحد يصغي إلى مشاكلنا، حتى غدوت أخجل من نفسي كوني من المخيم".
وقال مصدر أمني في السلطة الفلسطينية: "ليس  باستطاعةالطفل إثاره أعمال الشغب والتخريب إلا من خلال توجيه من قبل أفراد هدفهم الوحيد زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد". وتابع: "الطفل هو الشريحة الأهم في المجتمع, فحين ترعى الطفل وترشده وتوسع مداركه المعرفية والثقافية، فإنك تصنع أجيالاً ورجالاً يغدون سنداً لمحاربة الظواهر السلبية، وأمة تتقدم بها الشعوب وترتقي".
ورفض المصدر الأمني في السلطة تسمية ما يجري (بالحملة الأمنية) قائلاً: "إنه نشاط أمني مكثف للقضاء على الخارجين عن القانون ومحاسبتهم، فهم يحملون على كاهلهم قضايا جنائية كسرقات وعمليات الاختطاف، إضافة إلى قضايا المخدرات والسلاح التي كثر تداولها في الآونة الأخيرة".
خالد (34) عاماً سائق تاكسي من سكان مخيم بلاطة قال: "لم يعد دور الأب في حياة الأسرة كما كان في السابق, فلا يملك القدرة على السيطرة على أبنائه, فسوء المعيشة وارتفاع نسبة الفقر والبطالة, أودى بالأبناء إلى الهروب من المدارس والاحتكاك بأشخاص خارجين عن القانون".
وأضاف: "ونتيجة لإهمال السلطة وعدم الاكتراث لشؤون المخيم ومتطلباته، عمت الفوضى, وظهر تجار المخدرات, فيمكنك أن تجد جميع أنواع المخدرات التي تعرفها في المخيم, هيدرا, تريب, حشيش". وتابع خالد حديثه ودخان سيجارته يخرج من فمه بعشوائية: "وقع هاني حمدان (25)عاماً والملقب بالسيسي ضحية المخدرات, ترك عمله, وبات يجوب الشوارع, نتيجة لإعطائه حبة تريب، وهو نوع من أنواع المخدرات المنتشره في المخيم, ما أدى لإصابته باضطرابات عقلية وصحية".
وصرح اللواء أكرم الرجوب محافظ نابلس أن أجهزة الأمن ستُطلق النار مباشرة على كل شخص يُخلّ بأمن المواطنين ولا ينصاع للقانون وأجهزة تنفيذه.
جاءت أقوال الرجوب في حديث صرح به لنشرة أخبار الثامنة على شاشة فضائية معاً خلالتعليقه على إغلاق شارع القدس نابلس من قبل أشخاص قرب مخيم بلاطة.
وقال الرجوب: "لقد أعطينا الفرصة للعقلاء كي يتدخلوا لكف الخارجين على القانون، لكن هؤلاء تجاوزوا كل الخطوط الحمر، ولم يتبق أمام السلطة سوى استخدام القوة لفرض النظام والقانون".
"ما الذنب الذي اقترفناه لنصبح منبوذين وغير مرغوب بنا"، بهذه الكلمات وصف رائد 26 عاماً حال سكان المخيم وما وصلو إليه من كوارث اجتماعية، وتابع: "هناك احتمال كبير لعودة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق, فالبطالة والفقر تضرب يوماً بعد يوم جذور المخيم, والسلطة بدورها ما تزال تداهم المخيم بسيارات خاصة, في المقابل أهالي المخيم لا يوجد لديهم ما يخسروه, الإجرام متفشٍ والبطالة سيدة الموقف وتجار المخدرات متواجدون في كل زاوية, وكل من يريد استغلال الأوضاع يتوجه للشباب ويعرض عليهم الانضمام لهم"
يشار إلى أن نسبة المتعلمين في المخيم، حسب الصحفي ابو عرب، تصل إلى 73% محروم أغلبهم من الوظائف.
لم يخفِ أحمد أبو سريس(30)عاماً استياءه مما يجري قائلاً: "المخيم أصبح دماراً بعد الأحداث الأخيره التي استفحلت فيه, وسمعته تراجعت إلى الحضيض, حتى بتنا نخجل التعريف عن أنفسنا, خاصة بعد الاتهامات الباطلة التي بات سكان المخيم يعرفون بها, من بائعي مخدرات وتجار سلاح وأهل للفلتان الأمني".
وتابع: "ألا يكفي الاحتلال الإسرائيلي وما يفرضه علينا من ضيق العيش والمداهمات والاعتقالات اليومية".
الصراع من أجل البقاء, يبقى حلم كل طفل وشاب يقطن في مخيم بلاطة, فقسوة الأحداث التي عانوها خلال الأشهر الماضية جعلت منهم كتلة متجمدة لا حول لها ولا قوة, فلا يجدون من يعيلهم ويخفف عنهم آلامهم, هنا في مخيم بلاطة يعيش 23 ألف لاجئ فلسطيني يتنفسون الصعداء ويعيشون الحلم والموت, ويترقبون الغد وكأنه لا يأتي, هذا حال سكان مخيم بلاطة اليوم, أطفال بلا مستقبل وشباب بلا عمل.
يذكر أن مخيم بلاطة الواقع شرقي محافظه نابلس قد شهد منذ عده شهور حالة من التوتر وعدم الاستقرار في ظل الاشتباكات التي نجمت بين المسلحين وقوات أمن السلطة الفلسطينية, أسفرت عن إصابة مواطنين بالرصاص الحي من بينهم أطفال ونساء.