الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ماذا يعني سقوط اليرموك؟ / بقلم: عبد الغني سلامة

2015-04-21 10:45:25 AM
 ماذا يعني سقوط اليرموك؟ / بقلم: عبد الغني سلامة
صورة ارشيفية
 
 
نشعر جميعاً بالغضب، ويعتصرنا الألم للمصير الحزين الذي آل إليه مخيم اليرموك، بعد ثلاث سنوات من الحصار، دون أي أفق لأي انفراج قريب. لكن اليرموك، وبالرغم من فداحة خسارته، وهول مأساته، إلا أنه ليس أول مخيم يتعرض للتنكيل والذبح، ومن الضروري هنا أن نتذكر سقوط تل الزعتر (على يد الكتائب 1976)، ومذبحة صبرا وشاتيلا التي نفذتها "الكتائب" بحماية شارون (1982)، وحرب المخيمات التي شنتها حركة "أمل" لثلاث سنوات متتالية على شاتيلا وبرج البراجنة (1985 - 1988)، ومخيم نهر البارد الذي دمرته بالكامل عصابة "فتح الإسلام" (2007)، ومن قبله مخيم النبطية الذي سوّته الطائرات الإسرائيلية بالأرض (1974)، وأيضاً مخيمات ضبية، جسر الباشا، مار إلياس التي تدمرت كلياً في الحرب الأهلية.
وحيث يدرك الجميع أن مصير ومستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان وسورية إنما يتوقف على صمود المخيمات، وبالنظر إلى هذا التاريخ الملطخ بدمها، من الصعب ألا نقتنع بوجود مؤامرة تستهدف وجودها، وضرب رمزيتها، وما تعنيه لحق العودة، بل تريد تصفيتها نهائياً، وجعلها جزءاً من الذاكرة المنسية. هذه المؤامرة التي تسعى لإخراج اللاجئين من أي تسوية سياسية، وجعلهم مجرد جموع هائمة على وجهها في شتى بقاع الأرض، تبحث عن خلاصها الفردي فقط، تنفذها أطراف متعددة، بدءاً من إسرائيل، وانتهاءاً بداعش، مروراً بكل العصابات الطائفية.. كلهم تورطوا في هذه الحرب القذرة، وكلهم ضالعون بالمؤامرة، وكلهم أوغلوا بالدم الفلسطيني.
وبالنظر إلى تاريخ المنطقة في العقود الثلاث الأخيرة، سنجد دليلاً إضافياً يؤكد أن فلسطينيي الشتات يتعرضون لمؤامرة رهيبة، هدفها النهائي إسقاط حق العودة، فمثلاً، بعد تحرير الكويت مباشرة تعرض الفلسطينيون المقيمون هناك للتنكيل والاعتقال والطرد، وبعد أن كان عددهم يربو على 400 ألف، لم يبقَ منهم سوى أقل من 50 ألف. وبعدها بسنتين قام القذافي بطرد الفلسطينيين من ليبيا وتجميعهم في خيام مؤقتة في الصحراء على الحدود المصرية. وبعد سقوط النظام العراقي قامت الميليشيات الطائفية بالتنكيل بالفلسطينيين المقيمين في العراق، وخاصة في حي البلديات، حتى تقلص عددهم من عشرين ألف إلى بضع مئات، جمعوهم في مخيمات بائسة على حدود الأردن وسورية لسنوات طويلة، حتى تم نفيهم إلى أقاصي الأرض. اليوم نجد أن سكان مخيم اليرموك تراجعوا من 250 ألف إلى أقل من 5 آلاف، سيتم تهجيرهم قريباً.
وحتى لو لم تكن القضية مؤامرة بالمعنى الحرفي للكلمة، إلا أنها أكثر من مجرد تدفيع الفلسطينيين أثمان الحروب والصراعات الداخلية في المنطقة، هي أيضاً ممارسات ممنهجة تأتي في إطار مخطط لإنهاء كل التجمعات الفلسطينية، وتذويبها وتشتيتها، ودفع اللاجئين للتفكير في الحلول الفردية، والهجرة إلى شتى أصقاع الأرض، تمهيداً لإقفال ملف حق العودة.
وفي ذات السياق، منذ أيام، اجتاحت قطعان الدواعش مخيم اليرموك، لكن، علينا أن ننتبه إلى أن قضية مخيم اليرموك ليست فقط "داعش".. فهؤلاء ليسوا أكثر من ناتج عرضي لمسلسل الخراب والتهاوي الذي بدأته المنطقة منذ زمن. مأساة اليرموك قبل داعش، وبالتأكيد بعدها.. القضية هي استهداف المخيم بحد ذاته، ولو نظرنا إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان، سنجد أن سكانها يعانون أوضاع البؤس والفقر، وحرمانهم من كافة حقوقهم المدنية والطبيعية، إلى جانب تعرضهم لسلسلة من المذابح والتهديد والحصار، الأمر الذي أدى إلى تفاقم إحساسهم بالعزلة والضياع والتشتت، وفقدان البوصلة، حتى صار المستقبل في عيونهم مجهولاً تنعدم فيه الضمانات والإحساس بالأمن.
وفوق ذلك، صارت المخيمات بيئة خصبة لأفكار التطرف والتكفير، وساحة صراعات لحروب الآخرين، وتحولت إلى ملجأ يؤوي المجموعات المتطرفة والخارجين عن القانون والمطلوبين للعدالة، ومسرحاً ملائماً لظهور اللاعبين الجدد: الجماعة الإسلامية، الجماعة السلفية، حركة التوحيد، عصبة النور، الأنصار، جند الشام، فتح الإسلام، جماعة الضنية... أما مخيم اليرموك، فيضم الآن آلاف المعارضين للنظام: كتائب أكناف بيت المقدس، العهدة العمرية، جبهة النصرة، حركة أحرار الشام، لواء الأمة الواحدة، لواء الإسلام، لواء شام الرسول، كتائب شباب الهدى، الرابطة الإسلامية... كيف نفسر تكاثر هؤلاء؟ وكيف دخلوا للمخيم؟ ولماذا هم دائماً مسلحون؟ ومن يموّلهم ويسلحهم ويوفر لهم جوازات السفر، والحماية والغطاء الديني؟ وما هو برنامجهم السياسي؟ وما هي آفاق تحقيقه؟
والموضوع أيضاً هو توريط الفلسطينيين في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وزجّهم في صراعات لا تخدم قضيتهم، بل تبعدهم عنها، وتحرف بوصلتهم، باتجاهات تؤدي في نهاية المطاف إلى تشويه قضيتهم، وتفريغها من مضامينها السياسية، وحرمانها من التعاطف الدولي، وربطها آلياً بالإرهاب والحركات الأصولية.
وللأسف الشديد، هنالك أطراف فلسطينية متورطة في هذا المخطط (بقصد أو بدون قصد)، وتصر على أن تكون أداة لتحقيق أجندات خارجية غير وطنية وغير فلسطينية، ولديها الاستعداد لخوض حروب بالوكالة والتضحية بدماء شعبنا تحت شعارات ثورية وخطب جوفاء. وفي مخيم اليرموك تحديداً هنالك الجبهة الشعبية - القيادة العامة، الحليف التاريخي للنظام السوري (أو أداته بعبارة أدق)، التي تتحصن عناصرها على أطراف المخيم بتغطية من القوات النظامية التي تفرض طوقاً عسكرياً محكماً من جهتها حول المخيم. وهنالك أيضاً كتائب أكناف بيت المقدس، المقربة من حماس (رغم أن حماس تنفي صلتها بها)، والتي تضم مئات المقاتلين، ممن يتلقون دعمهم من الجبهة الإسلامية المعارضة في سوريا، ويتزودون بالسلاح والذخيرة من المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها جبهة النصرة وجيش الإسلام.. هذان الفصيلان جعلا من اليرموك ساحة للصراع، وأدخلاه في حرب ليست حربه، وهما تتحملان وزراً  كبيراً من مأساة المخيم، وطبعاً دون أن نعفي بقية الأطراف من مسؤوليتها عن مذبحة اليرموك.