كتبت قبل أيام مقولة خطرت على بالي ذات صباح وتدعي " أن الحياة والموت، وجهان لعملة واحدة لا تدركها إلا جغرافيا الروح". واليوم أضيف "والمختلف الفعال"، والمختلف هنا هو من يملك من العطاء ما يعطي للحياة أبعادها الإنسانية التي نسينا أو كدنا.
هذه العلاقة بين الإنسان ومحيطه، أو لنقل الفاعل ونتاج فعله تشبه تماماً علاقة الأرض بالسماء حينما تنتظر الأولى فعل الثانية، لتبسط الثانية شمسها الحانية على كل أرجاء الأولى. ما يقودنا إلى استنتاج أن الحياة، كل الحياة لم تقم على فكرة التفاضلية، وإنما على فعل التكاملية التي ترتكز على البنية الهرمية المقادة من إله الكون، فـــ"إذا لم يكن هنالك إله فكل شيء مباح" كما يقول "دوستوفيسكي".
والصيرورة الحياتية التي توجد بلا سبب معلوم للإنسان في الزمان والمكان، تؤكد أن بإمكان كل إنسان أن يغطس في الماء، ولكن ليس كل من يغطس يمكنه أن يصل إلى الأعماق. الأمر الذي يذكرنا بمقولة سيد قطب: ""عندما نعيش لذواتنا ولشهواتنا تبدو لنا الحياة قصيرة، تافهة، ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! أما عندما نعيش لغيرنا، نعيش الفكرة والحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض!.
كل ما تقدم يأخذنا لفكرة الغيرية التي تحدد كل ما هو إنساني داخل مكنونات الإنسان، أي ما يربطه بمقومات جوهرية ثابتة ومطلقة، يدور معها الإنسان في فلك علاقات متشابكة تنفي عنه، أي الإنسان، عوامل الوحدة، لتدعم مقومات الثبات في وجه التعالي والانفصال عن العالم.. والانفتاح على الغيرية، الذي يستبعده التصور القائم على الآنية، يُقر بأن الوجود الإنساني لا يمكن مقاربته فقط من جهة الكثرة سواء تعلق الأمر بالتاريخ أو الجسد والغرائز والرغبات أو الآخر.
والمختلف في هكذا حالات، يكون أحيانا هو الذات نفسها، بمعنى أن المختلف هو أنا آخر داخل كل منا، ولكن بمعطيات نفسية ومعرفية وقيمية وثقافية مختلفة وهو ما يجعل من حضور الآخر وتحديدا من الأصدقاء ومهما تكالبت عوامل التكنولوجيا لتقف حائلاً بين الفرد والجماعة، هو حضور فاعل. تماماً كما هو حضور العديد من أصدقائنا اللذين وضعوا بصماتهم بالأفعال لا بالأقوال، ومنهم على المستوى الشخصي صديقي الشاعر والروائي الجميل أنور الخطيب، الصديق الصدوق الواعي لمفاعيل الصداقة في عرضها الحي.