لئن تعدّدت مقاربات التخطيط للمناهج وتباينت نسب نجاعتها، فمن الضروري أن تقوم وحداتها على مقاربة واضحة ودقيقة؛ كأن تعتمد على المواضيع، أو الأجناس الأدبية، أو المقاربة التاريخية، أو مقاربة التدريس بالقصة، أو مقاربة حلّ المشكلات، أو مقاربة الاستيعاب المبني على المفاهيم أو مقاربة التعلّم المبني على التساؤل.
ومن أهمّ شروط الوحدة (1) الناجحة أن تكون مخرجاتها محدّدة بدقّة، ويراعي مصمّمها التدرّج في مكتسبات الطلاّب المعرفية السابقة واللاحقة تدرّجا منطقيا وقد أشار مارزانو إلى ضرورة مشاركة الطلاب في تحديد أهداف الوحدة. (٢)
بداية وقبل التخطيط يطرح المصمّم هذه الأسئلة: ما الذي أتوقعه من الطالب في نهاية هذه الوحدة؟ وما الذي يتوقعه الطالب مني ليكتسب هذه المخرجات؟ وما المهارات التي سأقيسها في نهاية الوحدة؟ وما المعايير التي سأعتمدها في التقييم؟
يجب أن يتسم تصميم المدرّس بالمرونة فليس كل ما تم التخطيط له في الوحدة يحققه المدرّس لذلك عليه أن يدخل على خطّته التغييرات التي يراها ضرورية أحيانا. وهذه بعض شروط الوحدة الناجحة والفعّالة:
١- الزّمن: عند بداية التخطيط للوحدة لا بد من تحديد فترتها الزمنية بدقّة بعد الاطلاع على رزنامة المدرسة ومعرفة تواريخ الاختبارات والمناسبات والعطل حتى لا يتفاجأ المدرسون بضيق الوقت وعدم إتمام الوحدة في الوقت المحدد. ولذلك عند تحديد الفترة الزمنية اللازمة لكل وحدة يجب على المدرّسين أن يكونوا جاهزين لإضافة جزء أو حذفه من الوحدة عند حدوث أيّ طارئ، وهذه الإضافة أو الحذف لا يجب أن يخلّا بمخرجات الوحدة وأهدافها الأساسيّة.
٢- الموارد: إنّ التنوّع في الموارد المستخدمة في الوحدة مهمّ جدا لشدّ انتباه الطالب وجعله فاعلا في عمليّة التعلّم، فيحرّكه دافع داخلي للبحث عن المعلومة والتعمّق فيها. ولا بد من حسن اختيار النص ومراعاة مستوى الطالب القرائي من خلال لغة النص ومدى رمزيته أو نوعه وموضوعه وطوله والغاية منه. كما يجب أن تراوح هذه النصوص بين النص الأدبي والنص غير الأدبي والنص الخيالي والنص العلمي ونصوص لكتّاب محليين وعالميين. وتغطّي هذه النصوص فترات زمنيّة مختلفة، وكذلك يجب الموازنة بين النصوص المكتوبة، والرقمية، والمرئية، والمسموعة. بل صار الطالب في المراحل التعليمية المتقدمة هو من يختار النصوص ويضعها في ملفه الرّقمي ويمتحن فيها. (٣) كما يحرص المدرس على أن ينجز الطلاب مشروعا في كل وحدة ويشجعهم على القيام باستبيان أو مقابلة مع حسن استغلال وتوظيف ما توفره التقنية من موارد مختلفة كالتطبيقات والأغاني والأفلام الكرتونية ومقاطع الفيديو والمنصات والصور، والكاريكاتور، والمدونات وغيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- البعض يستخدم مفهوم الوحدة أو المحور أو المجزوءة ترجمة لكلمة Unit
٢- p 147 “Classroom instruction that works” ASCD 2001 Robert J Marzano
٣- هايدي هايز جاكوبز: منهاج القرن ٢١ ص ١٦٤ ترجمة نيفين الزاغة دار العبيكان ط١ سنة ٢٠١٢
إنّ إعداد وحدة ناجحة يشبه إعداد كعكة لذيذة الطعم ومتعدّدة المكوّنات. فالوحدة الناجحة هي التي تعقد جسورا بين الطالب وحياته الواقعية وما يحتاجه يوميا وما يعيشه من تحدّيات.
إنّ نجاح الوحدة يقاس بما تطرحه على الطالب من أسئلة متنوّعة تدفعه للبحث عن الإجابة وتشجّع فيه الفضول المعرفيّ والبحث عن المعلومة. إنّ طرح السؤال فنّ كما يقول سقراط، وهذه الأسئلة يجب أن تتنوّع إلى أسئلة حول المفاهيم، والحقائق، والحجج، واختلاف وجهات النظر لتعميق الفهم ولسبر أغوار النص.
يطرح أغلب المدرّسين أسئلة تتطلب تذكّرا للمعلومات وهذا النوع من الأسئلة ضروري في بداية الوحدة أو الدّرس، ولكن يجب أن يوازن المدرّس بين هذه الأسئلة وأسئلة تتطلب مستويات تفكير عليا كالتحليل والابتكار والتقييم والمقارنة والتركيب وهنا لا يجب أن نغفل عن هرم بلوم ولا عن روتينات التفكير المرئي لرون ريتشارد ومارك شورش. "على المدرّس أن يطرح أسئلة تشجّع جميع الطلبة على المشاركة في الصفّ" (١). إن المدرّس الذي يطرح أسئلة جوهرية سيدرّب طلابه على حلّ المشكلات بطريقة أفضل. فالطالب الرقمي اليوم يستطيع أن يجد المعلومات بسهولة ولذلك علينا أن نقيس ذكاءه بقدرته على طرح الأسئلة لحلّ مشكلات حاضره.
٣- التأمّل: الغاية من التأمّل تعميق فهم الطلاب. وفعل التأمّل يساير عملية تصميم الوحدة في جميع مفاصلها فتبدأ عملية التأّمل بمراجعة الإفادات السابقة للمدرّسين والطلاب وأولياء الأمور والتوجيه الفني. وعلى المدرّس أن يتجاوز نقاط الضعف في تصميم أيّ وحدة جديدة أو وحدة مدروسة في السنة المنقضية والنظر في الإفادات السابقة حول المخرجات والنصوص المعتمدة والأنشطة اللغوية والمصادر والتقييم بأنواعه. ويقسّم التأمّل في تطبيق أطلس روبيكان Atlas Rubicon أو تطبيق مناجباك Managebac إلى ثلاثة أقسام: قبل دراسة الوحدة، وفي أثناء دراسة الوحدة، وبعد انتهاء الوحدة.
وفي كلّ مرحلة يمكن الاستعانة بمجموعة من الأسئلة لتعميق التأمّل في عمليّة إعداد وحدة ناجحة:
أ- أسئلة قبل دراسة الوحدة:
لماذا نعتقد أنّ موضوع الوحدة ومخرجاتها ونصوصها ستكون مثيرَة لاهتمام الطلاّب؟
هل مخرجات الوحدة تعكس امتدادا وتطوّرا معرفيّا ولغويّا وفكريّا لمكتسبات الطلاّب السابقة؟
ماذا يعرف الطلاب عن موضوع الوحدة؟ وما المكتسبات التي نتوقعها منهم في نهاية دراسة الوحدة؟ ما التحدّيات التي واجهها الطلاب في هذه الوحدة من قبل؟
ما الملامح والسمات التي ستعززها هذه الوحدة في الطلّاب؟
كيف يمكن ربط هذه الوحدة بمختلف المواد الأخرى؟ وماذا يفضّل الطلاب في دراسة هذه الوحدة؟ وكيف سيكون تفاعل الطلاب في أثناء دراستها؟
ما الذي قد يكون مصدر إلهام في الوحدة للمشاركة في إنجاز مشاريع شخصية أو القيام بأعمال تطوعية؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- د. حسين محمد أبو رياش: أصول استراتيجيات التعلم والتعليم. دار الثقافة ط ٢ سنة ٢٠١٤ ص ١٥٨
هل يمكننا تطوير فرص حقيقية لتطبيق ما تعلمناه في الواقع؟
كيف يمكننا استغلال معرفة الطلاب بعدّة لغات كمصدر للتّعلم في هذه الوحدة؟
ب- أسئلة في أثناء دراسة الوحدة:
ما التحديات التي واجهها المدرسون والطلاب في أثناء دراسة الوحدة أو في أثناء إنجاز التقييم النهائي؟
ما الموارد الفعّالة المستخدمة التي أثبتت جدواها وفاعليتها في الوحدة؟ وما الموارد الأخرى التي نحتاجها؟ وما أهمّ الأسئلة التي طرحها الطلاب في أثناء دراسة الوحدة؟
ما الذي يمكننا تعديله أو تغييره في الوحدة؟
ما المهارات التي تحتاج إلى مزيد من الممارسة؟
ما مستوى مشاركة الطلاب؟
كيف يمكننا دعم تعلم للطلاب الذين يحتاجون إلى مزيد من التوجيه؟ وما الذي يحدث في الواقع الآن ويمكننا ربطه بالتدريس والتعلم في هذه الوحدة؟
ما مدى توافق خبرة المعلّمين مع أهداف الوحدة؟
كيف وفرت الوحدة فرصة للطلاب للنظر إلى موضوعها من وجهات نظر مختلفة؟
ت- أسئلة بعد دراسة الوحدة:
ما نتائج التعلم بعد دراسة هذه الوحدة؟
ما مدى نجاح مهمة التقييم النهائي في قياس مدى استيعاب الطلاب لمخرجات الوحدة؟
هل كان التقييم متدرّجا بدرجة كافية ليصل الطلاب إلى أعلى مستويات التفكير؟
ما الدليل على التعلّم الذي يمكننا قياسه؟
ما أدوات التعلّم التي يجب أن نوثّقها؟
ما استراتيجيات التّدريس الفعّالة المستخدمة؟ ولماذا؟
ما الذي كان مفاجئا؟ وما الذي لاحظناه من خلال إنجازات الطلاب؟
ماذا سنفعل بشكل مختلف في المرّة القادمة؟
كيف ستساعد هذه الوحدة للتخطيط للوحدة التالية؟
ما مدى فعالية التعلم القائم على الفروقات الفردية في هذه الوحدة؟ وما الذي يمكن للطلاب الاستفادة منه في هذه الوحدة في انتقالهم إلى المستوى الدراسة التالي؟
ما مواضيع الوحدات التي يمكننا إنجازها في الوحدات التالية؟ وماذا تعلمنا من التقييم النهائي؟
على المدرسين أن يستعينوا بهذه الأسئلة أو غيرها لتكون عملية التأمل مستمرة وناجعة، لتطوير تصميم الوحدات المدروسة من سنة إلى أخرى. وليس من الضروري الوقوف على كل الأسئلة، بل يكتفي المدرسون بالأسئلة المناسبة للوحدة مع مراعاة اختلاف المستوى والمرحلة الدراسية.
٤- السقالة: من شروط نجاح الوحدة، تدرّج المدرّس بمهارات طلابه إلى أن يترسّخ فهمهم لمخرجات الوحدة. هذا ما نسمّيه بالسقالة. فإذا كانت غاية المدرّس أن يحلّل طلابه قصيدة في نهاية الوحدة، فعليه أن يتدرج بهم ابتداء بكتابة المقدمة وانتهاء بالخاتمة، بالإضافة إلى توفير نماذج قصائد تم تحليلها شكلا ومضمونا. إن عملية السقالة تتطلب جهدا وصبرا وتقييما تكوينيا في مختلف مراحلها لقياس قدرات الطلاب واستراتيجيات المدرّس. ويجب أن تكون كل إفادة مكتوبة أو شفويّة أو مسجّلة على التطبيقات أو المنصات التعليمية الحديثة دقيقة وشخصية ومصحوبة بأمثلة واضحة ونزيهة بعد كل مهمة يقوم بها الطالب أو تقييم، وهي ضرورية لتطوير فهم الطالب وتعزيز قدراته وثقته في نفسه.
ويشيد "مارزانو" باستراتيجية التقييم الذاتي للطلاب، لتحديد المهارات التي اكتسبوها في الوحدة وما يمكن أن يطوّروه في سلوكهم وتعلّمهم في الوحدة الموالية. (١)
٥- التمايز: من أهمّ شروط الوحدة الناجحة أن يراعي المدرّس الفروقات الفرديّة بين طلّابه. إنّ قاعدة بيانات الطلّاب ومستواهم في مختلف المعايير اللّغوية تمكّن المدرّس من تصنيف طلابه إلى مستويات مختلفة، وإلى مجموعات لمراعاة الفروق بينهم في المحتوى والعمليّة والمنتج
والبيئة (٢).
٦- التعليم المتجاوز للمواد الدراسية: والغاية منه كما بيّن عالم الفيزياء نيكولسكو هو "فهم العالم الحاضر، الذي لا يُمكن أن يتحقّق في إطار البحث في المواد الدراسيّة كل مادّة منفصلة عن بقيّة المواد."
كما وضّح الفرق بين مفهوم تداخل التخصّصات Interdisciplinarity ومفهوم تعدّد الفروع المعرفيّة Multidisciplinarity ومفهوم تجاوز المواد الدّراسيّة Transdisciplinarity
ونعني بتعدّد التخصصات ربط المعرفة ونقلها من مجال معرفي إلى آخر مما ينتج عنه أحيانا مجالا معرفيا جديدا فربط الطب بالكيمياء أنتج العلاج الكيميائي. وإذا درس الطالب نفس الموضوع في مواد دراسية مختلفة، فذاك ما يعني به "نيكولسكو" مفهوم تعدّد الفروع المعرفية، على خلاف مفهوم تجاوز المواد الدراسية الذي يسعى لتوحيد المعرفة لفهم العالم الحاضر وفيه نتعدّى المواد الدراسية ولا يمكن بسهولة التمييز بينها.
تقول عالمة المستقبليات جينيفر م غيدلي في كتابها المستقبل: "عالم اليوم معقّد ولا يمكن الاعتماد عليه، ومن المتوقّع أن يتفاقم ذلك غدا.(٣) وبالفعل يتسم عالمنا بالإفراط في الزمان والمكان والاستهلاك والسرعة والتقنية ولذلك يجب أن نعيد ضبط إعدادات ومقاييس مناهجنا ووحداتنا، ولئن كان تعريف المنهاج في اللغة اللاتينية "طريقا للجري بخطوات قصيرة" فإننا اليوم ملزمون بالجري السريع لربط مناهجنا بالتنمية المستدامة لملاحقة التقنية وحلّ مشكلات البيئة والصحّة وتوفير فرص تعلّم وفهم لجميع الطلاب باختلاف فروقاتهم الفردية، وتناول قضايا العصر الواقعية برؤية نقدية وتفكير إبداعي خصب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- p 149 “Classroom instruction that works” ASCD 2001 Robert J Marzano
٢- د. ريتشارد .م. كاش تطوير التعليم المتمايز ترجمة د. أماني خلف الغامدي و أ. حمد الله عبد الكريم الحسبان جامعة الدمام ط ١سنة ٢٠١٥
٣- جينيفر م غيدلي المستقبل مقدمة وجيزة ص ١٤ ترجمة رندة بعث هيئة البحرين للثقافة والآثار