الحدث الفلسطيني
عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش مسودة تقرير بعنوان: "النزاهة والحيادية والاستقلالية في أعمال المحكمة الدستورية العليا وقراراتها"، عَمَدَ إلى مسح مجموعة من قرارات المحكمة ذات الأهمية كعينة، وتحليل مدى فاعلية واستقلالية المحكمة وقضاتها، وذلك بمشاركة من مؤسسات قانونية وحقوقية، ومحامين وإعلاميين وجهات مهتمة بالشأن القضائي.
افتتحت الورشة هامة زيدان، مديرة العمليات في ائتلاف أمان، مؤكدة أن اهتمام ائتلاف أمان ينبع من أهمية المحكمة الدستورية باعتبارها ضمانة حقيقية لحماية الدستور وسيادة القانون وضمان الفصل بين السلطات، إضافة لكونها تملك الكلمة الفصل في أي من النزاعات التي تتعلق بالدستور (القانون الأساسي)، سواء كان عن طريق الطعون التي تقدم للمحكمة، أو عن طريق دورها التفسيري لنصوص القانون الأساسي، خاصة في ظل غياب السلطة التشريعية (المجلس التشريعي)، لاسيما وأن دورها جوهري في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة الصادرة، في ظل إصدار تشريعات عادية دوماً من خلال السلطة الاستثنائية للرئيس عن طريق "القرار بقانون"، إضافة الى إصدار الأنظمة من قبل الحكومة (مجلس الوزراء).
تدخل الرئاسة في عملية التعيينات وعزل القضاة يضعف من استقلالية المحكمة الدستورية العليا
وأكد المشاركون على ما جاء في التقرير من حيث ضعف استقلالية المحكمة، من خلال التحكم بعملية تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية العليا، والذي يكون بقرار في التعيين الأول من رئيس السلطة، ولاحقاً بقرار من رئيس الدولة بناءً على تنسيب الجمعية العامة للمحكمة، ما يتيح المجال للسلطة التنفيذية في التدخل، خاصة أن سلطة البت النهائي في التعيين تكون بيد الرئيس. وفيما يخص قضية عزل القضاة، فقد نص التعديل على قانون المحكمة الدستورية، على إمكانية عزلهم في الأحوال التي يقررها القانون، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه في التأثير على استقلالية قضاة المحكمة الدستورية، وبالتالي التأثير على قراراتهم وأحكامهم. هذا بالاضافة الى أن التحكم الكامل بعملية التعيين والعزل يعكس تجاوزاً لمبدأ الفصل بين السلطات.
وأوصى المشاركون بضرورة تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا، لاسيما فيما يخص آلية تعيين رئيس وأعضاء المحكمة، بما يشمل مشاركة السلطات الثلاثة، حفاظاً على حيادية واستقلالية المحكمة وقضاتها، ووضع معايير ترتبط بالكفاءة والجدارة وتضمن جهوزية واستعداد وخبرة القاضي للنظر في الدعاوى الدستورية وعدم الاكتفاء بتحديد شروط وفئات التعيين. هذا بالاضافة الى ضرورة تبني نظام مالي وإداري خاص يعتمد وفق الأصول، ومسـاءلة السـلطة القضائيـة عـن مـدى احترامهـا له، بما يحقــق التكامــل بــن مفهــوم الاستقلالية والرقابــة، مع إعادة تنظيم المحكمة الدستورية العليا بصورة تبعدها عن التبعية للسلطة التنفيذية، ويجعل منها شخصية اعتبارية مستقلة. بالاضافة الى وضع مدونة سلوك لقضاة المحكمة الدستورية العليا، ونشرها وفقاً للأصول. إضافة الى تبني نظام رقابة داخلية على عمل المحكمة الدستورية العليا، يضمن السير في الإجراءات وفقاً للقانون، ويكفل للأطراف إمكانية التقدم بشكوى ضد أحد القضاة، إذا ما ثبت بالأدلة تعرضه لضغط خارجي أثناء النظر في الدعوى. ناهيك عن التعديل على قانون المحكمة الدستورية العليا، بتخصيص مواد متعلقة بآلية ومعايير تعيين قضاة المحكمة.
وأكد المشاركون على ما جاء في التقرير من أهمية تعزيـز الشـفافية في عمـل المحكمة الدستورية العليا، من حيث التزام المحكمة بنشـر تقريرها السنوي في وقت محدد لذلك، مـع إيـراد معلومـات إضافيـة عـن عمـل المحكمة، مما يضمن معه المواطن الحصول على المعلومات الكافية بعمل المحكمة، والشعور بالثقة بوجود قضاء دستوري مستقل ونزيه.
التفسير حول ولاية المجلس التشريعي يبين عدم وجود استقرار في المبادئ القانونية للمحكمة
وناقش التقرير فعالية حيادية قرارات المحكمة الدستورية وتأثيرها على النزاهة السياسية، إذ أثارت بعض قرارات المحكمة جدلاً قانونياً واسعاً، لاسيما القرارين التفسيريين بخصوص ولاية المجلس التشريعي، وأجمع المشاركون في الجلسة أن هناك بعض القرارات التي غيرت مسار عمل المحكمة الدستورية العليا، كمناقشتهم قرار حل المجلس التشريعي، وكيف تعاملت المحكمة مع مبدأ المشروعية الذي تراجعت عنه بنفس الطريقة، الأمر الذي عكس استخدام المحكمة في قضايا فئوية ضيقة لإحكام السلطة التنفيذية قبضتها على مؤسسات الدولة بغية اختطافها، ما يثير التساؤلات فيما يخص حيادية المحكمة، واستقلاليتها، وتأثرها بالظروف المحيطة بكل قرار وبشكل خاص تأثيرات السلطة التنفيذية.
كما رأى البعض أن المحكمة وفي قراراتها التفسيرية بالتحديد قد تجاوزت سلطتها في التفسير، وامتدت إلى تقرير مراكز قانونية أو الغاءها، كقرار حل المجلس التشريعي، ورفع الحصانة البرلمانية، وقضية منصب نائب رئيس المحكمة العليا، الأمر الذي لا يتفق مع ما هو مستقر في قضاء المحكمة. وقد ولّد إخضاع القضايا لأكثر من تفسير شعورا عاما بضعف الثقة بقضاء المحكمة، نتج عنه عزوفاً من قبل المحامين في تولي رفع قضايا أمام المحكمة الدستورية والتي من المفترض أن تقوم بدور فعال في النظام القانوني خاصة مع غياب السلطة التشريعية.
كما تم الإشارة الى أن السلطة السياسية عمدت الى ضمان عدم الوقوف في وجه قراراتها أو منعها عن طريق التحكم بالتعيينات والعزل والإقالة، وممارسة السلطة التنفيذية النفوذ لتفسير بعض القضايا لخدمة السلطة السياسية، مع عدم وجود إرادة وإضعاف مجال الرقابة على فاعلية المحكمة. هذا بالاضافة إلى الإشارة الى أن هناك بعض القرارات التي صدرت تتناقض مع بعضها البعض، ومنها ما يتعلق بالقرار الخاص تثبيت القرار بقانون الخاص القاضي بمنع الأطباء من الاضراب؛ أي وضع قيود على حق دستوري في القانون الأساسي، في حين تعمقت في حرية التنقل وأقرت منع وضع أي قيود على هذا الحق الدستوري، إذ أصبحت المحكمة أحد الأدوات لاختطاف الدولة باتجاه واحد.