الحدث- رام لله
باتت ظاهرة الزواج الجماعي في فلسطين مشهداً معهوداً منذ سنوات، وتقبلها المجتمع للظروف المعيشية الصعبة، ولأن هذه الظاهرة أصبحت انفراجة لكثير من الشابات والشباب المنتظر لبداية عمره المشترك مع قرينه، دخلت اليد القادرة لتمد له العون وتسنده.
ومع الخصومات السياسية التي يعج بها الداخل الفلسطيني وتتمركز في جبهات محدودة، أصبحت كل جهة تتسابق إلى الشباب لتظهر نفسها أنها الأقوى والأجدر على صياغة ملامح المستقبل للأجيال.
من الرئيس محمود عباس الذي شكل هيئة مستقلة للزيجات إلى النائب والقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان الذي دخل هذا المضمار عبر دولة شقيقة أبدت رغبتها أن تساعد الشعب الفلسطيني، إلى حماس التي وجدت في الزيجات الجماعية "تمكينا يؤصل لها في الواقع ويثبت حكمها في قطاع غزة".
فبالأمس القريب (الإثنين)، كان 462 عريسا وعروسا من مختلف مناطق الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ومن هم من ذوي الحالات الاجتماعية الصعبة، وأبناء شهداء وأسرى على موعد مع ليلة زفاف جماعية، وبتمويل من مؤسسة الرئاسة التي قدمت 2500 دولار أمريكي لكل زوجين، فضلاً عن تقديم بدلة للعريس، وثوباً للعروس، ناهيك عن تكاليف ترتيبات الليلة.
ليلة الزفاف التي لم تكن هي الأولى من نوعها، إذ سبق وأن رعتها الرئاسة بأكثر من هذه الهدية المالية، في وقت سابق في كل من الضفة وقطاع غزة، حضرها الرئيس عباس الذي هنأ الأزواج الجدد، آملاً أن يُرزق منهم في الـ20 من يناير/كانون ثاني المقبل 231 مولوداً أو أكثر.
عباس وكما قال في كلمة له خلال ليلة الزفاف التي أُقيمت في أحد الفنادق الكبرى بمدينة أريحا، شرقي الضفة، أراد للشعب الفلسطيني من وراء هذا الزاواج وما يأتي به من مواليد بالمئات أن "يكثر ليزرع وينتصر على أرضه".
الرئيس الفلسطيني وعد بحضور أهالي المتزوجين، والمدعوين من مواطنين، وأعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وآخرين من فتح، ومحافظين، ونواب برلمانيين، وعد بأن يضاعف عدد "العرسان" إن أنجب المتزوجون الجدد 231 أو أكثر.
الشطر الآخر من الوطن، حيث قطاع غزة المنقسم على ساسته، كان هو الآخر في الـ11 من الشهر الجاري، على موعدٍ مع ليلة زفاف لـ400 شاب وفتاة، ولكن ليست بليلة رئاسية.
عرس غزة الذي تهادى على ضفاف منتجع "الشاليهات" المطل على البحر المتوسط، غربي مدينة غزة، نظمه المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فتا" الذي ترأسه جليلة دحلان، حرم محمد دحلان، القيادي المفصول من فتح والذي يوصف في الشارع الفلسطيني ب"الخصم السياسي" لعباس، نتيجة للخلاف بين الرجلين والذي أخذ بينهما أبعاداً ميدانية وإعلامية وتحول في كثير من المرات إلى صراع على الأرض بين أنصارهما.
ليلة الشاليهات، جاءت بتمويل من قبل دولة الإمارات عبر مؤسسة "خليفة بن زايد للشؤون الإنسانية"، بحسب بيان صادر عن المركز، تلقت وكالةالأناضول نسخة منه في وقت سابق.
الزفاف هذا، وكما قال المركز في بيانه "استهدف جرحى الحرب الإسرائيلية الأخيرة (شهري تموز/يوليو-أغسطي/آب الماضيين)، وذوي الشهداء، والأسرى، والعائلات الفقيرة"، وزاد على ذلك بأنه "رسالة محبة وسلام".
وعلى الرغم من رسالة حماس هذه وغيرها من وراء هذه الزيجات الجماعية، إلا أن مراقبين يرون أن الحركة تجد في مثل هذه المناسبات "تمكين يؤصل لها في الواقع ويثبت حكمها في قطاع غزة، وذلك عبر مساعدة شباب لا يقدر على أعباء الحياة المحاصرة في القطاع".
وإن علت الزغاريد في كل من أريحا، غزة، وإن رقص المدعوون على أنغام الدلعونا، ويا ظريفة الطول (غناء من التراث الفلسطيني)، وإن قُدمت للعرسان هدايا الدولارات الأمريكية، وإن أُدخلت البهجة والسرور على الكثير من العائلات، يبقى الشارع الفلسطيني وخاصة الـ"فيسبوكي" منه يعج بالتساؤلات حول هذه الأعراس.
التساؤلات تمحورت حول المغزى من السباق وراء هذه الأعراس الجماعية، والثمن السياسي المُنتظر من ورائها.
وإن كانت الإجابة على بعض تلك التساؤلات تحمل روحاً من الدعابة، إلا أن هذا الأسلوب هو واقع يعيشه الفلسطينيون وخاصة في قطاع غزة المختصم قادته، فهذا أحمد الزق يعلق على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلاً: "دحلان وعباس وحماس يتنافسون على بطون الأمهات لولادة جيل مناصر لكل منهم".
وذاك محمد إبراهيم يكتب على الموقع الاجتماعي ذاته: "غزة وأريحا.. مواقع لاستعراض القوى".
وهذه رانيا أحمد تقول: "فلسطين باتت رحماً لأجنة دحلان وعباس وحماس".