الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مائة عام على صك الانتداب البريطاني.. من المسؤول عن استمرار الجريمة/ بقلم: عصام بكر

2022-07-26 10:15:42 AM
مائة عام على صك الانتداب البريطاني.. من المسؤول عن استمرار الجريمة/ بقلم: عصام بكر
عصام بكر

في الرابع والعشرين من يوليو 1922 تمت المصادقة على ما بات يعرف بصك الانتداب البريطاني على فلسطين ويشمل شرق الأردن أيضا، بعد أن وضع الأساس له العام 1921 ودخل حيز التنفيذ في أيلول من العام 1922. يحتوى الصك على 28 مادة في نصوصه التي تستند لوعد بلفور المشؤوم الصادر في 2 تشرين ثاني العام 1917 وما تلاها من محطات شكلت بما نجم عنها من آثار مجمل المآسي التي لحقت بالشعب العربي الفلسطيني من ظلم تاريخي يتواصل حتى يومنا هذا.

الجلسة الخاصة أو الاستثنائية التي عقدها المجلس الوطني الفلسطيني لهذه المناسبة تحمل عدة رسائل ومحاور ذات أهمية تنسجم مع خصوصية المسالة المخصصة للنقاش، جرى خلال الكلمات العديدة التطرق لزوايا مختلفة من بينها كلمات الأخ الرئيس، ورئيس وأعضاء المجلس، حيث عقدت هذه الجلسة على عدة حلقات الأولى في رام الله وجاهيا، والثانية في غزة، والثالثة في عمان والرابعة في دول الشتات والمنافي بالتزامن بسبب التعقيدات التي تحول دون عقد جلسة عادية بتوفر النصاب بسبب إجراءات الاحتلال وما تفرضه من صعوبة التنقل والحركة، ومن أهم ما حملته الجلسة غير العادية لموضوع غير عادي من رسائل وما ينبغي لنا أن نستقي منها العبر هي أنه بالرغم من مرور مائة عام على الصك الظالم ومن مقارعة الحركة الصهيونية أيضا لم تتزحزح قناعة ووعي الشعب الفلسطيني وإيمانه بقضيته وحقوقه رغم كل محاولات تطويع العقل وما لحق به إلا أنه بقي متمسكا بهذه الحقوق غير القابلة للتصرف التي لا تسقط بالتقادم على الرغم أيضا من كل المحاولات التي جرت في سبيل كي الوعي وترويض إرادة الشعب، وأن يتم إحياء هذه المناسبة هذا برأيي دليل قاطع أن شعب فلسطين لم تنسيه سنوات النكبة وما تلاها حقه الراسخ في وطنه. 

الرسالة الأخرى في هذا السياق والتي حظيت وقوبلت بإجماع كبير هي أن المجلس الوطني بوصفه أعلى هيئة تمثيلية للشعب الفلسطيني باق ولم يذوب أو يتم تحويل صلاحيته للمجلس المركزي، وأنه صاحب الحق الأصيل بموجب النظام الأساسي لمنظمة التحرير في صياغة الرؤية، وإقرار السياسات والقرارات التي تتناسب مع كل مرحلة من مراحل كفاحه الوطني المشروع وفي ذات السياق ومن منطلق ما يملك المجلس الوطني جرى التأكيد على مسؤولية المملكة المتحدة، وإمكانية مقاضاتها دوليا، ومتابعة العمل بشتى الوسائل المتاحة لملاحقة كل الذين تسببوا في الأذى سواء دول أو مؤسسات أم أفراد فبريطانيا بوصفها المسؤولة عن إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين هي ذاتها التي عليها تصحيح ما قامت به من جريمة تمثلت في محاولة إلغاء شعب كامل وإنهاء وجوده من التاريخ وهي مسؤولية الأمم المتحدة أيضا التي ورثت عصبة الأمم المتحدة بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وأصبحت القوى الاستعمارية تتمتع بالقوة التي تمكنها من السيطرة بطرق مختلفة جديدة على الشعوب الأخرى فعملت على تثبيت وجود قوة متقدمة لها في المنطقة العربية على حساب شعوبها من أجل نهب خيراتها وبقيت المؤسسة الدولية حديثة النشأة رهينة السيطرة التي تفرضها الدول الكبرى لا سيما الإمبريالية العالمية. 

الكلمات التي أسمعت من على منصة المجلس الوطني تناولت مواد الصك المشؤوم التي حملت بمضمونها توطين إقامة الكيان بعد طرد المواطنين الأصليين من وطنهم قسريا وتطهيرهم عرقيا في إحدى أكثر جرائم التاريخ بشاعة وتقززا النقاش انصب بمجلمه من خلال المداخلات حول نقطة واحدة وهي من المسوؤل عن استمرار هذه الجريمة؟ لكنها بطبيعة الحال لم تخلُ من الحديث عن عناوين أخرى هامة أيضا من بينها إنهاء الانقسام الداخلي واستعادة الوحدة وترتيب البيت الداخلي إضافة للأوضاع الداخلية والمستجدات السياسية بعد زيارة الرئيس بايدن للمنطقة، والتأكيد على استنكار جريمة الاحتلال في نابلس، ولكن بالعودة للموضوع الأساس أعتقد أن أهمية إحياء إعلان صك الانتداب تستوجب الوصول لمخرجات محددة متفق عليها غير قابلة للمواربة ولا تحمل أكثر من تفسير ولا شكليات من أجل العمل عليها بصيغة تحرك جماعي تقوده مؤسسات منظمة التحرير الذي تاتي جلسة المجلس الوطني مدخلا لإعادة تفعليها بما فيها دوائر ولجان المجلس الوطني والمركزي وصولا للجنة التنفيذية والمطلب الملح بالتحضير لعقد جلسة عادية للمجلس المركزي في غضون الأسابيع القليلة القادمة لوضع قراراته بسحب الاعتراف بدولة الاحتلال وإنهاء جميع أشكال العلاقة معها موضع التطبيق وهو يمثل حجر الزاوية لأي تحرك مقنع للشارع المحلي لمعالجة الخلل الحاصل منذ تعليق تنفيذ هذه القرارات لأسباب مختلفة كان آخرها انتظار ما ستسفر عنه زيارة بايدن الذي حمل معه مشاريع لا تقل خطورة عن سلفه ترامب ضمن شراكة راسخة مع دولة الاحتلال والحفاظ على أمنها.

أما الرسالة الأخرى لاجتماع المجلس في جلسته الخاصة فهي أهمية العمل على تفعيل أدوات الضغط والمناصرة والحشد الدولية وتحديدا داخل بريطانيا نفسها في حملة متواصلة ليست هبات متقطعة هنا وهناك أو عمل جزئي بل بمنهجية واضحة وخطة عمل متكاملة بعناصرها وأهدافها ومخاطبة أوساط مختلفة من شرائح الشعب البريطاني وناخبيه من مؤسسات وأعضاء برلمان ونشطاء وصناع قرار والجاليات العربية والفلسطينية للشروع الفوري بها تكون منظمة واسعة النطاق تعطي معطيات، وتتناول ما لحق من ماس وويلات جراء الدور البريطاني على امتداد مئة عام وإنشاء كيان الاحتلال على أرض فلسطين، أما المسألة الأخرى باعتقادي فهي العمل على صيغة محددة تتولى اللجنتين السياسية والقانونية في المجلس الوطني إعدادها ويتشكل منها فريق قانوني من خبراء القانون الدولي والمختصين لفحص إمكانية رفع دعاوى قضائية داخل بريطانيا أو خارجها لانتزاع الاعتراف منها بمسؤوليتها التاريخية والسياسية والقانونية والأخلاقية عن الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني وبالتالي العمل على إزالته بالطرق الممكنة وجبر الضرر عنه وتعويضه عن الخسائر التي لحقت به عبر آليات واضحة برعاية الأمم المتحدة، أما المسألة قبل الأخيرة فتتعلق بالعمل على تنظيم حملات إعلامية واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأشكال الإعلام الأخرى من خلال سفارة دولة فلسطين بهدف الوصول لاعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية كجزء من الاعتذار للشعب الفلسطيني والاستفادة من طرائق عمل حركة المقاطعة في إطار حملة واسعة هدفها الضغط على حكومات الاتحاد الأوروبي لوقف العمل باتفاقيات التبادل التجاري مع دولة الاحتلال المشروطة أصلا باحترام دولة الاحتلال للقانون الدولي وهي بالتأكيد لا تحتاج لدليل أنها لا تحترمها بل هي تخرق بشكل فظ أبسط قواعد القانون الدولي والتركيز على الاتفاقيات العسكرية وبيع الأسلحة وصولا لفرض المقاطعة الشاملة على غرار مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حتى تمتثل دولة الاحتلال وتنصاع للقوانين وقرارات الشرعية الدولية ومن الأمثلة على نجاح هذه الحملات قيام مجموعات من نشطاء الحملات المؤيدة للقضية الفلسطينية بمحاصرة أحد المصانع البريطانية المتورطة في بيع الأسلحة لإسرائيل إضافة للتوقيع على عشرات العرائض المناوئة للاحتلال وإعلان مجالس الطلبة والجامعات وأكاديميين وفنانين ومؤسسات ثقافية عن انضمامها لحملات المقاطعة لدولة الفصل العنصري التي أشارت العديد من التقارير الأممية لوجوده واقعا في فلسطين المحتلة وهي النقطة الأخيرة في هذا الإطار وكلها تمثل نقاط ارتكاز هامة لأي تحرك سياسي وتسير بموازاته باعتبارها إحدى أدوات الدبلوماسية الشعبية تمهد الطريق إذا ما أحسن استخدامها من أجل تعزيز التحرك السياسي الهادف لإسقاط الصك والوعد ورفع الظلم التاريخي عبر العمل التدريجي طويل الأمد وبمجهود نوعي متناغم ومنسجم بأفق محدد.

هذه الجلسة تمثل بالحضور والتوقيت السياسي والعنوان فرصة لإعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده وإعادة الاعتبار أيضا للأداء الذاتي وتطويره دون رهان على الآخرين ودون إغفال الترابط العضوي للنضال الوطني للاستفادة من المناخ الدولي الآخذ بالتشكل في عالم ما بعد القطب الواحد فنحن بحاجة للتأكيد من جديد أننا نعيش مرحلة تحرر وطني بكل ما تتطلب هذه المرحلة من سعي عبر وسائل الكفاح المتعددة من أجل إنهاء الاحتلال وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني في مقدمتها حقه في العودة وفق القرار الأممي 194 وتقرير المصير والاستقلال الوطني بما يشمل بكل الوضوح الداخل المحتل، والضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة، والشتات هذه الساحات التي يتواجد فيها الشعب الفلسطيني، وإن اختلفت خصوصية كل ساحة منها إلا أنها هي من يقرر اتجاهات العمل ولا يمكن الوصول لأي صيغة حل لاحداها على حساب الساحات الأخرى، بعد 100 عام من صك الانتداب القول الفصل إن الهزائم ليست قدرا، وكلمة السر هي بمواصلة وتطوير كفاح الشعب الفلسطيني حتى الوصول لأهدافه الوطنية التي لا تقبل التجزئة أو  يمكن إسقاطها أو التنازل عنها.