الحدث العربي والدولي
عاد فيكتور بوت، أحد تجار الأسلحة الأكثر شهرة في العالم، إلى صدارة الأخبار، وهذه المرة كجزء من عرض لتبادل الأسرى المحتمل مقابل نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني غراينر والجندي الأمريكي السابق بول ويلان المتهم بالتجسس في روسيا.
وأشارت التقارير إلى أن موسكو مهتمة بمبادلة نجمة كرة السلة بريتني غرينر، بفيكتور بوت، المدان في أمريكا بتهريب أسلحة روسية.
لكن بحسب شبكة سي إن إن الأمريكية، تأمل الولايات المتحدة في مقايضة بوت باللاعبة غراينر ومواطنها المعتقل في روسيا بول ويلان.
وتُحتجز اللاعبة الأمريكية، البالغة من العمر 31 عاما، منذ فبراير/ شباط الماضي في روسيا بعد أن عثر مسؤولو مطار موسكو على زيت القنب في حقائبها أثناء عودتها إلى الولايات المتحدة بعد اللعب في روسيا بينما ويلان مسجون في روسيا منذ عام 2020 بتهمة التجسس.
وتشير التقارير في وسائل الإعلام الأمريكية إلى أن موسكو قد تكون مهتمة الآن بعملية التبادل.
ويُعد بوت، ضابط القوات الجوية السوفيتية السابق، سيئ السمعة لدرجة أنه ألهم هوليوود إنتاج فيلم عنه، كما منحته تلك السمعة لقبا مخيفا هو "تاجر الموت".
وكان قد جرى تسليم بوت من تايلاند إلى الولايات المتحدة في عام 2010 بعد عملية قامت بها وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية ( دي إي إيه) قبل ذلك بعامين.
فقد تظاهر عملاء من إدارة مكافحة المخدرات بأنهم ممثلون عن القوات المسلحة الثورية في كولومبيا، المعروفة باسم فارك، وهي تلك الجماعة التي تم حلها منذ ذلك الحين وصنفتها الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية.
وتسببت قضيته في نزاع دبلوماسي آنذاك بين موسكو وواشنطن.
ويعتقد أن فيكتور بوت تخرج من معهد موسكو للدراسات العسكرية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وكان برتبة رائد في المخابرات السوفيتية الكي جي بي.
كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير عام 2005 إن بوت "أبرز رجل أعمال أجنبي يخرق حظر بيع الأسلحة عبر نقل اسلحة من دول كبلغاريا وسلوفاكيا وأوكرانيا".
وزعم بوت أنه ببساطة رجل أعمال لديه شركة نقل دولية مشروعة، واتهم خطأ بمحاولة تسليح المتمردين في أمريكا الجنوبية، ضحايا المكائد السياسية الأمريكية.
لكن هيئة المحلفين في نيويورك لم تُصدق قصته.
وبدأ بوت، وهو مواطن روسي ولد في طاجيكستان عندما كانت خاضعة للحكم السوفيتي، حياته المهنية في النقل الجوي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
ويقول كتاب صدر في عام 2007 بعنوان " تاجر الموت"، لخبيري الأمن دوغلاس فرح وستيفن براون، إن بوت وضع أساس أعماله باستخدام الطائرات العسكرية التي تركت في مطارات الإمبراطورية السوفيتية المنهارة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
الماس والسلاح والمسلحين
كانت طائرات الأنتونوف والإليوشين القوية معروضة للبيع مع أطقمها، وكانت مثالية لتسليم البضائع في مهابط الطائرات الوعرة في جميع أنحاء العالم.
ويقال إن بوت، الذي كان يبلغ من العمر 45 عاما عندما صدر الحكم ضده، بدأ في شحن الأسلحة عبر سلسلة من الشركات الواجهة إلى المناطق التي مزقتها الحروب في أفريقيا.
وقد اعتبرته الأمم المتحدة مساعدا للرئيس الليبيري السابق تشارلز تيلور الذي أُدين في عام 2012 بتهم المساعدة والتحريض على جرائم الحرب خلال الحرب الأهلية في سيراليون.
وجاء في وثائق الأمم المتحدة أن "بوت رجل أعمال وتاجر وناقل للأسلحة والمعادن دعم نظام الرئيس السابق تيلور في محاولة لزعزعة استقرار سيراليون والحصول على الماس بطريقة غير مشروعة".
وزعمت تقارير إعلامية في الشرق الأوسط أنه كان مورد أسلحة للقاعدة وطالبان.
كما يُزعم أنه قام بتسليح الجانبين في الحرب الأهلية في أنغولا وقدم أسلحة لأمراء الحرب والحكومات من جمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى السودان وليبيا.
الهروب
نفى بوت، في مقابلة مع القناة الرابعة البريطانية في عام 2009، بشكل قاطع التعامل مع القاعدة أو طالبان. لكنه اعترف بإرسال أسلحة إلى أفغانستان في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، قائلا إن القادة الذين يقاتلون ضد حركة طالبان استخدموا تلك الأسلحة.
كما زعم أنه ساعد الحكومة الفرنسية في نقل البضائع إلى رواندا بعد الإبادة الجماعية، ونقل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
لكن وكالات إنفاذ القانون لاحقته طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد غادر منزله في بلجيكا عام 2002 عندما أصدرت السلطات هناك مذكرة توقيف بحقه.
ويُعتقد أن بوت سافر تحت عدة أسماء مستعارة، وانتقل عبر بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة وجنوب أفريقيا قبل ظهوره في روسيا عام 2003.
وفي نفس العام، أطلق عليه بيتر هين، وزير الخارجية البريطاني آنذاك لقب "تاجر الموت".
فبعد قراءة تقرير عام 2003 عنه، قال هين: "بوت هو تاجر الموت الرئيسي الذي يوفر الطائرات وطرق الإمداد التي تنقل السلاح من أوروبا الشرقية وبصورة أساسية من بلغاريا ومولدوفا وأوكرانيا إلى ليبيريا وأنغولا، ولقد كشفت الأمم المتحدة أن بوت يمثل مركز شبكة عنكبوتية من تجار الأسلحة المشبوهين وسماسرة الماس وغيرهم من الذين يدعمون الحروب".
"دروس التانغو"
اتخذت الولايات المتحدة إجراءات ضد بوت طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث جمدت أصوله في عام 2006، لكن لم يكن هناك قانون يُمكن مقاضاته بمقتضاه في الولايات المتحدة.
وبدلا من ذلك، انتظر عملاء الولايات المتحدة حتى عام 2008 عندما تظاهروا بأنهم يمثلون متمردي فارك الكولومبيين، وكان قد تم تقديمهم لبوت من خلال أحد شركائه السابقين.
وبعد وقت قصير من المناقشة بين بوت والضباط السريين الذين زعموا أنهم يشترون أسلحة لفارك، اعتقلته السلطات التايلاندية وبدأت إجراءات قانونية مطولة لتسليمه إلى الولايات المتحدة.
وقال بوت إن القضية الأمريكية المرفوعة ضده لها دوافع سياسية. ونُقل عن زوجته آلا بوت قولها إن علاقته الوحيدة بكولومبيا كانت "دروس التانغو".
دعم السلطات الروسية
اتهم الادعاء بوت بتقديم تعهد بتوصيل 100 صاروخ أرض جو و20 ألف بندقية و10 ملايين طلقة من الذخيرة إلى مسلحين في كولومبيا عام 2008.
وقال برندان ماكغوير مساعد المدعي العام حينئذ: "هذا الرجل، فكتور بوت، وافق على توفير كل ذلك إلى منظمة إرهابية أجنبية كان يعتقد أنها ستقتل أمريكيين".
واستمعت المحكمة إلى الإدعاء وهو يروي كيف تم القبض على بوت في عملية سرية قامت بها الإدارة الأمريكية لمكافحة المخدرات، وادعى فيها اثنان من مخبريها أنهما يريدان شراء أسلحة لصالح "القوات الثورية المسلحة" (فارك) في كولومبيا.
ووفقا للادعاء فإن بوت قال للمخبرين "عدونا واحد".
إلا أن محامي الدفاع ألبرت ديان رد بأن "فيكتور لم يدخل ذلك الاجتماع قائلا هيا، أريد أن أقتل أمريكيين".
وجادل الدفاع بأن موكله لم يتفق مع المخبرين إلا على بيع طائرتي نقل بمبلغ 5 ملايين دولار بعد أن انهارت شركة الشحن التي كان يملكها.
وكان بوت قد نفى التهم الموجهة إليه ورفض التعاون مع القضاء الامريكي مقابل تخفيض عقوبته. وقال بوت في حوار صحفي من سجنه بنيويورك إن القضاء عرض عليه تخفيض مدة سجنه إذا قدم لائحة بمن يتعامل معهم في روسيا وبلدان اخرى.
وقال بوت لوكالة ريا نوفوستي الروسية إن واشنطن شنت حملة منظمة لتشويه سمعته، مشيرا إلى أنه لم يتوقع العدل في الولايات المتحدة.
ودعمته السلطات الروسية طوال الإجراءات القانونية، حيث تعهد وزير الخارجية سيرغي لافروف بأن "يقاتل" من أجل ضمان عودته إلى روسيا، ووصف قرار المحكمة التايلاندية في عام 2010 بتسليمه للولايات المتحدة بأنه "غير عادل وسياسي".
وقالت وزارة الخارجية الروسيةفي بيان بهذا الشأن حينئذ: "لاشك ان تسليم بوت غير القانوني هو نتيجة ضغط سياسي غير مسبوق مارسته واشنطن على الحكومة والقضاء في تايلاند".
وأضافت الخارجية الروسية آنذاك "ما حدث افتقر إلى أدنى تفسير منطقي وقانوني" معربة عن أسفها لقيام السلطات التايلاندية "بالانصياع للضغوط السياسية الأجنبية".
وقد حُكم عليه بالسجن 25 عاما في أبريل/نيسان من عام 2012 بعد إدانته بالتآمر لقتل مواطنين ومسؤولين أمريكيين وتسليم صواريخ مضادة للطائرات ومساعدة منظمة إرهابية.
وقد ألهمت شخصية فيكتور بوت فيلم "أمير الحرب" الشهير الذي قام بدور البطولة فيه نيكولاس كيج في عام 2005. وفي نهاية الفيلم يهرب بطله.
لكن هذه النهاية استعصت على بوت الذي ظل في السجن في الولايات المتحدة منذ إدانته في عام 2012.
لا اتفاق
رغم ما أعلنته واشنطن عن عرض التبادل، فقد قالت روسيا الخميس إن المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن تبادل السجناء لا تزال جارية لكن لا يوجد اتفاق على تبادل نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني غراينر مع تاجر السلاح الروسي المسجون فيكتور بوت. بحسب وكالة رويترز للأنباء.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفين: "لا اتفاقات حتى الآن في هذا الشأن".
وأشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أن المحادثات بشأن تبادل السجناء ظلت مستمرة لبعض الوقت لكن دون إحراز أي تقدم.
ويأتي ذلك ردا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن واشنطن قدمت لموسكو "عرضا جادا" كي تضمن إطلاق سراح غراينر وكذلك بول ويلان، الجندي السابق بمشاة البحرية الأمريكية، المحتجز أيضا في روسيا.
وقالت راخاروفا: "ناقش رئيسا روسيا والولايات المتحدة مسألة تبادل مواطنين روس مع أمريكيين محتجزين داخل أراضي البلدين في وقت ما"، في إشارة على ما يبدو إلى محادثات جرت قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.
وتابعت أن من الضروري أن تأخد المفاوضات مصالح الجانبين في الاعتبار.
وقال بلينكن الأربعاء إنه سيناقش قضيتي غراينر وويلان مع نظيره الروسي في الأيام المقبلة.
وأكد مصدر مطلع لرويترز تقريرا لشبكة سي إن إن بأن واشنطن تعتزم مبادلة بوت، الذي يقضي عقوبة بالسجن مدتها 25 عاما في الولايات المتحدة، في إطار اتفاق.
ومن جانبه، قال محام عن بوت لوكالة أنباء ريا نوفوستي الروسية إنه لا يمكنه التعليق على تقارير عن صفقة تبادل محتملة لموكله، لكنه أضاف أن "هذا قد يتغير قريبا".
واعتُقلت غراينر في مطار شيريميتييفو بموسكو في فبراير/ شباط الماضي وبحوزتها خراطيش سجائر إلكترونية تحتوي على زيت القنب. وحضرت أحدث جلسة محاكمة لها الأربعاء بتهمة حيازة مادة مخدرة. وتقرر عقد الجلسة القادمة في 2 أغسطس/ آب المقبل.
واعترفت لاعبة كرة السلة الأمريكية الحائزة على الميدالية الذهبية مرتين في الأولمبياد، بأنها مذنبة في تهم المخدرات الموجهة إليها، لكنها أنكرت انتهاك القانون عمدا، قائلة إنها حزمت حقائبها على عجل.
وقالت غراينر: "ما زلت لا أفهم حتى الآن كيف انتهى الأمر بخراطيش تدخين (زيت القنب) في حقائبي".
وأضافت قائلة: "مع وجودهم في حقائبي عن طريق الخطأ، أتحمل المسؤولية، لكنني لم أكن أنوي التهريب أو التخطيط لتهريب أي شيء إلى روسيا".
أما المعتقل الأمريكي الآخر لدى روسيا وهو ويلان، الجندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية، فقد تم القبض عليه في موسكو في ديسمبر/كانون الأول 2018.
وأُدين بالتجسس لمصلحة الولايات المتحدة في عام 2020، ويقضي عقوبة بالسجن لمدة 16 عاما.
وقالت الولايات المتحدة إنها تعتبر غراينر وويلان محتجزين ظلما من جانب روسيا.
المصدر: بي بي سي