رُفضت صفقة القرن من قبل الديموقراطيين، ليس لانعدام العدالة فيها وإنما لأن الذين اقترحوها وتعهدوا بتنفيذها هم الجمهوريون.
انزاحت صفقة القرن عن التداول مع انزياح ترامب عن البيت الأبيض، لم تلغَ بالفعل بل علق وضعها على شرطين، عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض وعودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة.
من سيجلس في البيت الأبيض ستظهر مؤشراته الأولية عبر نتائج الانتخابات النصفية القريبة، وحتى الآن لا ضمانة للديموقراطيين في الاحتفاظ بوضعهم المثالي في مجلسي النواب والشيوخ، وبالتالي لا ضمانات لاحتفاظهم بالبيت الأبيض في الانتخابات القادمة.
أمريكا في أمر التسوية الفلسطينية الإسرائيلية تحتل المرتبة الثانية في التأثير بعد صاحبة المرتبة الأولى إسرائيل، وهذا يفرز معادلة دائمة مفادها.. أن الملف الفلسطيني هو احتكار إسرائيلي، وما على الإدارات الأمريكية إلا التكيف مع ما تقرره إسرائيل بشأنه.
الإدارة الديموقراطية لم تلغٍ صفقة القرن، إلا أنها رفعتها من سوق التداول دون أن تقدم بديلا عنها قابلا للعمل، ذلك شجع الجمهوريين وحليفهم المفضل نتنياهو على اعتبار الأمر مجرد تدبير مؤقت لن يحول دون عودة الصفقة إلى سوق التداول من جديد إذا ما تغير الحال في إسرائيل وعاد نتنياهو إلى الموقع الذي أدمن عليه وهو الرئاسة طويلة الأمد للحكومة والقرار، نتنياهو المتربص لا يكف عن تذكير الإسرائيليين والعالم بأنه صاحب الاختراقات المذهلة في المسارات، فهو مؤلف صفقة القرن التي صارت سياسة الجمهوريين في الدولة العظمى وهو صاحب المبتدأ في جملة التطبيع ولن يوجد غيره كي يكمل الجملة بخبرها المنشود.
استطلاعات الرأي في إسرائيل وهي إن لم تكن دقيقة تماما فقريبة من الدقة، ما تزال تعطي نتنياهو حظا في تأليف الحكومة اليمينية القادمة إذ يبدو التعادل طويل الأمد بين القطبين الرئيسيين صار مملا للناخبين ومتاحا كسره من قبل اللاعبين الحزبيين.
اليمين في إسرائيل وعلى كل ما فيه من مشاحنات ومنافسات وتضارب مصالح، ما يزال يرى في نتنياهو الرجل الأكثر جدارة بقيادته وبالتالي قيادة الدولة، وحتى حين فقد هذا الوضع جراء نجاح ائتلاف "إلا نتنياهو" في تجاوز حاجز الواحد والستين، فقد واصل ظله الهيمنة بفاعلية على قرارات خصومه فصار احتمال عودته للسلطة بمثابة العامل الأكثر تأثيرا في تجويف الحكومة الائتلافية، وخفض أسقف إنجازاتها في المجالين الداخلي والخارجي، وظهر أن حكومة بينيت المعتزل ولبيد المتردد لا تضع خيطا في إبرة إلا بعد التأكد من ردة فعل نتنياهو ومدى ما يقترب أو يبتعد عن السلطة.
أما الإدارة الديموقراطية التي رفضت صفقة القرن ولم تقدم بديلا عنها فقد طلبت من الفلسطينيين ما طلبه نتنياهو .. ترويض أنفسهم على حقيقة أن دولتهم لن تقوم على المدى البعيد ولا حتى الأبعد، وسواء بقصد منها أو من دون قصد أحدثت فراغا يراه الجمهوريون ونتنياهو نموذجيا لإعادة صفقة القرن إلى التداول، مع التهيئة لتنفيذها من جانب واحد بفعل اليأس من قبول الفلسطينيين للتفاوض عليها.
وحتى لو لم يفز نتنياهو وهذا احتمال يمكن توقعه بفعل الرمال المتحركة التي تجري اللعبة الداخلية في إسرائيل فوقها فإن الائتلاف الملفق الذي قد سيواصل الحكم سوف يجد نفسه من جديد في حالة انعدام وزن لا تمكنه من عرض مبادرة سياسية على الفلسطينيين، ليهرب من الاستحقاقات إلى ما يعتبره المنطقة الأكثر أمنا وهي القول إننا حكومة يمكن أن تنهار لو نطق واحد من أعضائها بمفردة تسوية.
هذه هي الصورة قبل الانتخابات الإسرائيلية الحاسمة والتي ستحدد خطوات الإدارة الأمريكية ديموقراطية كانت أم جمهورية صفقة قرن أو فراغ ، ويظل السؤال البديهي ما هي استعدادات القيادة الفلسطينية لمواجهة ذلك.