معاذ الخطيب: الاحتلال يحاول جعل الحقوق منوطة بالانتخابات وهذا غير منطقي
ناصر الهدمي: مشاركة المقدسيين في الانتخابات تدمير للواقع القانوني في العاصمة
أنطوان شلحت: التشديد الإعلامي يعكس رغبة الأحزاب الإسرائيلية في أن تكون القدس عاصمة للاحتلال في أي تسوية مستقبلية
أحمد خليفة: من يدعو للمشاركة في الانتخابات من الفلسطينيين بدواعي المصلحة مفهومه النفعي ضيق
راسم عبيدات: تجربة الانتخابات في الداخل المحتل بينت أن العرب لا يستطيعون التأثير في القرارات
الحدث- سوار عبد ربه
15 شهرا هي المدة المتبقية على إجراء انتخابات البلدية في مدينة القدس، التي بدأت حملة الترويج لها في أوساط المقدسيين منذ مدة قريبة، عبر وسائل الإعلام العبرية التي بدا واضحا وفقا لمحللين وشخصيات مقدسية أنها تشن حملة إعلامية مكثفة، لاستقطابهم وزجهم في هذه العملية، زاعمين وجود دعوات من شخصيات فلسطينية للمشاركة في الانتخابات بدعوى أنها ستعود بالنفع على المقدسيين اقتصاديا واجتماعيا، وأصعدة أخرى، غير أن الموقف العام في القدس يشير إلى وجود إجماع وطني على عدم الانجرار وراء تلك الدعوات التي وصفوها بالتطبيعية.
قال أستاذ العلوم السياسية والفلسفة معاذ الخطيب في لقاء مع "صحيفة الحدث" إن هذا التكثيف الإعلامي يقدم على شكل خطاب حقوقي يبين أن على المقدسيين المشاركة بالانتخابات للحصول على حقوقهم، أي أنهم يجعلون الحقوق منوطة بالمشاركة في الانتخابات، وقد يتأثر فيه من لا يملك وعيا من الناس أو من يمتلك سذاجة سياسية، لأن هذا الخطاب غير صحيح ديمقراطيا ولا منطقيا، موضحا أن الحقوق كاملة يجب أن تؤخذ بمعزل عن الانتخابات سيما وأن المقدسيين يدفعون الضرائب، وفي القدس تحديدا تدفع أكثر من أي منطقة أخرى بسبب سياسات التضييق التي تهدف إلى إرغامهم على الهجرة من القدس تحت وطأة الجرائم المتكررة وهدم البيوت والقمع اليومي.
وأضاف: إذا كانت سلطات الاحتلال في القدس معنية بتطوير أوضاع المقدسيين، ببساطة يجب أن تعطيهم حقوقهم وتوقف هدم بيوتهم والتضييق عليهم والاعتداء على مقدساتهم والسياسات العدوانية ونقاط التفتيش والحواجز، حيث يوجد عند البلدية الكثير مما تستطيع القيام به لإنصاف المقدسيين، وذلك لا يكون عبر المشاركة في انتخابات البلدية التي تعني إعطاء شرعية على كل ما يصدر منها.
من جانبه، أوضح رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي في لقاء مع "صحيفة الحدث"، أن مساعي الاحتلال في أن يحصل المقدسيون على تمثيل، حتى لو كان شكليا داخل بلدية الاحتلال؛ لإشعارهم أنهم جزء من هذه المنظومة، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيف وطأة المواجهة بينهم وبين الاحتلال.
وأضاف الهدمي أن الاحتلال يحاول أن يجعل من المقدسيين أقلية هامشية تعيش وسط المجتمع الصهيوني ويحاول أن يعطيهم حقوق الأقليات متناسيا أنهم أصحاب الديار وأن القانون الدولي يعتبرهم سكانا أصليين وشعبا محتلا.
ويرى الهدمي أن أحد أهم الضوابط التي أسهمت في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية في مدينة القدس وعلى ثبات أهلها حتى عام 2017، -أي العام الذي تم الاعتراف فيه بالقدس كعاصمة للاحتلال من قبل الإدارة الأمريكية-، هو عدم مشاركة المقدسيين في الانتخابات ما يعني أنهم يحظون بمكانة قانونية وفق القانون الدولي وهو أنهم شعب تحت الاحتلال، شاء الاحتلال أم أبى.
وبحسب رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، فإن قضية الهوية الوطنية والواقع القانوني لأهل مدينة القدس يستند إلى عدة أعمدة، أهمها أن أهل مدينة القدس لا يشاركون في اختيار ممثلين داخل كيان احتلالي، يرغب في تهجيرهم والتخلص من أكبر عدد منهم من أجل أن يصبحوا أقلية هامشية لا تشكل الصورة الحضارية، التي استطاع المقدسيون حتى يومنا هذا أن يحافظوا عليها، وعلى هويتهم في وجه الاحتلال، موضحا أن عملية المشاركة هي تدمير لهذا الواقع القانوني واعتراف ضمني بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وأننا قررنا أن نصبح جزءاً منه.
في هذا الجانب قال الهدمي إن هناك عدة عوامل أسهمت باتجاه الترويج لمشاركة المقدسيين في انتخابات بلدية الاحتلال على هذه الشاكلة، أبرزها الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان عام 2017 من قبل الإدارة الأمريكية، بالإضافة للواقع الرمزي للمدينة المقدسة، وفقدان أي أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية، إلى جانب الضعف الذي بدأ يظهر بشكل واضح في الهوية الوطنية الفلسطينية في مدينة القدس لدى المقدسيين، وبحسب الهدمي كل هذا في مواجهة الهبة المقدسية التي حدثت خلال السنتين الأخيرتين التي شكلت خطرا لدى الاحتلال الذي يريد أن يتجاوزها بدمج المقدسيين في إطار العملية السياسية والتمثيل داخل بلدية الاحتلال.
بدوره قال المحلل السياسي أنطوان شلحت في لقاء مع "صحيفة الحدث" إنه بدا واضحا وجود تشديد إسرائيلي على مدينة القدس، وذلك مرتبط بتبدل الإدارات الأمريكية، ففي زمن دونالد ترامب اعترفت الإدارة الأمريكية "بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل"، وقامت بإغلاق القنصلية الفلسطينية في شرقي القدس ونقلت السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس وهذا كان إعلان واضح وصريح بأن الولايات المتحدة تعترف بضم القدس، وهذه الإدارة تغيرت وجاءت إدارة جديدة تلمح بأنها لا تعترف بشرقي القدس جزءا من القدس الموحدة، موضحا أنه خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى القدس، كان هناك ما يشير إلى أنها لا تعترف بهذا الضم، حيث قام بايدن بزيارة إلى القدس دون رفقة أي طواقم إسرائيلية وهذا فيه اعتراف بشكل غير علني أن شرقي القدس لا يتبع لـ"إسرائيل"، كذلك قدم مساعدات للفلسطينيين في تلك المنطقة وهذا أيضا إعلان غير مباشر بأن شرقي القدس للفلسطينييم.
وأردف: "التشديد على القدس أيضا باعتبارها تشكل واحدة من الإجماعات في المشهد السياسي الإسرائيلي بما يتعلق في شروط التسوية الدائمة للصراع مع الفلسطينيين، وأغلب الأحزاب الصهيونية تؤكد أن القدس يجب أن تبقى موحدة وأن تكون عاصمة لإسرائيل في أي تسوية مستقبلية يتم التوصل إليها مع الفلسطينيين".
من جانبه رأى أستاذ العلوم السياسية والفلسفة معاذ الخطيب أن السبب في هذا التشديد إلى المتغيرات الإقليمية لا سيما التطبيع العربي والرغبة الحثيثة في القضاء على أي آمال للمقدسيين في أن تكون لديهم سيادة على أرضهم.
وأوضح الخطيب في لقاء مع "صحيفة الحدث"، أن الاحتلال يسعى لضم المقدسيين باعتبارهم مواطنين وإظهارهم بأنهم راضون أن يكونوا جزءا من هذه المنظومة الإسرائيلية وأن التطبيع لن يعود غريبا فاذا رأينا المقدسيين موافقين على الانخراط ضمن بلدية الاحتلال فالتطبيع سيصبح طبيعيا.
كما أوضح رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، أنه في كل عام يجري الترويج لهذه الخطوة ويتم طرحها والنداء لها، لكن ما يعتمده الاحتلال هو سياسة العمل التراكمي، أي أنه ما لم يستطع أن ينفذه مرة واحدة ويعيد الكرة ويفتته إلى أجزاء صغيرة ويقوم بتنفيذه.
وفي سياق متصل، ظهرت بعض الأصوات التي تنادي بمشاركة المقدسيين في انتخابات البلدية، بزعم أنهم لا يستطيعون تحصيل حقوقهم، وفي حال المشاركة سيتمكنون من خدمة أنفسهم ومدينتهم بأنفسهم، وهو ما وصفه رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد بـ"الكلام الفاضي"، لأن تجربة مشاركة أهالي الداخل المحتل في الانتخابات ودخول بعضهم إلى "الكنيست" يمكن الاستناد عليها في أنها لم تجلب لهم مكاسب ذات قيمة يمكن الاعتماد عليها في الحفاظ على البقاء المقدسي داخل المدينة.
وكتب المحلل السياسي راسم عبيدات عبر صفحته في فيسبوك، أن قناة عبرية بثت تقريرا حول المشاركة المحتملة لسكان القدس الفلسطينيين في انتخابات بلدية الاحتلال، وأجرت لقاءات مع شخوص مرشحين محتملين لتلك الانتخابات.
وتابع عبيدات: يدعي التقرير أن هذه الخطوة تحظى بدعم وإسناد من بعض القيادات في حركة فتح، في حين ترفضها كل من حركتي حماس والجبهة الشعبية.
وأكد ناصر الهدمي أن هناك إجماعا وطنيا يحاول البعض تفتيته وتشتيته بأن المشاركة في الانتخابات خيانة، وهذا الإجماع يجب أن يتم تعميمه والتأكيد عليه والعمل على توعية الشارع الفلسطيني والمقدسي على أن يرفض كافة أشكال المشاركة، موقعا المسؤولية على عاتق القيادات السياسية والشعبية، وكذلك وسائل الإعلام.
من جانبها، دعت الأمانة العامة للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس، المقدسيين إلى مقاطعة انتخابات بلدية الاحتلال المقررة بعد بضعة أشهر.
وأكدت الأمانة العامة في بيان صدر عنها، أن التعاطي مع أية قوائم بدأت جهات تتعاون مع بلدية الاحتلال في إعدادها، يعتبر خرقا للموقف المبدئي الفلسطيني التاريخي الثابت المقاطع لهذه الانتخابات؛ كتعبير مكثف عن عدم الاعتراف بشرعية وجود الاحتلال في القدس.
وقالت: "في ضوء صدور أصوات منتفعة بالدعوة لمشاركة المقدسيين في انتخابات البلدية لضمان تقديم خدماتها، فإنه بات لزاما علينا التحذير الجدي من الانجرار خلف هذه الدعوات التي تشرع التهويد والاستيطان في القدس، وتعطي المبررات المسبقة للحصار المفروض على المقدسيين، كما تشرعن عمليات السطو على التراث والتاريخ العربي والإسلامي في المدينة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وما الاقتحامات والاعتداءات على كنيسة القيامة والمسجد الأقصى إلا خير دليل على ذلك".
وأضافت: "البلدية التي تدعو تلك الأصوات للمشاركة في انتخاباتها هي ذات المؤسسة التي ترصد مليارات الشواقل لإقامة المستوطنات الجديدة وتوسيع المستوطنات القائمة منها، وهي أيضا التي تغير معالم أسوار القدس العتيقة وباب العامود وتدعم الجمعيات الاستيطانية في السيطرة على الأملاك والعقارات الفلسطينية ومنها الوقفية والدينية، وهي أيضا التي تحرف المناهج الفلسطينية وتقمع وتحارب من يدرسها لأبنائنا الطلبة الذين نراهن عليهم في بناء مستقبل يزهو بالاستقرار والأمن والسلام".
وأكدت الأمانة العامة للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس، "أن المجتمع المقدسي الذي يشكل كتلة تاريخية في مواجهة العدوان الإسرائيلي الشامل عليه، مطالب بالتمترس خلف موقف مبدئي لا يساوم عليه مهما كلف ذلك من ثمن وهو مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة في اختيار من يمعن أكثر في محو الهوية العربية الفلسطينية للقدس".
وتابعت: "الإنسان وقفة عز وقضية ومبدأ، وأي تنازل عن الثابت المكين يعتبر تفريطا مجانيا بالقدس العاصمة التي سالت على أعتابها الدماء الطاهرة في سبيل الحرية والاستقلال، لذلك يتحتم على كل مقدسي حر شريف أن يقول إن لا سلطة للاحتلال عليه.
وقال أستاذ العلوم السياسية والفلسفة معاذ الخطيب، إن هذه الأصوات التي تنادي بالمشاركة في الانتخابات هي أصوات منتفعة بطريقة أو بأخرى والمشاركة فيها تعود بالنفع عليهم فقط وليس على عموم الناس.
كما أكد المحامي أحمد خليفة في لقاء مع "صحيفة الحدث" أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين في القدس لا زالت ترفض الجنسيات الإسرائيلية وترفض الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس، ولو حدثت مشاركة بائتلاف أو بلدية هنا سيصبح المقدسي هو من يمثل السلطة المركزية الحاكمة لأهل القدس، ما يعني أنه لا يمكن الإبقاء على القول إننا شعب تحت احتلال وفي الوقت نفسه ذراع من أذرع السلطة المركزية المحتلة.
وأضاف خليفة: "التركيبة الديمغرافية للقدس فيها نحو 60% يهود والباقي فلسطينيين، وفي أفضل الحالات يمكن فتح باب الشراكة مع الاحتلال لإدارة شؤون البلاد، والتعاطي مع المؤسسات الإسرائيلية والاستغناء عن الجنسية الفلسطينية وإذا وصلنا لهذه المرحلة القدس ستكون رسميا خالية من الفلسطينيين".
واعتبر المحامي أن هؤلاء مفهومهم النفعي ضيق للمصلحة الاقتصادية، متطرفا إلى الوضع داخل الأراضي المحتلة عام 1948، حيث كان بالإمكان عدم التطرق للقدس والأقصى والهوية الوطنية وغيرها والاستفادة للحد الأقصى من المنافع، لكن السؤال ما هو طموح الناس وما هو طموحنا كشعب، هل نريد الاستقلال وكرامة وطنية أم أن نكون توابع للاحتلال".
في هذا السياق قال أستاذ العلوم السياسية والفلسفة معاذ الخطيب، إن العرب موجودون في الكنيست منذ عام 1949 لكن على صعيد القضايا المركزية كقضية الأراضي، الحقوق، والميزانيات لم نحقق أي مصلحة تذكر، والمكاسب التي حققت كانت للأحزاب فقط، حتى أنه توجد علاقة طردية بين وجود العرب في الكنيست والتضييق عليهم، فكلما زاد تمثيلهم ازداد القمع ضدهم.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات في مقال بعنوان "حول المشاركة في الانتخابات لبلدية – القدس": " نماذج نتائج مشاركة العديد من الكتل والأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني- 48 – في انتخابات البرلمان" الكنيست" الصهيوني ماثلة أمامنا، حتى القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس، التي اتكأت عليها ما عرف بحكومة التغيير من أجل منع سقوطها، حكومة بينت – لبيد، قبل أن تنهار، رغم كل التنازلات التي قدمتها من أجل أن تبقى ممثلة في الحكومة، وجدنا أنها هي والقائمة العربية المشتركة، لم يكن لهما أي تأثير ملموس في القضايا ذات الطابع الاستراتيجي، الأمن و الاستيطان والسيطرة على الأرض والتعليم.
وأضاف عبيدات: التذرع من قبل البعض بخوض الانتخابات والمشاركة فيها انتخاباً وترشحاً، تحت حجج وذرائع تحصيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية للمقدسيين والفلسطينيين المسيطر عليها من قبل بلدية الاحتلال، تعوزه المصداقية، فنحن ندرك تماما أنه بإمكاننا أن نخوض نضالاً مطلبياً ضد بلدية الاحتلال بأكثر من شكل وعبر أكثر من هيئة أو لجنة تشكل لهذا الغرض، دون أن ننجر أو نتساوق مع سياسات الاحتلال وخططه ومشاريعه، الرامية لدفعنا للمشاركة في هذه الانتخابات، وبما يقفز عن الجانب السياسي، الذي يشرعن ضم المدينة والاعتراف بها كعاصمة لدولة الاحتلال، في وقت تشكل فيه بلدية الاحتلال، أحد أهم أذرع هذه الدولة، في تنفيذ سياسات القمع والتنكيل والتطهير العرقي، بحق السكان العرب المقدسيين عبر سياسات الاستيطان ومصادرة أراضيهم وهدم منازلهم وفرض الضرائب الباهظة عليهم، ولنا في تجربة أخوتنا الداخل الفلسطيني -48- عبرة ومثال، فهم ممن تفرض عليهم الجنسية الإسرائيلية قصراً، ويشارك جزء منهم لا بأس به في الانتخابات ليس للبلديات والسلطات المحلية، بل للبرلمان "الكنيست الإسرائيلي"، ولكن لا يستطيعون التأثير في القرارات الحكومية الإسرائيلية، ذات البعد الاستراتيجي، قضايا الأمن والاستيطان وهدم المنازل وملكية الأراضي وغيرها.