أصدر الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين بيانًا في الذكرى 35 على استشهاد رسام الكاركاتير ناجي العلي جاء فيه: " سارق الحقيقة لم يبق، وأرض اللوحة الكاشفة أقوى من عرجة كاتم الصوت في ضباب الجريمة، وناجي العلي الشهيد باقٍ قنطرة أعلى من سبابة القاتل ومرسليه إلى غابة الدم الحرام، فبعد خمس وثلاثين سنة، و سبع وثلاثين يومًا في الغيبوبة قبلها، انحنت راية ولكنها لم تسقط، وارتجفت قلوب لكنها لم تتوقف، وجف قلم ونبتت أقلام لتخلد القتيل من مسك وأرجوان.
ناجي العلي المتبصر إبداعًا بالغد، صرخت انتباهته في صحاري الوجع المتسترة دون تاء الرحمة في سيرة شعب يناضل من أجل الحدائق، خذله السامعون، وشوه صيحاته المرجفون، وضغط بالسبابة قاتل محترف لإسكات الضمير اليقظ في صدر الوطن العربي الفسيح، فكانت الدماء خارطة أخرى للتيه، ونهر آخر للبؤس المعمّد بقهر الفقراء، ومد جائر لخرائب المخيم.
قتل ناجي العلي كان اختبار المدّعين المزيفين لمنابر الدفاع عن حق التعبير، وحرية الرأي، وسقوطًا فاحشًا للمطبعين أولي الخزي الفصيح، كما كان استشهاده ثورة للأحرار، حاملي الأمانة، غارسي الوطن مبدأ مقدسًا في عين كل شاخص خبيث، كما كان من علياء الوعي يعطي الغد إشراقة في نفوس المؤمنين بصيغ الوطن المتمم لسنوات النضال المديد.
مات ناجي العلي ولم تمت أجيالٌ جعلت من بعده حنظلة رمزًا، ومن الريشة جبهة مفتوحة أمام النقيض الغاصب، وأذناب الخنوع، وسيبقى العلي عاليًا، وصانعًا فنانًا في قرطاس المسيرة العريضة، التي لن تقبل الخاتمة بخنوع، بل لها الخلاص من قاضمي الحق، وناهبي فصول الذات الوطنية إذا ما صار التنبيه عن المحرمات مستقر كل حر أمين.
تمر الذكرى وينكسر النسيان على ذابل من اعتقد أن كاتم الصوت سيمر دون ضجيج، ليجد صانع الجريمة أن الشهيد تخلد، وخلد في الباقين الحق الباسل، والصحيفة الغارقة بدماء الناجي ظلت البحر العاصف في الجلجلة، وعين الرمح تجاه الحرية، والريشة رسولة، والقلم على الوجوه الساقطة صراط مبين.
عاش ناجي العلي بعد غيابه ويعيش فكرة تنتصر، و حنظلة ليوم نرى وجهه الباسم على ربوع السهول تُحمّل الطيور صدى النبض المشتاق لفراديس أمهرتها الزاكيات من غير مراوغات رخيصة.
سيبقى ناجي العلي رسام فلسطين في اختزان الأنفاس، وبراح الوعي أمام الكي الآثم، ونحن في اتحاد الكتّاب والأدباء باقون و قابضون على جمرة الثابت المقيم بعد الناجي ومن خلفنا المتآمرون، ولناجي سنكون من الأوفياء، ولن نترك الحصن لذئاب النسيان، وثعابين الساقطين في اللحظة بل سنقول لفلسطين عن ناجي مالم يقله الحنين للحنين.