يصح عطف كلمة "تعساء" على الوزراء باعتبارهم موضع نقد يومي للحالة الفلسطينية المعيشة التي نحملهم مسؤوليتها لأنهم ارتضوا لأنفسهم عبئها. ويصح أن نتعامل مع "الواو" بأنها "واو المعية" لتحيل كلمة "تعساء" إلى الموظفين الذين هم بمعية الوزراء وما تبقى من رواتب عطوفتهم بعد صرفها كاملةً لتوزع على بقية الموظفين.
وتبدو "المعية" هي التعبير الأفضل في توصيف الحال الفلسطيني عموماً، الذي هو بمعية الله أولاً وأخيراً -طبعاً-، وبمعية الوزراء ثانياً، وبمعية الأوضاع السياسية العربية التي لم يتبق من حال المعية بيننا وبينهم سوى القليل القليل ليتم إخراجنا من حال المعية إلى حال النكران التام.
والمعيةُ التي نحن بصددها اليوم، بعدما نشرته الحدث من قيام حكومة د. محمد اشتية بصرف رواتب وزرائها كاملةً دون اقتطاعٍ منها رغم اقتطاعها من رواتب الموظفين العمومين، هي أسوأ أنواع المعية، ليس فقط لما للكلمة من مدلولات سلبية في الثقافة الشعبية، وإنما أيضا في أساس مدلولات الكلمة لغوياً والتي من مقاصدها عدم لزوم الاختلاط أو المصاحبة في المكان. ولعل اللغة هنا هي الأقدر على توصيف الحقيقة، وحقيقة ما تعيشه وزارتنا العتيدةُ من انفصامٍ وانفصال عن واقعها وعن واقع عموم الفلسطينيين. والأمثلةُ كثيرةُ بدءاً من خطة العناقيد التي أطلقتها الحكومة في 21 آيار 2019، بغية تنمية القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية عنقوداً عنقوداً، حتى جفت عناقيدُ العنب ثلاث سنوات متتالية دون أن تصل الخطة قصيرةُ الأجل، كما أشار بيان الحكومة حينها، إلى أجلها القصير، بينما حل أجل الكثيرين. كان أولهم سكان قطاع غزة الذين مرت عليهم حربان وتصعيدٌ ووباء، ولم يفلح (العنقود الطويل) - والذي هو التوصيف الذي أطلقته الحكومة على خطة تنمية المحافظات الجنوبية والمؤلف من عناقيد أصغر هي العنقود البحري، والعنقود البري، والعنقود الصناعي والعنقود الزراعي- في أن ينقذ غزة لا بحراً ولا برا ولا أرضا مزروعة ولا مصنعاً قائماً، وإنما ظلّت أرضاً يباباً تيمّمُ نفسها بنفسها. وثاني الآجال المؤجلة هو (عنقود العاصمة) الذي لم ينقذ حي الشيخ جراح بل أنقذهُ أهله، ولم يمنع المتطرف بن غفير من أن يمشي في باحات أقصاه، ولا أن تُعتقلَ مرابطاته ويبعدن عنه، ليصمدُ أهل العاصمة بصمودهم دون عناقيد.
ومن الأمثلة الأخرى على حالة الانفصام/الانفصال التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء التي قال فيها نصاً: "لقد نجحت الحكومة في تحقيق الرفاهية للشعب الفلسطيني" فأثار موجةً من التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالبه بالعودة من السويد، في مفارقة أشبه بالكوميديا السوداء التي يضحك فيها الناس من أنفسهم رغم جدية الموضوع المطروح.
وقبلها كانت لاشتية تصريحات نشرها عبر مقطع فيديو، فاجأ بها المختصين والمتابعين لقطاع الطاقة في فلسطين، قال فيها إن مصنعاً للطاقة الشمسية قيد التركيب، وبحسب المعلومات التي نشرتها "الحدث" حينئذ تبين أن المنطقة التي تم الحديث عنها في بيرزيت لإنشاء المصنع لا تزال فارغة، فيما أن المنطقة المحتملة الأخرى في أريحا كانت قد تحولت إلى مشروع آخر لا يتعلق بالطاقة الشمسية نهائيا.
لعل من يعتمد التصفير للفت أنظار الجمهور إلى حضوره من فوق مبنى في ليلة الميلاد، يعتقدُ أن التصفير أقصر الطرق للتواصل مع البشر من فوق، وهي المعية بذاتها!