خاص الحدث
منذ عام ونصف تقريبا، أصبحت الضفة الغربية عنوانا رئيسيا في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي بعد سنوات من الركود، ولعلّ مايو 2021 كان نقطة فاصلة بين تاريخين، فقد تكثفت الاشتباكات المسلحة في جنين ومخيمها بداية، ومن ثم انتقلت إلى مناطق أخرى كطوباس ونابلس وطولكرم وبيت لحم، وبدأ الفلسطينيون يتحدثون عن عودة ثقافة الاشتباك، وينسبون الأمر للشهيد جميل العموري، ومن ثم توالت النماذج التي خاضت الاشتباك فعلا وكرسته ثقافة كما في حالة الشهيد إبراهيم النابلسي الذي أوصى بأن: لا تتركوا البندقية.
يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان الاحتلال الإسرائيلي، في نهاية آب الماضي، عن زيادة كبيرة في حجم عمليات تهريب السلاح للضفة الغربية المحتلة، عبر مصر والأردن في الآونة الأخيرة، في حين تحدثت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، عن جملة أسباب لظاهرة تصاعد المقاومة المسلحة، أبرزها أن مشاهد الاشتباكات بين المسلحين وجيش الاحتلال، وما يرافقها من توثيق وتعميم على نطاقات فلسطينية واسعة؛ تشكل حافزا للشباب الفلسطيني لمحاكاتها.
يقول المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، إن ظاهرة المقاومة المسلحة باتت تتسع أكثر وأكثر لدرجة القول إنها عمليا أصبحت ظاهرة حقيقية وتم استنساخها في أماكن مختلفة ومتعددة في الضفة الغربية وانضم إليها أطراف كثر، وأكثر من ذلك حققت في الميدان ما عجزت عن تحقيقه الفصائل الفلسطينية إلى حدّ ما.
وأضاف عوض لـ"صحيفة الحدث": هناك وحدة ميدانية وغياب للاختلافات والخلافات على التفاصيل، لذلك هي ظاهرة حقيقية ربما تكون محدودة العدد ولكنها ترفع السقف في الوعي والمطالبة والبرنامج السياسي، وقد تكون غير مؤطرة إلى حد كبير بالإضافة إلى عدم وجود سياقات عامة تحكمها وهذا ما يميزها، لذلك يمكن القول إن الشعب الفلسطيني يبتكر أدواته وأساليبه ويبتكر شعاراته في كل المراحل دون أن ينتظر أحدا.
وأوضح المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، أن الجمهور الفلسطيني لا ينتظر أحدا ويصنع تاريخه بطريقته، وما جرى من الحالة التي شكلها الشهيد إبراهيم النابلسي الذي آخر ما أوصاه بأن "لا تتركوا البندقية"، كان بمثابة البطولة التي يصنعها المقاومون والتي تتحول لاحقا إلى أيقونة ورمز، والنابلسي وآخرون غيره يتحولون إلى أبطال المرحلة وأيقونات للمقاومة والتمرد والثورة ورفض الموجود والواقع خاصة باستشهادهم التراجيدي والبطولي الذي يحولهم إلى أبطال حقيقيين، وهذا ما تحدث عنه الاحتلال الإسرائيلي في وسائل إعلامه في أن المقاومة المسلحة؛ هي صناعة للبطولة المحلية التي تفرض نفسها والتي يتم تقليدها ومنتجتها بين الشباب.
وحول الخطاب الذي يحاول الاحتلال بثه زاعما بأن ما يجري هو "نتاج حالة من اليأس والإحباط"، فرأى المحلل السياسي، أن ذلك يبقى كلام مستعمر، والمجرم الإسرائيلي لا يرى ما يفعل، ويحاول الترويج لأنه احتلال متنور وحداثي وناعم، وأنه يمكن التعايش مع الاحتلال وأنسنته وينسى أن هذا الاحتلال يقتل الناس بالمجان ويصادر ممتلكاتهم ويسلب حريتهم.
وأكد عوض، أن "المقاومة لا يمكن أن تكون بدافع اليأس وإنما بدافع الحرية، فالمستعمر يخاف من الذكريات والواقع وكل احتلال أعمى وكل ما زاد عماه تقترب نهايته وتخبطه ويذهب إلى الهاوية".
واعتبر عوض، أن "المقاومة بكافة أشكالها تحتاج لوجود وحدة وطنية حقيقية، لأنه بدون وحدة سيبقى الشارع الفلسطيني منقسما على نفسه ومتوترا وهو ما يؤدي إلى غياب الشعار، وأي ثورة ومقاومة بحاجة إلى شعارات وتغطية وقيادة ورؤية وتأطير وتنسيق، وإذا غاب كل ذلك فإننا أمام مقاومة قد لا تستمر ويسهل تفككها وإضعافها، لذلك المصالحة الوطنية هي أهم ما نريد في المرحلة الحالية.
وحول مدى تحقيق العدوان الأخير على قطاع غزة وحدة الساحات، قال عوض: التصعيد الأخير الذي قادته حركة الجهاد الإسلامي حقق وحدة الساحات بين الضفة وغزة والقدس والداخل المحتل، امتدادا لنتائج معركة سيف القدس في مايو 2021.
وأضاف: المعركة الأخيرة مع الاحتلال حققت وحدة الساحات لأنها وحدة وعي وضرر ومصير وهدف ووحدة الوجدان، والفلسطينيون كلهم يكونون على قلب رجل واحد والهجوم الأخيرعلى القطاع ثبت المعادلة أن لا انفصال بين الضفة وغزة فنحن شعب واحد وكل جماعة فلسطينية تدفع ثمن ارتباطها بجماعة أخرى والكل يدفع ثمن ارتباطه بأرضه وبالتالي حققت وحدة الساحات بمعنى الوعي والوجدان والمصير، وهي استمرار لسيف القدس.
وأشار عوض، إلى أننا في المرحلة الحالية، في ذروة الصراع مع المحتل الإسرائيلي، لأن الأمر غير محسوم بعد بسبب عدم وجود انتصار كامل أو هزيمة كاملة، وليست هناك تسوية سياسية مقبولة.
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، أن التحول الأخير في الضفة الغربية جاء بفعل ضغط الاحتلال وإصراره على ملاحقة كل المناضلين الفلسطينيين، وهو ما زاد من وتيرة المقاومة خاصة بعد سلسلة من الاغتيالات التي تم تنفيذها بحق مقاومين من نابلس وجنين ومناطق أخرى.
ويرى سويلم في حديثه لـ"صحيفة الحدث"، أن هناك ردود أفعال تتمثل في المرحلة الراهنة بمحاولة المقاومين من مختلف المدن والمناطق الفلسطينية بالضفة، التصدي لقوات الاحتلال والمستوطنين واقتحاماتهم. مردفا: هذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع منسوب هذا النوع من المقاومة والتصدي للاحتلال.
وأضاف: هذه الأعمال تؤثر بصورة متفاوتة على الأجيال، وربما تكون لها أبعاد نفسية وسياسية كبيرة، وما يجري يؤثر بصورة كبيرة على فئة الشباب ويشجعهم على الانخراط في أعمال المقاومة، وهذا التأثير من وجهة نظري في تصاعد.
وبحسب سويلم، فإن مفهوم المقاومة لا يجب أن يقتصر على المسلحة منها، وإنما هي مفهوم شامل يصبح حقيقيا عندما يتسع ليأخذ كل الأبعاد الوطنية، "فعندما نبدأ باعتماد مفهوم المقاومة الوطنية الشاملة وتتحول المقاومة كفعل وطني تراكمي ومشاركة شعبية جماهيرية ويتحول مشروع المقاومة إلى عادة وطنية يومية و نمط حياة وعندها يصبح المفهوم مهدِّد حقيقي للاحتلال ومشروعه على أرضنا.
تقول صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية، إن الأشهر الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظا وقياسيا في استخدام الرصاص الحي من قبل الشبان الفلسطينيين ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه في الضفة، خاصة وأن المجموعات المسلحة تعمل ليل نهار بشكل مكثف ومكشوف، وظاهرة المطاردين عادت من جديد.
وباتت ظاهرة المطاردين الفلسطينيين المسلحين تشكل تحديا صعبا ومقلقا بالنسبة لقوات الاحتلال، خاصة بسبب نظر الفلسطينيين ينظرون إليهم باعتبارهم الأجدر على حمايتهم من اعتداءات الاحتلال وجنوده، وقد تحولوا إلى أبطال.
وبحسب إعلام الاحتلال، فإنه "لا تمر ليلة بدون اعتقالات بالضفة، وكل عملية اعتقال تعتبر أمراً معقداً، وفي حال كانت الاعتقالات سابقاً تمر بهدوء وبسرعة، فإن كل اعتقال بجنين أو نابلس اليوم يتحول لاشتباكات مسلحة ومحاصرة لمنازل المطاردين تستمر لساعات. مشيرا إلى أن المطاردين الفلسطينيين يقاتلون حتى آخر قطرة دم منهم كما حدث مع الشهيد إبراهيم النابلسي، وقد يقاتلون حتى آخر رصاصة بحوزتهم، ومن الصعب تحليل شخصية المطاردين الجدد الذين قد يعملون مع أكثر من فصيل للحصول على الأسلحة والذخيرة.
وفي 31 آب، قالت القناة السابعة العبرية، إن هناك تخوفات إسرائيلية من اندلاع انتفاضة داخل سجون الاحتلال وفي مناطق الضفة الغربية، خاصة مع شروع أكثر من 1200 أسير بإضراب مفتوح عن الطعام في رسالة احتجاجية على تنصل مصلحة السجون الإسرائيلية من تفاهمات سابقة قد أقرتها في شهر مارس الماضي.
يأتي ذلك، تزامنا مع تحذيرات يطلقها المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون، بأن هناك مخاوف من تصعيد في الضفة خاصة في المناطق الشمالية منها، وعلى رأسها جنين ونابلس، والدعوة لضرورة الاستعداد لاندلاع انتفاضة شعبية قد تشكل أحداث المسجد الأقصى بالقدس المحتلة مركزا لاندلاعها.
وأردف: ما يدل على التصعيد المتزايد بالضفة الغربية، هو إطلاق النار الكثيف تجاه جنود الاحتلال خلال اقتحامهم المدن والقرى الفلسطينية لتنفيذ الاعتقالات وهو شيء لم يكن سابقاً، كما أن الاعتقالات خلال العامين الماضيين كانت تمر عادة بدون استخدام الرصاص الحي من الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال، ولكن حالياً معظم اقتحامات جيش الاحتلال للبلدات الفلسطينية يواجهها الشبان الفلسطينيون بإطلاق النار وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة.
وتحدثت صحيفة يديعوت أحرنوت، عن جملة أسباب لظاهرة المقاومة المسلحة، أبرزها أن مشاهد الاشتباكات بين المسلحين وجيش الاحتلال، وما يرافقها من توثيق وتعميم على نطاقات فلسطينية واسعة تشكل حافزا للشباب الفلسطيني لمحاكاتها، بالإضافة إلى جرائم الاحتلال والواقع السياسي المأزوم.