الحدث- سوار عبد ربه
لم يتوانَ الاحتلال الإسرائيلي يوما عن المضي قدما في مخططاته الاستيطانية في العاصمة الفلسطينية المحتلة، بغية إحكام سيطرته على المدينة وتطويقها في حزام استيطاني يجعلها مقسمة، مختلفة الملامح لا تمت لما هو محفور في ذاكرة أصحابها بصلة.
نهاية الشهر الماضي، أعلنت مصادر إعلامية عبرية أن اللجنة القطرية للبناء في مدينة القدس المحتلة، ستصادق على بناء مئات الوحدات الاستيطانية قرب حي بيت صفافا المقدسي. ووفقا للمصادر العبرية فإن وزيرة داخلية الاحتلال أيليت شاكيد تضغط باتجاه المصادقة على بناء 700 وحدة استيطانية في حي استيطاني قرب بيت صفافا في القدس.
وبعدها بأيام تبعه إعلان عن توسيع مستوطنة "جيلو" جنوب غربي القدس، المقامة على أراضي بيت صفافا، وشرفات والولجة، وبيت جالا. وفي التفاصيل قال المختص في شؤون القدس فخري أبو ذياب في لقاء مع "صحيفة الحدث"، إن ما يحصل في منحدرات مستوطنة "جيلو" أن الاحتلال وضع مخططا كبيرا بدأ به قبل نحو عامين، يقضي ببناء وحدات سكنية على طول المنطقة الواصلة بين مدينتي بيت لحم وبيت جالا.
وأضاف: "مخطط الاحتلال هذا يهدف إلى فصل القدس عن عمقها الجنوبي في الضفة الغربية، وذلك عبر إقامة آلاف الوحدات الاستيطانية التي أنجز الاحتلال بعضها، وكشف عن مخططات قادمة للبعض الآخر.
وستسمى المنطقة الاستيطانية الجديدة بـ "منحدرات غيلا"، حيث يأتي المخطط ضمن مشروع كبير يشمل تطوير الطرق والبنية التحتية والمناطق العامة، والحدائق والمناطق التجارية والتوظيفية جنوب غرب الأنفاق التي تربط القدس بالتجمع الاستيطاني "غوش عتصيون".
وأكد فخري أبو ذياب، أن الوحدات الاستيطانية تبدأ من منحدرات مستوطنة جيلو وصولا إلى جبل أبو غنيم ومنطقة صور باهر، بغية إعدام التواصل بين التجمعات والسكان في القدس والضفة الغربية، وخنق القدس، وإحاطتها بحزام من المستوطنات، وهذا كله يندرج تحت مشروع ما يسمى بحزام المستوطنات في محيط القدس.
وتابع: الاحتلال يريد تغيير التركيب السكاني خاصة أن هذه المناطق الفارغة من القدس يمكن استعمالها للبناء الفلسطيني العربي، ولذلك الاحتلال يريد أن يستبق الأحداث ويملأها بالمستوطنات ويحل المستوطنين لإيجاد خلل في التوازن الديمغرافي لصالح المستوطنين، مشيرا إلى أن الاحتلال لا يمنح أي مخططات هيكلية للأحياء العربية في القدس، ويرفض استصدار تراخيص البناء.
وأشار المختص في شؤون القدس لـ"صحيفة الحدث"، أنه بالإضافة للمخطط الذي أعلن عنه مؤخرا هناك أكثر من 3000 وحدة استيطانية تمت الموافقة عليها وبعضها رست عطاءاتها على شركات ستبدأ قريبا بالعمل.
ومنذ التسعينات أقر الاحتلال أكثر من مئة مشروع استيطاني في لتوسيع مستوطنة جيلو، 90% تمت إقامتها والباقي في طور التنفيذ، ليصل عدد المستوطنين فيها اليوم إلى 45 ألف نسمة، ومساحتها تضاعفت حتى وصلت إلى 10 آلاف دونم.
ويشمل المخطط وفقا لأبو ذياب على مراكز أمنية ومخابراتية وسياسية لقادة الاحتلال وعمارات ضخمة، ومبان عالية تضم 27 مبنى كل واحد منها مكون من 9 إلى 13 طابقا، كما أن المخطط سيشمل إقامة أربعة أبراج سكنية شاهقة تصل إلى 20 و24 طابقا، بالإضافة للمراكز التجارية والخدمات لصالح المستوطنين.
ويرى أبو ذياب أن الاحتلال يحاول جعل المنطقة الشرقية من القدس ذات أغلبية يهودية، مقابل أقلية مقدسية فلسطينية ضمن مناطق محاطة بالمستوطنات، بهدف دفع المقدسيين إلى الرحيل.
وقبل احتلال القدس عام 1967، كان الفلسطينيون يشكلون ما نسبته 99 % من سكان شرقي المدينة، لكن بعد عمليات المصادرة والاستيطان وإقامة الطرق الالتفافية، أصبح التواجد الفلسطيني لا يتجاوز 15 % في شرقها.
ويضيف: مخططات الاحتلال تلك تأتي في إطار مساعي إسرائيلية لتنفيذ مخطط القدس الكبرى، الذي يهدف إلى تغيير الواقع السكاني في العاصمة المحتلة.
وعام 1975 أقر الاحتلال خطة لإقامة ما يسمى بالقدس الكبرى التي حملت شعار "أكثر ما يمكن من اليهود وأقل ما يمكن من العرب"، وتهدف الخطة إلى الاستيلاء على مساحة 600 كلم2 من الأحياء والقرى المجاورة للقدس بتعداد سكان 3 ونصف مليون.
وبحسب أبو ذياب تكمن خطورة هذه المخططات في أن الاحتلال يسيطر على الأراضي الفارغة لمنع التمدد في التجمعات الفلسطينية باتجاه الجنوب لعدم تواصلها وإحكام الإغلاق في محيط القدس، وهذه المنطقة كانت ذات كثافة سكانية فلسطينية كبيرة جدا والآن مع بناء ما يسمى مستوطنة "هار حوما" في جبل أبو غنيم وتلة الطيار وغيرها ستكون الغلبة في العدد للمستوطنين، حيث يتم إحلال الآلاف منهم في هذه المنطقة.
ويؤكد المختص في شؤون القدس أن التركيبة السكانية ستتغير خاصة أن الاحتلال يخطط لإقامة أبراج عالية لمراقبة الطرق التي تصل القدس بمستوطنات "غوش عتصيون" وهذا من شأنه تغيير الوجه الحضاري والديمغرافي والسكاني في مدينة القدس، منوها إلى أن كل ما يقوم به الاحتلال مخالف للقانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية.
بدوره، رأى مدير مكتب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في بيت لحم حسن بريجية أن هذا الخبر هو إعلان لا يزال قيد التخطيط، وتم الكشف عنه الآن في سياق الانتخابات لدى الاحتلال.
واعتبر أن المخطط يكشف عن مطامع الاحتلال بالتوسع في الأراضي الفلسطينية وسرقة المزيد منها، سيما في شمال محافظة بيت لحم الواقعة تحت الاستهداف ضمن مشروع القدس الكبرى.
والعام الماضي صادقت لجنة التخطيط والبناء المحلية التابعة لبلدية الاحتلال في القدس على مخطط لبناء برجين بارتفاع 30 طابقا في مستوطنة "غيلو" جنوب المدينة المحتلة.
وقالت صحيفة "كول هعير" الإسرائيلية: "تقترح الخطة التي تمت الموافقة على إيداعها من قبل اللجنة المحلية، هدم حوالي 80 وحدة سكنية وبناء أكثر من 400 وحدة جديدة في ثلاثة مبانٍ؛ البرجين ومبنى آخر مكون من 9 طوابق".
وأشارت إلى أن المشروع يتضمن أرضاً بمساحة 10 دونمات ويشمل روضة أطفال ومعابد يهودية ملاصقة للمباني إضافة إلى موقع تجاري.
وقالت: "تتضمن الخطة أيضا مساحة عامة مفتوحة في وسط المجمع، مع إنشاء شبكة من المسارات التي يمكن السير عليها ويمكن الوصول إليها من الشوارع المجاورة".
ولاقى هذا المخطط، فور إعلانه، رفضا خجولا على حد وصف المختص في شؤون القدس فخري أبو ذياب، الذي قال إن مخططات الاحتلال الاستيطانية في القدس لاقت استنكارات خجولة لا يلقي لها الاحتلال بالا.
وتابع: المجتمع الدولي برمته معروف بازدواجية المعايير والقضية الفلسطينية لم تعد ضمن أولوياته وعلى أجندته.
من جانبه، حذر القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عبد الرحمن شديد، من خطورة إعلان الاحتلال عن اتفاق لبناء 1250 وحدة استيطانية في مستوطنة "جيلو" المقامة على أراضي بيت جالا بالقدس المحتلة.
وقال شديد، إن إعلان الاحتلال جريمة جديدة تُضاف إلى جرائم الإحلال والتهويد وسرقة الأراضي وتشريد السكان، مشيراً إلى أن الاحتلال يوغل في البناء الاستيطاني بعد الضوء الأخضر الأمريكي الذي تلقاه خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، والصمت الدولي المريب وسياسة ازدواجية المعايير.
وأكد أن سياسة الاحتلال الإحلالية التهويدية رسالة للمطبعين ولمن يعلق آماله على أوهام التسوية، بأن الاحتلال متعطش لمزيد من القتل وسرقة الأراضي واقتلاع السكان، ولا يقيم وزنا لأي جهود تبذل لإنهاء الاحتلال.
وأضاف أن زيادة وتيرة الاستيطان تستدعي تصعيد المقاومة واستهداف المستوطنات والمستوطنين وإشعال الأرض تحت أقدام الاحتلال في المناطق كافة، والتصدي بكل قوة لعنجهيته وغطرسته.
بدوره قال الناشط المقدسي إبراهيم عثمان لـ"صحيفة الحدث" إن المطلوب اليوم في ظل هذه الهجمة الاستيطانية الشرسة التي يمارسها الاحتلال هو التحرك العاجل على المستوى الدولي والمحلي لوقف هذه المشاريع التي ستغير الهوية العربية الفلسطينية للقدس.
وتابع: كما أنه يجب تشكيل خطاب سياسي إعلامي إلى جانب الحراك الشعبي الذي أثبت جدواه في كافة الأزمات التي عصفت في القدس.
في سياق متصل، بدأت بلدية الاحتلال بإقرار أولى خططها الاستيطانية الجديدة في مدينة القدس المحتلة، مع بداية العام 2022، تمهيدا لإحكام سيطرتها الكاملة عليها.
وأوضح فخري أبو ذياب لـ"صحيفة الحدث" أن هناك مخططا إسرائيليا عامّا وشاملا لإقامة حزام استيطاني، يبدأ بقلنديا شمال القدس، وصولا للمنطقة الشرقية E1، وجنوبا بيت صفافا وصولا لبلدة صور باهر.
وأشار أبو ذياب إلى أن رئيس بلدية الاحتلال موشيه ليئون يخطط لبناء 57 ألف وحدة استيطانية جديدة في مدينة القدس خلال الأعوام القليلة القادمة، لأن القدس أصبحت على رأس أولويات حكومة الاحتلال التي باتت تعمل بشكل مكثف ومتسارع مستخدمة كافة الوسائل لأجل تغيير واقعها العربي والإسلامي.