الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عن مبادرة التغيير الجديدة في فلسطين| بقلم: عوض عبد الفتاح

2022-09-07 12:51:49 PM
عن مبادرة التغيير الجديدة في فلسطين| بقلم: عوض عبد الفتاح
عوض عبد الفتاح

النفسُ الفلسطينية القلقة والمُعذبة التي ترزحُ تحت القهر لا تهدأ. فالمبادرات لإراحة هذه النفس، ومجازاً جموع الفلسطينيين، لا تنفك تتوالد، في بحثٍ مضنٍ لا يتوقف عن الخلاص.

إن "التحالف الشعبي للتغيير" هو أحدث مبادرات التغيير في فلسطين، بدأ التحرك بشأنه أواخر العام الماضي. ويوحي القرار بإطلاق هذه المبادرة الجديدة بأن المبادرات التي سبقتها، لم تُفلح في تحقيق المـأمول، أو في إحداث صدعٍ قوي في مبنى السياسة التقليدي المتكلس، أو لم تشكل محوراً جامعاً حقيقياً يلتفُّ حوله الجموع. لكن هل يُفهم من ذلك أن المبادرات السابقة، كانت إخفاقاً مطلقآً. لا اعتقد . إنها عبرت وتعبر، عن النفس القلقة، وعن المعاناة الداخلية لشرائح واسعة من النخب والناس عموماً، كما تتجسد فيها روح الاجتهاد الانساني المتنوع، وعن الدافع الانساني لمقاومة اليأس، وللتجريب والمحاولة للخروج من المأزق او اكتشاف الجديد. و في رأيي كل مبادرة جديدة تستفيدُ من التي سبقتها، بإيجابياتها وإخفاقاتها، لأنّها تولّد قدراً من الديناميكية، وقد تُحدث تراكماً مع مرور الزمن. وربما يعكس تتابع المبادرات الكثيرة الواقع المركّب الذي أنتجته السياسات القديمة، وبنيتها المعيقة والهدّامة. وفي نفس الوقت، تعكسُ إصرار َالفلسطيني على تخطّي واقعه، وتشييد دعائم جديدة لحاضرٍ مختلفٍ، ومستقبلٍ تحرري.

ما هو "التحالف الشعبي للتغيير" ؟ . لستُ أحد مُطلقي المبادرة، ولا من الذين صاغوا البيان التأسيسي الهام، والذي اعتقد أنه يحتاج الى تطوير بمضامينه ولغته السياسية، ولكنّي دعيتُ لاحقاً، كناشطٍ من داخل المنطقة المستعمرة عام ١٩٤٨، للمشاركة في اجتماعاتها، ولقاءاتها، المستمرة، وفي إحدى لجانها المنبثقة عنها، كون المبادرة تقوم على رؤية الكل الفلسطيني، وحدة واحدة. ويجري التواصل مع أطر فلسطينية تمثيلية، من داخل الخط الاخضر لتكون شريكة في هذا الجهد. وأعرفُ معظم الشخصيات المنخرطة فيها، وهي كما أعتقد تحظى بمصداقية عالية، واستقامة واستقلالية في التفكير . وهم من الذين إما هجروا تنظيماتهم وفصائلهم، بسبب عجز تلك الفصائل عن التجديد وإضمحلال شعبيتها، وتراجع قوتها وتأثيرها، أو من النشطاء المستقلين، الباحثين عن المعنى، وعن الإنقاذ.

لا يستطيعُ أحدٌ منا أن يَجزمَ ما إذا كانت هذه المبادرة الجديدة ستؤتي ثمارها، أم ستلاقي مصير غيرها من المبادرات الهامة الأخرى، التي لا يزال أغلبها يعمل، دون أن تُحدث إختراقاً حتى الآن. فالتحديات هائلة، وحجم الخراب الذي أحدثه إتفاق اسلو وخاصةً مضامينه الأمنية والإقتصادية، كارثية. لكن المبادرين الجدد مُصرّون على إنجاح المهمة، وعلى اعتماد الحكمة في مجابهة الهياكل المتحكمة بالشعب الفلسطيني، سواء نظام الاستعمار أو الوسطاء المحليين. والأهم أن مبادرة "التحالف الشعبي للتغيير" تطرح صيغة تنظيمية جديدة لكيفية إحداث التغيير، الصيغة الشعبية، التي تقوم على الإسقلالية الكاملة عن أي إطار قائم، و حيث العضوية فيه فردية. وهي تحترم تاريخ الفصائل والحركات السياسية الوطنية، ولا تصطدم معها، ولا تستثنيها من التعاون والتشبيك. ولكن لن تكون الهيمنة لها. ذلك هو شرط النجاح بحسب المبادرين.

تنطلق المبادرة من الإرادة الذاتية، ومن تركيز الجهد في المرحلة الأولى على عملية إعادة البناء الداخلي. اذ بدونه لن تقوم قائمة للمشروع التحرري الفلسطيني، بل قد تشهد الساحة الفلسطينية الداخلية، على خلفية الفساد المستشري، والصراع على الخلافة داخل السلطة الفلسطينية، مصيراً كارثياً، قد يحتاج لأجيال من أجل اصلاحه، وهو ما يعمل عليه نظام المستعمرة الصهيونية، منذ أن بدأ بتنفيذ مغامرة اغتصاب فلسطين.

جاء في البند الاول من البيان التأسيسي : " إعادة الاعتبار الى منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وحاضناً أميناً على المشروع الوطني الفلسطيني المنبثق من الميثاق الوطني الفلسطيني لسنة ١٩٦٨" .

وفي البند الثاني: " إعادة بناء وتطوير وتفعيل دور م.ت. ف. لتستعيد دورها القيادي في النضال الوطني ومن أجل إنقاذ المشروع الوطني التحرري، وذلك من خلال توحيد القوى والفعاليات الوطنية الفلسطينية وبإشراك كافة القوى السياسية الفاعلة عبر إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفسطيني والذي يقوم بدوره بتشكيل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي" .

وتأتي البنود اللاحقة على الخطوات والآليات التي تُعتمد لتحقيق هذا الهدف، ويجري العمل فيها حالياً، تقود في المرحلة الأولى إلى عقد مؤتمرٍ وطني شعبي في الوطن والشباب، أو عدة مؤتمرات بالتوازي، يتبعها مؤتمرٌ استراتيجي يخرج باستراتيجية بناء و عمل ومواجهة متفق عليها . ويسبق ذلك كما جاء في البيان "إقرار خطط عمل تتعلق بكل تجمع فلسطيني تراعي ظروف وأوليات كل ساحة من ساحات التواجدالفلسطيني لضمان تنسيق وقيادة الفعاليات الوطنية والشعبية والتي يمكن أن تشمل أنشطة نضالية وطنية بمشاركة كافة القطاعات" .

ويتلخص كل ذلك في " بلورة تيار وطني عابر للتجمعات والفصائل، وظيفته الضغط السياسي والجماهيري لفرض إجراء الانتخابات الشاملة وإعادة بناء كل مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، والحركة الوطنية ..."

إذاً الآلية المعتمدة تختلف عن مبادرات الاصلاح والمصالحة بين الفصيلين المركزيين؛ حركة فتح وحركة حماس، والتي لم تؤدي سوى إلى تجذير الانقسام، وتعميق الازمة. إذ هذه الآلية تجدد، وتضيف الى مبادرات أخرى هامة لم تحرز تقدماً، مساراً مختلفاً، باعتقادي سليم نظريا، ولكنه في نهاية المطاف ينتظر اختبار التجربة في الميدان. والمقصود العمل من تحت، من الشارع الشعبي، وليس من فوق، أي من خارج الهياكل التمثيلية القائمة والفصائل والاحزاب. فمبادرات الإصلاح التي تدخّلت فيها دول عربية، إضافة الى دولة جنوب أفريقيا الصديقة، استمرت على مدار ١٥ عاما، دون جدوى، بل عمّقت الإحباط وضعضعت الامل . ومن المفروض، وانطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا أن يُرحب طرفا النزاع الداخلي، والفصائل، بهذه المقاربة، التي تعتمدها المبادرة.

ينتظر "التحالف الشعبي للتغيير " تحديات هائلة، لا تنبع من تعمق الحالة الاستعمارية الاستيطانية العدوانية، التي ولدت نظامَ فصلٍ عنصريٍّ أكثر قبحاً واجراماً من نظام جنوب أفريقيا البائد، فحسب،بل أساسا من واقع تحول حركة التحرر الوطني الفلسطيني التاريخية الى وكيل للاستعمار، فرّخ طبقة مرتبطآً مصيرها بالمستعمر وحمايته، وأنتج ثقافة معادية للتحرر والمقاومة. وهذا الاخير هو في الواقع أول وأخطر التحديات الذي سيتعين على التحالف الشعبي التعاطي معه، بشجاعة وحكمة، وتخطيط سليم.

لا تتحرك مبادرة التحالف الشعبي، أو المبادرات الاخرى، من عدم، بل من تجدد روح الفعل والمقاومة في أوساط الشعب الفلسطيني، وظهور جيل مناضل جديد، قلب حسابات ومراهنات المستعمر ، وقوّض أوهام معسكر انظمة الخيانة العربية. إنها معركة طويلة، تبدأ في انتاج وعي تحرري جديد، ببعد انساني واخلاقي شامل، وتمرُّ بتشكيل الجبهات المحلية والعربيةوالعالمية٠ المدنية والشعبية) ، لشق طريق جديد نحو دحر نظام الاستعمار .