الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حرب على المؤسسات التعليمية في القدس

2022-09-08 11:30:09 AM
حرب على المؤسسات التعليمية في القدس

الهدمي: إذا خسرنا معركة التعليم سنخسر كل المعارك في القدس

أولياء أمور الطلبة: لن نتهاون مع قرارات الاحتلال حتى لا يتمكن مستقبلا من إغلاق مدارس الأوقاف

الشمالي: الاحتلال يسعى لسلخ الطالب الفلسطيني عن ثقافته الفلسطينية وتحويلها إلى إسرائيلية

 

الحدث - سوار عبد ربه

مع بداية العام الدراسي الجديد في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، لا تزال قضية التعليم هي الأكثر تداولا في الوسط المقدسي، لما حمله هذا العام من تطورات وصفها مطلعون على شؤون التعليم في العاصمة المحتلة بالخطيرة.

ملف التعليم، أعيد إلى الواجهة مؤخرا بعد إصدار وزارة معارف الاحتلال قرارا يقضي بسحب تراخيص 6 مدارس في مدينة القدس، بحجة ‏‏"التحريض" عبر المناهج الدراسية،.‎‏ والمدارس هي: الكلية الإبراهيمية، وكافة مدارس الإيمان "للبنين والبنات" ‏الابتدائية والثانوية‎.

ففي 28 تموز أقرت وزيرة تربية وتعليم الاحتلال يفعات شاشا بيتون إلغاء التراخيص الدائمة بسبب ما قالت إنه "تحريض ضد الدولة والجيش الإسرائيلي في الكتب المدرسية".

وقال رئيس هيئة مناهضة التهويد ناصر الهدمي في لقاء مع "صحيفة الحدث" إن إغلاق هذه المدارس يشكل استمرارا لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس، الماضي في حملته التهويدية للمدينة.

وأضاف الهدمي: "الاحتلال أدرك منذ اللحظة الأولى أهمية التعليم وبناء الهوية الوطنية، فالتعليم ليس فقط الرياضات والفيزياء والكيمياء والأحياء، بقدر ما هو بناء الهوية الوطنية وصقل شخصية الأطفال الذين يعتبرون مستقبل أي بلد من البلاد، وفيما يتعلق بالشعب الفلسطيني وبمدينة القدس تحديدا هم أهم من ذلك بكثير، كون الشعب الفلسطيني يصارع من أجل الحفاظ على هويته، وروايته التي تم تشويهها وطرح الرواية الصهيونية بدلا منها، من أجل محو الشعب الفلسطيني وفلسطين من ذاكرة الشعوب والأمم".

وأوضح: "الاحتلال استهدف التعليم بشكل كامل منذ اللحظة الأولى لاحتلال فلسطين عام 1948، وأيضا كرر القضية مع المقدسيين عام 1967 حينما تم احتلال القسم الشرقي منها، وعمل على منع المدارس من تدريس المنهاج الأردني، لكن كانت هناك وقفة واضحة لأهالي مدينة القدس، واستطاعوا من خلالها أن يحافظوا على مدارسهم وروايتهم ومنهاجهم، وانتصروا إلى حد ما على الاحتلال الإسرائيلي في هذا الجانب".

وأكد الهدمي أن الاحتلال لم يتوقف منذ تلك اللحظة حتى الآن، ولم ينه هذا الصراع بل بدأ يعمل بطريقته البطيئة التي تقسم المشروع الكبير إلى أجزاء صغيرة حتى يصل إلى الهدف.

وتعقيبا على الحرب الإسرائيلية على المدارس والتعليم في مدينة القدس، كتب المربي المقدسي سامي عبد الكامل قائلا، إن الاحتلال يهاجم التعليم في القدس ومدارسها بهدوء، متبعا سياسة الخطوة خطوة، بحيث تكون الخطوة الأولى هي ربط التعليم في غالبية المدارس الخاصة بدعم مادي حتى يتم تطويعها مستقبلا لصالح الاحتلال مستغلا عدم وجود جهة خارجية لتمويل هذه المدارس.

أما الخطوة الثانية وفقا لعبد الكامل فهي بناء قلاع على شكل مدارس ذات بنى تحتية ومساحات شاسعة لاستيعاب آلاف الطلبة المقدسيين مثل مدرسة ابن خلدون للذكور ومدرسة بيت حنينا الشاملة للبنات وبمعاشات كبيرة للموظفين مقابل مدارس حكومية وخاصة كانت على شكل دور سكنية وبمعاشات أقل بكثير من نظيراتها من مدارس المعارف والبلدية.

واعتبر عبد الكامل أن الخطوة الثالثة هي الأخطر، وتتمثل في إغلاق مكتب تربية القدس وتشريد وملاحقة الموظفين، والخطوة الرابعة تتمثل في مراقبة المناهج من قبل الاحتلال بدقة واتهامها بالتحريض ضده والغرض من ذلك هو استبدال مناهج السلطة بمنهج إسرائيلي وهو (البجروت).

ويرى المربي المقدسي أنه إذا نجح الاحتلال بفرض (البجروت) على المدارس الخاصة سيطبق على مدارس الأوقاف شئنا أم أبينا، داعيا الجميع إلى الالتفاف حول مكتب التربية المقدسي وبذل الجهود لوقف تنفيذ مشاريعهم.

وفي التفاصيل، قال ناصر الهدمي، إنه قبل 15 عاما بدأ الاحتلال أسلوبا جديدا بحيث عرض على المدارس الخاصة مبالغ مالية كدعم، كون هذه المدارس تغطي النقص الحاد في الصفوف المدرسية التي من المفروض أن يقوم هو بتوفيرها  كسلطة احتلال تحكم المكان وتسيطر عليه، وكانت القضية تقدم على أن هذا حق، وليس مقابل أي شيء".

وتابع: "المدارس بدأت تأخذ هذا المال وأصبح ينمو شيئا فشيئا، وتزداد نسبته من الميزانية الخاصة للمدارس، مما زاد من اعتماد المدارس عليها، حتى وصلنا إلى مرحلة أصبح الاحتلال يبتز هذه المدارس، ويساومها على هذه المبالغ، بحيث أنه أصبح يشترط عليها مقابل الحصول على ترخيص ودعم؛ تدريس المنهاج الإسرائيلي والرواية الصهيونية".

وأردف: في وقت لاحق، بدأ الاحتلال بتحريف الكتب وتقديم كل ما هو خال من الرواية الفلسطينية في خطوة متقدمة لابتزاز المدارس، وهذا العام تطور الأمر بشكل دراماتيكي، حيث أصبح الاحتلال يستخدم أسلوب العربدة والبلطجة، فكل من يضبط لديه كتب من المنهاج الفلسطيني ستغلق مدرسته، وهذا التعدي هو تعد على القانون الإسرائيلي كما هو تعد على القانون الدولي الذي يعتبر مدينة القدس مدينة محتلة، وأهلها شعب تحت الاحتلال من حقهم مقاومته وتربية أبنائهم وبناء هويتهم وفق الرؤية التي يرونها مناسبة وليس من حق الاحتلال أن يتدخل في هذا الأمر".

وتكفل المادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الشعوب تحت الاحتلال في الحصول على التعليم الذي يتماشى مع معتقداتهم وحماية ثقافتهم وتراثهم من التغيير أو التشويه.

بدورها، قالت وزارة التربية والتعليم إن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتحريف كتبنا كما يحلو لها، وإعادة طباعة الكتب المحرفة والإبقاء على أسماء مؤلفيها هو جناية سيتم مقاضاتها عليها وفقاً لأحكام الشرعة الدولية.

وأضافت "التربية" في بيان، أن سلطات الاحتلال تشن هجمة شرسة وغير مسبوقة على التعليم الفلسطيني في القدس العاصمة، كجزء لا يتجزأ من خططها لضمها ومحو كل ما هو فلسطيني من معالمها المادية والمعنوية والروحية وطمسها وتشويهها.

وتابعت أن أبرز انتهاكات الاحتلال بحق التعليم، هو تحريف الكتب المدرسية الفلسطينية وتزويرها، وتهديد المدارس الفلسطينية على تبني الكتب المحرفة بالإكراه، والضغط عليها لاستحداث برامج التعليم (الإسرائيلية) المُعتمدة لديها، مؤكدة أن الضغط المحموم على المدارس الفلسطينية في القدس لاستخدام الكتب المحرفة تحت طائلة التهديد بالإغلاق، يعد انتهاكا صارخا للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات ذات العلاقة التي تقضي بحماية حق الأطفال في التعليم الطبيعي. 

ورأى الهدمي، أن الاحتلال خرق القانون ويقوم بما يقوم به الآن من أجل أن يفرض روايته بشكل كامل وأن يحسم قضية القدس التي تغير واقعها القانوني بناء على الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الكيان. موضحا: "الاعتراف الأمريكي فتح علينا أبوابا كثيرة من المخاطر والتعديات على حقوق الشعب الفلسطيني لم تتوقف عند نقل السفارة التي باتت بسيطة جدا مقارنة بما يعانيه أهل القدس من تغير الواقع القانوني، بحيث أصبحوا أقلية تعيش في عاصمة لدولة معترف بها عالميا ومن حق هذه الدولة أن تطبق القانون وفق رؤيتها في عاصمتها، بينما الواقع القانوني الدولي لأهل مدينة القدس شعب تحت الاحتلال من حقه المقاومة والحفاظ على هويته".

آليات المواجهة

في هذا الجانب يرى رئيس هيئة مناهضة التهويد أن آليات المواجهة تعتمد على أولياء الأمور وعلى الطلاب، فمن حقهم أن يختاروا تدريس أبنائهم وأن يبنوا هويتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة وفق الرواية التي يتبنونها وليس من حق الاحتلال أن يجبرهم على شيء لا يريدونه.

وأشار الهدمي إلى أن وقفة أولياء الأمور ووحدتهم في مواجهة هذه الهجمة الصهيونية هي الأساس في حل هذه القضية ويجب على كل المدارس -ليس فقط من تم توجيه تهديد لها-، أن تقف وقفة واضحة بموقف واضح ليس فيه أي لبس، والموقف يجب أن يكون "لا نريد ونرفض تدخل الاحتلال بتحديد ماذا نُعلم أبناءنا في مدارسنا".

وفي سؤال افتراضي عما إذا نجح الاحتلال في تطبيق خطته ونشر الرواية الصهيونية في كافة المدارس الفلسطينية، شدد الهدمي على أن هذا القرار لن ينتهي عند تشويه صورة الشعب الفلسطيني أولا وتغيير الرواية أمامنا وأمام أبنائنا، لأنه لا يوجد شعب على وجه الأرض يتم احتلال أرضه ونهب خيراته يقبل أيضا بأن يردد أبناءه رواية الاحتلال هذا لم يحصل في التاريخ، مشيرا إلى الهنود الحمر في الولايات المتحدة كمثال، "فهم الذين أبيدوا عن بكرة أبيهم إلا أن لا يزال هناك من يحمل الرواية ويحفظها وينقل تاريخ الإجرام".

وأكد الهدمي على أنه لو اضطر الأمر لأن يفقد الطلاب سنة أو سنتين من حياتهم الدراسية، يجب ألا تكون هناك مشكلة لدى الأهالي، يكفي أن نحافظ على أبنائنا كفلسطينيين لا أن يحملوا فكر الاحتلال والمناهج التعليمية الإسرائيلية.

من جانبهم، أجمع أولياء أمور الطلبة في لقاء مع "صحيفة الحدث"، على أن الحفاظ على الهوية الوطنية أولوية بالنسبة للمقدسيين، مهما توغل الاحتلال في تهديداته وممارساته بحق القطاع التعليمي، إلا أن الأهالي والطلاب موقفهم واضح وصارم، مطالبين المدارس بالثبات وعدم الانجرار وراء أي مغريات من الممكن أن تعرضها سلطات الاحتلال عليهم، أو أي تهديدات تطالهم.

كما أكد أولياء الأمور، أنهم يدركون صعوبة الوضع التعليمي في القدس، قبل الهجمة الشرسة التي يشنها الاحتلال الآن عليه، لذلك هذه التهديدات لن تنال من عزيمتهم في مجابهة كافة محاولات الأسرلة والتهويد التي تسعى إليها سلطات الاحتلال في كافة القطاعات وعلى رأسها التعليم.

وأظهرت مقاطع فيديو مجموعة من أولياء الأمور وهم يوزعون الكتب المدرسية الفلسطينية على الطلبة من أمام الكلية الإبراهيمية التي سحب الاحتلال ترخيصها مؤخرا. كما وطالب أولياء الأمور الجهات المعنية وعلى رأسهم السلطة الفلسطينية بتقديم الدعم المالي اللازم لحماية المدارس من الابتزاز المالي الذي تمارسه سلطات الاحتلال على المدارس الفلسطينية في القدس، تجنبا لأي إغلاق محتمل لمدارس الأوقاف التابعة لها في العاصمة، كما طالبوها بالوقوف عند مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي، لحماية المناهج الفلسطينية والمدارس والمعلمين وكل ما يتعلق بالشأن التعليمي.

عن دور السلطة الفلسطينية

في هذا الشأن أكد ناصر الهدمي، أنه اجتمع مؤخرا وشخصيات مقدسية، بوزير التربية والتعليم الفلسطيني قبل أن تتفاقم القضية وعرضوا عليه القضية وتبعاتها والدور الذي يجب أن تقوم به السلطة وهو التوجه إلى المؤسسات الدولية وتجريم الاحتلال من كل الممارسات التي يقوم بها في مدينة القدس وعلى رأسها موضوع المسجد الأقصى المبارك والتعليم في المدينة.

ووصف الهدمي موقف السلطة بالمتخاذل والطاعن لمدينة القدس، لما يجري من أحداث تعبر عن موقفها، فهي لا تريد أن تدعم المقدسيين وتكتفي فقط بطباعة الكتب.

وأوضح: "يبدو أن السلطة لا تعي أن التعليم يحتاج إلى ميزانيات وموقف وطني واضح بحيث أن كل مدارس فلسطين يجب أن تقف عند مسؤولياتها من أجل التعليم في مدينة القدس، واليوم إذا خسرنا معركة التعليم في العاصمة، سنخسر كل المعارك فيما بعد".

من جانبه، قال رئيس اتحاد لجان أولياء الأمور زياد الشمالي، لـ"صحيفة الحدث"، إن "الهدف المركزي من تدريس المنهاج الصهيوني هو تهويد العقل، وجعل الطالب الفلسطيني يدخل في عملية سلخ عن الثقافة الفلسطينية لصالح الإسرائيلية".

ووفقا للشمالي؛ طرحت المعارف الإسرائيلية وبلدية الاحتلال في مدينة القدس في وقت سابق الخطة الخمسية التي تعمل على أن تصبح نسبة المدارس التي تتبع للاحتلال 90% في القدس، ورصدوا لها ما يزيد عن 2 مليار و100 مليون شيقل لأسرلة كافة قطاعات المدينة وعلى رأسها قطاع التعليم.

وتوجد 45-47% مدارس في القدس تتبع إلى بلدية الاحتلال و23% مدارس خاصة ترخيصها وتمويلها إسرائيلي و10% مدارس أهلية وأيضا تتلقى أموالا إسرائيلية و8% مدارس تتبع للأوقاف الإسلامية والسلطة الفلسطينية.

وبحسب الشمالي فإن الـ 8% أصبحت شبه فارغة من الأعداد اليوم بسبب عدم وجود دعم حقيقي  وموازنات جيدة وتطوير من السلطة، كما أن أبنيتها مستأجرة، في المقابل تتوفر في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال مختبرات وملاعب وساحات وألواح إلكترونية.

ويوضح الشمالي أن النقيض كبير والمشكلة بالقدس هي الحاجة إلى همة قوية ونهضة قوية لتوفير أكبر عدد ممكن من المدارس التي لا تخضع لتمويل إسرائيلي ولا لترخيص إسرائيلي؛ لتحافظ على المنهاج الفلسطيني.

واقترح على السلطة الفلسطينية أن تعطي تمويلا لمؤسسات خاصة عن طريق مؤسسات دولية لبناء مدارس وتوفير أراض، فليس المطلوب من السلطة أن تأتي لتبني إذا كانت الحجة أنها ممنوعة من القيام بشيء داخل القدس.

ميزانيات الاحتلال لتهويد التعليم

وفي ورقة للمبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" بعنوان "الحفاظ على نظام التعليم الفلسطيني في القدس في مواجهة سياسات الأسرلة"، أظهرت أن الاحتلال خصص ميزانية 2 مليار و100 مليون شيقل لتهويد القطاعات المختلفة في مدينة القدس خلال خمس سنوات (2018 – 2022)، ويأتي على رأس الاستهداف تهويد وأسرلة النظام التعليمي في القدس بشكل كامل.

كما كشفت الورقة أن الميزانية هذه تشمل "ما يتم استخدامه من أدوات وآليات وضغوطات على المدارس في المدينة لإنهاء اعتماد المنهاج الفلسطيني واستبداله بالمنهاج الإسرائيلي، عدا عن عمليات التحريف لمحتوى المنهاج الفلسطيني خاصة في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال، وافتتاح معاهد جديدة لتعليم المنهاج الإسرائيلي المعروف بـ "البجروت" مقابل التضييق على البنية التحتية للمدارس الفلسطينية ومنع توسعها، وعدم إعطاء تراخيص لمدارس جديدة إلا حال موافقتها على اعتماد نظام التعليم الإسرائيلي، وابتزاز المدارس الخاصة بالموازنات المالية، وتتويج هذه السياسات بإغلاق مكتب التربية والتعليم الفلسطيني بشكل يستهدف السيادة والهوية الوطنية الفلسطينية في القدس".