نَشرتُ بتاريخ 02-06-2019 مقالا في صحيفة الحدث بعنوان "المسؤول والراتب والمساءلة" حول انتفاضة وسائل التواصل الاجتماعي ودكاكين العمل "الوطني" والمجالس العامة وغيرها، بشأن زيادات تمت على رواتب وزراء الحكومة السابعة عشر، واحتسبت في حينه وغيري من المراقبين للحكومة الحالية ورئيسها هذا الكشف، الذي تم تحت عنوان الشفافية والحرص على تطبيق القانون. وكما يذكر المتابعون، فقد تمخضت تلك الانتفاضة عن قرار استعادة النثريات وزيادات الرواتب للوزراء ومن في حكمهم بأثر رجعي نظرا "لعدم قانونية صرفها" كما تم الادعاء في حينه.
إلا أن تقديرنا لهذه الخطوة لم يطل، نظرا لعدم تقيد المستفيدين بإعادة ما قبضوه للخزينة، باستثناء عدد يقل عن أصابع اليد الواحدة، دون أن تتخذ الحكومة أو أي هيئة رقابية مثل هيئة مكافحة الفساد أو ديوان الرقابة الإدارية والمالية إجراءات عملية لإغلاق هذا الملف كما يجب (بحدود ما أعلم). وكالعادة، طويت هذه الصفحة كغيرها بانتظار الفضيحة التالية.
فوجئنا قبل أيام بأن كل الزوبعة واستلال السيوف من الحكومة الحالية لتصويب هذا الوضع في حينه، لم تكن إلا مجرد "نكشة تحت حزام الحكومة السابقة ممثلة برئيسها"، حيث توصلت صحيفة محلية (الحدث) إلى معلومات مفادها أن علاوات بقيمة (2,000 دولار) تدفع بانتظام للوزراء ومن في حكمهم، وأن وزراء حكومتنا الرشيدة ومسؤولي الصف الأول في البلد يتقاضون 100% من رواتبهم، وليس 80% كباقي "شغيلة القطاع العام"، ونُشرت وثائق على منابر التواصل الاجتماعي تؤكد ما كشفته صحيفة الحدث.
وكما أشرت في مقالي المنشور عام 2019، فإنني لا أرى سببا للتحفظ على مبالغ رواتب المسؤولين ومكافآتهم، مهما علت لكون كل منهم يتحمل مسؤولية كبيرة عن قطاع من قطاعات المجتمع والاقتصاد، شريطة أن تصدر وفقا للقانون، وأن يخضع كل مسؤول خلال ولايته للرقابة المستمرة والمساءلة المهنية والسياسية والمجتمعية، حول دوره وإنجازاته خلال تولي مهمته. إن الرأي العام يخطئ بالتركيز على سوء نية الحكومة بالإعلان عن علاوات للحكومة السابقة والتعهد باستردادها، والحصول على نفس العلاوات بالسر، وبدون مرجع قانوني، إضافة لتمييز نفسها عن باقي الموظفين بصرف علاوة الـ 2,000 دولار شهريا ودفع رواتب المسؤولين كاملة، كما أوردت الصحف، وصرف 80% فقط لباقي الموظفين مع تحميل ألف جميلة، بدلا من المراجعة المستمرة لإنجازات الحكومة السرابية وصمتها عن تجاوزات خطيرة تتم في مجالات عديدة، ومحاصرتها القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، والعمل منفردة في كل مجال تقريبا.
مرة أخر، يستدعي هذا الكشف الخطير سلسلة قرارات وإجراءات تصحيحية من قمة الهرم لإنقاذ ماء وجه النظام السياسي، بما في ذلك تشكيل لجنة وطنية نزيهة وموضوعية ومستقلة للاطلاع على كافة الحيثيات وعقد جلسات مساءلة مع الوزراء والمسؤولين حول هذا الموضوع وحول دور مجلس الوزراء باتخاذ مثل هكذا قرارات وطريقة عمله، وإصدار تقريرها واستنتاجاتها على الملأ، ويستدعي كذلك تحرك ديوان الرقابة المالية والإدارية لفحص آليات عمل مجلس الوزراء ودوره في إصدار مثل هكذا قرارات، وتحرك هيئة مكافحة الفساد للاستقصاء والتحقق بشأن مدى التزام المستفيدين بإنفاذ قرار إعادة المبالغ التي تحصلوا عليها.
إن هذا الكشف يؤكد موقف الرأي العام بأن هذه الحكومة فاقت بإخفاقاتها وبيع الوهم في مشاريعها السرابية كل تصور. وحيث أنها في نهاية المطاف حكومة الرئيس وحركة فتح، فإنه مطلوب من الرئيس وفتح اتخاذ ما يلزم للإطاحة بها بأقرب فرصة وإنقاذ ماء وجه النظام السياسي، خاصة وأن الرأي العام والمجتمع الفلسطيني بشكل عام يُحَمِّل حركة فتح وزر خطاياها، وأخشى على حركة فتح من فقدان الكثير من قواعدها الشعبية نتيجة لذلك، ودفع ثمن تبني هذه الحكومة في صندوق الاقتراع في أي انتخابات تشريعية قادمة، يوما ما.
ختاما، ورد في بيان وزارة المالية أنه "بموجب أحكام المادة رقم (14) من ذات القانون فإن الوزراء يستحقون مبلغ 15,000 دولار وذلك بدل تحسين أوضاع تصرف لمرة واحدة عند تعيينه، إلا أنه لم يتم صرف هذا المبلغ لأي من الوزراء في الحكومة الحالية". للحقيقة، ومن واقع تجربتي ومعايشتي، فإنني أؤكد أنه لم يتم العمل بهذه المادة مطلقا في عهد أي حكومة منذ حكومة الرئيس الراحل سيد الشهداء أبو عمار، مرورا بحكومة أبو مازن عام 2003، وحتى حكومة د. رامي الحمد الله، باستثناء عدد محدود من الوزراء لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وباستثناء مباشر من الرئيس في كل حالة.