الحدث الثقافي
عقدت يوم أمس الأربعاء، أمسية إطلاق وصدور كتابي "ثمرة الغراب" و"سنة الحيّة، روزنامات العصور الحجرية" للشاعر زكريا محمد، في مركز خليل السكاكيني برام الله، تخللها تقديم لقصائد، وإلقاء لبعض النصوص من كتابيه الجديدين، وحوار أدارته الشاعرة داليا طه.
وقالت طه في تقديمها للشاعر، إن زكريا يعي أن على الكلمات أن تمسك الأشجار وهي مسكونة برعب الحنان، أن تصبح حجارة وهي ملطخة بالدماء أن تشق الشوارع وأيلول يرمي سماءه الحمراء فوق وجوهنا، إذ يقول زكريا محمد ليس هناك شيء لا يمكن تحويله إلى شعر، فالشعر هو كل ما يستدعي انتباه عينيه، أي تلك الأشياء التي تفلت من قبضة الحكمة أو قبضة المعنى أو الوضوح.
وترى طه أن شعر زكريا محمد صعب وربما هذا أول ما يميزه في قصائده ولا يمكن لنا إلا أن نستمتع بطلاقة اللغة ومعجمها الهائل لثرائها المدهش، ذلك الثراء الذي يهدم الأسوار، ويملأ الفراغات ويتغلغل بالصمت، ويهجم نحو ما يثير فضوله، وينتشي بالمجهول، تراه نلمس فيه شيئا ما ينبض، شيء ما يندفع ويتحرك.
وقارنت الشاعرة في كلمتها بين لغة الشعر التي يستخدمها زكريا محمد واللغة النقيضة لها، التي تتمثل في اللغة الإحصائية والتقريرية والقانونية، ولغة الدول والحكومات والمؤسسات، معتبرة أن النوع الثاني من اللغة يمارس العنف ويصغر العالم ويشل الفضول، وتقول عش بهذه الطريقة أو ابحث عن ذلك الشخص، هذا أنت أو هذا ما عليك أن تفعله في حياتك، وتقرر أو تقتل أو تبرر القتل، وتستبد وتحكم وتضعنا في خانات وجماعات، وترتب ما قيل وتسحق الخيال، وتتزمت أمام التنوع.
وبحسب طه، من يقرأ قصائد زكريا محمد، يملؤه شعور طاغ بالبهجة، يدفعنا لأن نضع الكتاب على جنب ونغادر مقعدنا ونتمشى في البيت بلا هدف، وبهذا تجيب على السؤال الذي يعتري القارئ لقصائده: ما هو الشعر؟، فما تفعله قصائد زكريا هي إجابة على هذا السؤال.
وفي وصف فعل الشعراء تقول طه إنه ينتزع اللغة من قبضة آسريها، من فهم السياسي، من ضوضاء الإعلانات وثرثرة التلفاز وأفواه الخطباء وكليشيهيات المشاهير، وبلاغة القانون، وكتب العلوم، وتشابيه الأكاذيب، ومن أفواه الفاشيين أي تلك اللغة الموجودة لتمارس الطغيان، تلك التي تستبد وتبرر الاستبداد وتحول اللغة لجثة هامدة.
وفي سؤال حول العوالم التي تلفت انتباه زكريا أثناء الكتابة، يقول: الطبيعة التي تعيدنا إلى الطفولة والتي تشعره بالحزن لأن الطبيعة في فلسطين وتحديدا في الضفة الغربية تموت شيئا فشيئا، ونحن لا نفعل شيئا جديا لوقف موت الطبيعة.
والشعر وفقا لزكريا هو نوع من التسمية، فإذا سميت الأشياء بشكل صحيح كأنك تخلقها وتجعل الناس يرونها، وفي قصائده يحاول أن يسمي الأشياء بمسيات دقيقة، منوها أنه يكتب بلغة بسيطة، ويستخدم لكسر هذه البساطة جملة قاموسية.
وقال زكريا إنه في الفترة ما بين عامي 2013-2014 حصل تغير جذري في شعري، إذ في الدواوين الخمسة الأولى كانت لقصائدي بداية ونهاية وتسلسل منطقي تسير وفقه القصيدة، وفي الدواوين الأربعة الأخيرة أصبحت القصائد تذهب باتجاهات متضاربة ومتعاكسة، حتى أصبحت أنا لا أعرف القصد والمعنى النهائي لما أكتبه.
وعن العلاقة بين الشاعر والقراء، يعتبر زكريا أن لا شعر بدون قراء، على الأقل في رأس كاتبه، والكتابة هي محاولة لطرد هذا القارئ من الدماغ، لأن وجوده يفرض عليك بشكل أو بآخر ماذا تكتب، ويحدد لك ذلك، والصراع مع هذا القارئ المفترض مركزي في الحياة الكتابية والحياة الشعرية على وجه الخصوص، وكلما أبعدت هذا القارئ كلما كنت حرا أكثر.
وحول جدوى الشعر يرى زكريا أن الشعر يؤثر بأعداد قليلة من الناس، وببطء شديد، لكن بالتأكيد له جدوى، لا يمكن قياسها أو رؤيتها، وفي الستينات والسبعينات كان الشعر على مستوى العالم يتناول القضايا السياسية، للاعتقاد أن الشعر هو عامل مهم في تغيير العالم، لكن هذه الفكرة ضربت لاحقا، خاصة في منطقتنا.