الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لماذا تركنا المخيم وحيداً؟

2022-10-14 10:29:15 AM
لماذا تركنا المخيم وحيداً؟
رولا سرحان

 

يبدو أن "ترك المخيم وحيداً" هي سمةٌ عامةٌ لـ "السياسة اللا سياسية" في بؤس الوعي الفلسطيني اليومي المنقسم ما بين نضالٍ افتراضي، وآخر متفرِّج، وقيادات وطنية نخبوية تعبر عن مغصها بالبيانات والتعليقات. يُتركُ المخيم وحيداً في جنين مثلما تُرك في صبرا وشاتيلا وتل الزعتر وبرج الشمالي ومخيم اليرموك. ومثلما تُتركُ فلسطين وحدها، يُحاصر المخيم، يُنتهك، يُعزل عن محيطه، وتجري محاولاتُ تفتيته وإفراغه، مثلما يتم تفتيتُ فلسطين وإفراغها.

المخيم- المخزن. مخزن المقاومين، والشهداء، ومخزن المستقبل القادم، لأنه مخزن الذاكرة التي بدونها لا يستطيع الفلسطيني أن يعرفَ كيف وصلَ إلى هنا، جالساً خلف هاتفه النقال يُعلق ويُشارك صور الشهداء وينقلُ الأخبار والمقاطع المصورة، أو مثقفاً ملتبس الهوية يُحاول التنظير من وراء الشاشة/ الحجاب كي يُفلح في تحوله الكافكاوي المسخي بأن يكون مثقفاً عضوياً وهو لم يبرح مكانه التنظيري التقليدي، لأنه لم يعد يفهم معنى المحتوى "المخيم" والتعبير "البندقية"، فيحول الشاشة إلى محتوى والتنظير إلى تعبير إنشائي.

يُصوب المخيمُ بندقيته نحو الاحتلال ونحونا؛ فعلُ مقاومة باتجاهين. نحو الواقع ونحو البلاغة، ونحو معادلة المراجع والمقامات، وحتى نحو مقاييس الجمال. يُقدم إقامةً جديدةً كل يوم في قلقِ المكان، الذي لا يجب أن يقيم فيه، مكرراً سؤاله: متى لن يكون للمخيم مخيم؟ متى سيختفي المخيم؟

الجواب بسيط، عندما لا يكون هناك احتلال/ استعمار/ اغتصاب...إلخ! ولكن الجواب ليس بهذه البساطة أو السذاجة. فقد تم تركيبُ المخيم داخل الفلسطيني قبل أن يكون على الأرض أو في منافي اللجوء والشتات كحالةٍ لا سويةٍ، يتعرف بها الفلسطيني كمشتبهٍ فيه أو مشبوه يجبُ عزله بما هو حالةٌ مرضية يجب الابتعادُ عنها، وتركها وحيدةً حتى تفتك بنفسها أو يُفتَك بها. وكيما يكون كل منا قادراً على الخروج من دائرة الشبهة، فعليه تقديمُ إقرارٍ بخلو من المرض، أو بحسن السير والسلوك. والخلو من المرضُ وحسن السلوك معنيان لمعنى واحدٍ: أن نترك المخيم وحيداً!