الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ملهاة ومأساة المصالحة| بقلم: نبهان خريشه

2022-10-14 02:14:09 PM
ملهاة ومأساة المصالحة| بقلم: نبهان خريشه
نبهان خريشة

 

اتفاق المصالحة الفلسطيني المبرم في الجزائر، في اواسط تشرين اول/ أكتوبر 2022 ، هو السابع منذ العام 2007 الى اليوم، التي أبرمت في مكه والقاهرة والدوحه، ناهيك عن أكثر من سبع لقاءات ومحادثات واعلانات، في عدد من العواصم العربيه بشأنها، على مدى نحو 15 عاما، لكن دون أن ترى هذه المصالحه النورأبدا!!    

إن اتفاق الجزائرالأخير،مشابه في كثير من بنوده لبنود الاتفاقيات السابقه، كإعادة بناء النظام الديمقراطي، وانتخاب مجلس مجلس وطني لمنظمة التحرير، والاتفاق على خطوات لإجراء انتخابات للمجلس التشريعي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالقانون الدولي، والقرارات التي تدعم حق الشعب الفلسطيني... الخ  

ولكن ما الذي منع ويمنع تنفيذ هذه الاتفاقيات؟

صحيح أن إسرائيل هي المستفيده من عدم توصل الفلسطينيين للوحدة الداخلية، وتبذل كل ما بوسعها لتعطيلها، ولكن أيضا لكل من فتح وحماس الأسباب، التي تمنعهما من عدم تنفيذ اتفاقيات المصالحه، منها:    

(أولا)  حركة حماس تأسست في ديسمبر/كانون اول 1987 ،على يد عدد من قادة جماعة الاخوان المسلمين في قطاع غزة، بعد عدة ايام على اشتعال الانتفاضة الاولى، وتعرف نفسها على أنها "حركة تحرر وطني، ذات فكر إسلامي وسطي معتدل"، ونأت بنفسها عن منظمة التحرير، برفضها المشاركة في القيادة الموحدة للإنتفاضه الأولى ، التي كانت تتشكل من فصائل فتح، والجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب، وهذا ما عزز رأي قيادة المنظمة بأن حماس تطرح نفسها بديلا لها..

(ثانيا) النهج السياسي فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية لكل من حركتي فتح وحماس خطان متوازيان لا يلتقيان، فبينما تطالب فتح بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، للعيش جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل، الا أن حماس رغم اقرارها بإقامة الدولة على حدود الرابع من حزيران 67 ، في وثيقتها السياسية التي اصدرتها في العام  2017، لا تقبل بحق إسرائيل في الوجود، واستمرارها بتبني نهج الكفاح المسلح، في مواجهة الاحتلال.

 (ثالثا) ترى فتح أن منظمة التحرير هي بيت الكل الفلسطيني، وهي ترحب بانضمام كافة الفصائل الفلسطينية، كإطار جامع للكل الفلسطيني، ولكن على اي فصيل يرغب بالانضمام للمنظمه، الاعتراف بلوائحها وقراراتها، بما فيها الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وغيرها من الإتفاقيات، في حين ترى حماس أن المنظمه بحاجه لعملية إصلاح شامله، سياسيا ومؤسساتيا وديمقراطيا، كما ترفض الاعتراف بإتفاق أوسلو الموقع بين المنظمة واسرائيل، وتطالب بإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني.  

(رابعا) ترى فتح ان أي حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها كافة الفصائل، لها اجهزة امنية واحده تتبع لوزارة الداخلية، وأنه يجب دراسة ملف الموظفين الذين عينتهم حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة (نحو 40 ألف موظف)، الا أن حماس ترفض تشكيل حكومة على غرار حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد الله، كما ترفض تشكيل حكومة وفق أجندات جهات خارجية، وتطالب باستيعاب كافة الموظفين الذين عينتهم فورا.  

(خامسا) تعتبر فتح أن السلاح الوحيد في مناطق السلطة، هو سلاح اجهزة الامن الفلسطينية،  في إشارة الى نزع سلاح كتائب القسام، الا أن حماس تؤكد الحق لممارسة كافة أنواع المقاومة، بما فيها المقاومة المسلحة، وترفض المساس بسلاحها طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم ان حماس غير مرتبطه بجماعة الاخوان المسلمين تنظيميا ، الا أنها عرفت نفسها في  ميثاقها الأول عام 1988، على أنها جناح من أجنحة الجماعه في فلسطين، وبهذا فإنها  تشاركها في المواقف السياسية، وتحديدا في تطلعاتها للوصول الى الحكم في اي بلد عربي. وبعد ان خسرت الجماعه الحكم في مصر، بالانقلاب الذي اطاح بالرئيس محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعداله، الذي انشأته الجماعه في العام 2013 ، وبهذا يكون قطاع غزة هو المنطقه الوحيدة في العالم العربي، الذي تدير مقاليد الحكم فيه حركة حماس التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين، رغم ان حماس لم تعلن عن اقامة دوله أو إمارة في القطاع منفصله عن الضفة الغربية.

إن رفض حماس منذ بدايات تأسيسها في العام 1987 الإنضمام لمنظمة التحرير، وحتى رفضها المشاركة في هيئات قيادية فرعية منبثقة عن المنظمة، كقيادة الانتفاضة الاولى الموحدة، وغيرها من الهيئات الأخرى، رسخ لدى قيادة حركة فتح القناعه، بأن حماس تسعى للهيمنه على مؤسسات منظمة التحرير، واقصاء الحركة عن قيادتها للمنظمه، وزادت هذه القناعه ترسخا بسعي حماس لعرقلة اتفاق اوسلو للسلام، بين منظمة التحرير وإسرائيل في العام 1993، بشنها سلسلة من الهجمات بالأسلحة الناريه والمتفجرات، اوقعت خسائر بشريه في صفوف الإسرائيليين.

إن مرونة و"براجماتية" حماس تجلت في امرين، جعلا فتح تتشدد في شروط التوصل للمصالحه، لقطع الطريق على مساعيها للوصول الى سدة الحكم في فلسطين، (الأول) مشاركتها في انتخابات المجلس التشريعي في العام 2006 ، الذي ينص عليه  اتفاق أوسلو،  والذي تعارضه حماس، وتحقيقها انتصارا ساحقا بحصولها على 74 مقعدا، مقابل 45 مقعدا لفتح، (والثاني) إصدارها لوثيقة المبادئ والسياسات العامه في العام 2017 ، التي نصت على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967، هي "صيغة توافقية وطنية مشتركة"، وإستدراكها بفقرة موجهه لقواعدها وعناصرها، تفيد بأنها "لن تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين مهما طال الاحتلال".. ومن الناحية العملية، فإن هذه الوثيقة تبتعد سياسيا عن ميثاقها الصادر في العام 1988، الذي يهدف للحصول على قبول اقليمي ودولي بها، وابعاد صفة "الارهاب" عنها، دون الاعتراف بشرعية إسرائيل، كما تضمنت الوثيقة ايضا عدة بنود، تؤكد على رفض حماس للتطرف، وتأكيدها على "وسطيتها وإعتدالها"، ناهيك عن ان الوثيقه أكدت على أنها حركة فلسطينية، دون الإشارة للعلاقة مع الإخوان المسلمين على العكس من ميثاقها لعام  1988 ..

إن  "ملهاة ومأساة المصالحه" هذه، هي واحدة من أعراض أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية، التي دبت فيها الشيخوخه والترهل والجمود، بعد ان وصلت لنحو الـ 60 عاما من عمرها، ما يتطلب إحداث تغيير في الوعي السياسي الجمعي للفلسطينيين..