أسامة غيث
رئيس تحرير جريدة الأهرام الاقتصادية (خاص بالحدث)
يعد من قبيل الخطأ الفادح الذي ترتبت عليه نتائج كارثية لمجريات الأحداث في المسألة الفلسطينية ما يرتبط بالخلل الجسيم في تعريف مفهوم الصراع والعجز عن تحديد أبعاده الشاملة والمتكاملة، وأن يصل الحال لاختزال مسألة إنسانية عويصة مثل المسألة الفلسطينية في نطاق أحاديث تدور حول نتائج حرب أو مفاوضات في قاعات مغلقة أو مفتوحة تنتهي دوما بمحصلات فضفاضة وتصريحات ملتوية صادرة عن المعتدي أو القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثرة في مجريات الأحداث.
ومتابعة مجريات الأحداث منذ كارثة الخامس من يونيو عام 1967 توضح أن جانبا هاما ومحوريا من الصراع قد أصبح يتركز حول تغييب الوعي بحقائق الصراع ووضعه في نطاقات ومفاهيم ضيقة مغلوطة تفقده الكثير من الزخم والقوة وتقلل من نطاق تأييده ونطاق المتأثرين به والملزمين بالدخول في قلب الصراع وعدم الإبقاء على الأطراف والأحداث بهدف تجفيف منابع الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية. مع ضمان أن يتم اختزال القضية الفلسطينية من نطاق معانيها الكبرى المرتبطة بحقوق الإنسان وحقوق الدول والأمم والشعوب في ظل مفاهيم الحضارة المعاصرة إلى معان ضيقة وجزئية حول مساحات من الأرض وحول اعترافات متبادلة بين طرفين يتم المساواة بينهما وتناسي أن أحدهما غاصب ومغتصب يخالف ويعتدي على كافة شرائع الدول عينا جهارا، وأن الطرف الآخر المعتدى عليه لا يملك بمفرده أوراق الضغط البديهية لإدارة ما يمكن تسميته بتفاوض وما يمكن الحديث عنه باعتباره مفاوضات.
ويحتاج المفاوض الفلسطيني اليوم وغدا إلى جهود مكثفة مضنية تمارسها قوى فعالة ومؤثرة تسعى لإعادة تصويب المفاهيم المغلوطة الدخيلة على مفهوم الصراع حتى يستعيد المفهوم صحته وعافيته وبذلك يملك المفاوض ظهيراً مساندا تتسع حلقاته وتتعدد يوما بعد يوم، وهي لحظة يضاف فيها إلى المفاوض أوراق ضغط وينزع من الطرف الآخر المعتدي الغاصب أوراق تأثير ونفوذ وإرهاب.
وقد يكون في مقدمة الأولويات الحتمية لاستعادة الصحة والعافية لمفهوم الصراع على الأرض الفلسطينية التأكيد الشديد على حتمية الصراع باعتباره صراعا ممتداً ضد كافة الأطراف العربية وضد أبسط أبجديات الأمن القومي العربي، وأنه كذلك صراع ضد المقدسات الإسلامية يسعى لطمس معلم رئيسي من معالم العقيدة والديانة من خلال إنهاء وجود المسجد الأقصى وإحلال هيكل سليمان محله بكل ما تعنيه فكرة الإحلال والاستبدال من معان، وبكل ما تعنيه فكرة الهدم والإزالة من إقصاء واستبعاد لأولى القبلتين وثاني الحرمين، ويرتبط بذلك بالضرورة تعديل ركائز رئيسية في مفهوم الصراع تدور حول الآتي:
- التخلص من سلبيات مخططات عزل الأمة العربية عن الشعب الفلسطيني وعزل الشعب الفلسطيني عن الأمة العربية ببناء مفهوم متكامل لوحدة المصير ووحدة الهدف وكذلك توضيح شيوع الخطر.
- المواجهة المكثفة لمخططات عزل المحيط الإسلامي عن القضية الفلسطينية وتحييد وتمييع مواقفه فيما يخص قضية القدس وهو ما يمكن أن يصنع زخما دوليا فاعلا ومؤثرا في مجريات الصراع لتأثيراته في النطاق الدولي وفي الرأي العام الدولي، وهي ركيزة لا تقتصر على مواقف الدول بل تمتد حتما لمواقف الجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا وغيرها من دول العالم، وكذلك مواقف مع اعتنق الاسلام في العالم كافة خاصة اوروبا وامريكا.
- حتمية مواجهة سلبيات عزل وتحييد القضية الفلسطينية عن زخم القضايا الكبرى للدول النامية والقضايا الإنسانية الكبرى في العالم وربطها في أحد جوانبها بمفهوم الاستقلال والتحرر الوطني مع ارتباط ذلك بمفهوم القضاء على التمييز والفصل العنصري وقضايا إرهاب الدول والممارسات القمعية الوحشية من سلطة الاحتلال ضد اصحاب الارض.
- حتمية التركيز على المخالفة العميقة والشديدة لما يتم من سلطة الاحتلال والاغتصاب لكافة حقائق وقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف خاصة ما يخص معايير الجرائم الوحشية ضد الانسانية وجرائم الحرب وجرائم سلطات الاحتلال وتوثيق كل ذلك بالمفاهيم القانونية الدولية وتحويلها للقضاء الدولي واضافتها للوثائق الرسمية بالمنظمات الدولية المختلفة خاصة تلك المعنية بحقوق الانسان بمفهومه الشامل والواسع.
- ولا يقتصر النصر في الصراع على الجانب المرتبط دائما بحتمية أن تعرف عدوك بل يرتبط في المقام الأول والرئيسي بأن تعرف حقيقة المعركة وحقيقة الحرب وحقيقة الصراع الشامل الدائر في نطاق المحيط الجغرافي الضيق، وكذلك في نطاق المحيط الجغرافي الواسع الممتد عبر العالم وآفاقه الإعلامية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والاتصالية، لأن النصر والهزيمة في الزمن الراهن ساحته عريضة ومتسعة وعميقة تتجاوز الأفق الضيق والأحاديث الملتبسة الخائفة.