الحدث: محمد مصطفى
ألفان وثمانمائة قطعة أثرية تجمعت داخل بيت فلسطيني، كانت كفيلة باختصار الزمن منذ عام 1200 قبل الميلاد إلى الآن، حيث أمضى جامعها أربعين عاماً، يبحث وينقب عن القطع الأثرية، وثق فيها أصالة وعراقة تاريخ شعبه، والحضارات التي سكنت فلسطين عبر العصور.
الباحث وليد العقاد من محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، حوّل بيته لمتحف يجمع فيه الآثار، وكل ما من شأنه أن يوثق الحضارات والثقافات التي مرت على فلسطين، خاصة قطاع غزة، بمجهوده الشخصي، همه الأول إنقاذ شيء من الإرث الفلسطيني المهدد بالضياع.
وقال العقاد لـ"الحدث": ما يدفعني ويجدد همتي بين الحين والآخر، شعوري بالغيرة على وطني، وحرقتي وأنا أرى الاحتلال الإسرائيلي يدمر الأماكن الأثرية، وينهب ما تصل إليه أيديهم".
إرث للأجيال
وأكد العقاد على أن جزء كبير من صارعنا مع الاحتلال هو صراع تاريخ وحضارات، فاليهود يحاولون على الدوام تزييف التاريخ، وطمس الحقائق، بإدعائهم أن ارض فلسطين هي لهم، ونسب الآثار والتاريخ والثقافة الفلسطينية لهم، مضيفاً "أقل ما يمكن أن أقدمه لشعبي محاولة الحفاظ وتوثيق الحضارات التي مرت على أرض فلسطين، وأرشفتها، وترميمها لأسلم الأمانة للأجيال القادمة، آملا بأن يواصلوا الحفاظ عليها"
ويقوم العقاد بالبحث والتنقيب عن القطع الأثرية بأنواعها في مختلف أنحاء قطاع غزة، بمجهوده الشخصي، وأحيانا يشتري بعضها من أناس عثروا عليها من ماله وقوت أطفاله.
ويقول "مهما دفعت من مال لجمع الآثار على مدار السنوات الماضية، إلا أنني أنسى القيمة المادية وتكلفتها، أمام القيمة التاريخية العظيمة لتلك الآثار، والتي لا تقدر بثمن، بل وتزداد بمرور الزمن".
وحصل العقاد على دورة في مصر، مختصة بفحص الآثار وكيفية التعرف على عمرها التاريخي، باستخدام مادة 14c الكربونية، بعد زيارة وفد مصري لمتحفه برئاسة البروفيسور عاطف عبد الحي، رئيس قسم الآثار بالقاهرة، بعدما عثر على قطع تعود للعصر الحديدي 1200 ق.م، والعصر اليوناني و كتابات يونانية " تعود ل332 ق.م والعصر البيزنطي 350م وتتبع لهذا العصر أعمدة لقصر الملكة هيلانة والعصر الروماني مطاحن من صخور البازلت.
كما حصل متحفه على ترخيص من وزارة الثقافة ووزارة السياحة والآثار، مشيراً إلى أنه يتعاون مع وزارة السياحة، لتعريفهم على بعض المناطق الأثرية وتاريخها، عدا عن مشاركته بالمعارض الأثرية التي تقام بين الحين والآخر في قطاع غزة، وتستعير الوزارة بعض القطع وتعيدها له مرة أخرى.
خان يونس مهد الحضارات
ويشير العقاد إلى أن اغلب الآثار التي جمعها كانت من المناطق الشرقية لمحافظة خان يونس، مؤكداً أن الأخيرة من أكثر محافظات القطاع غنا بالآثار، نظراً لأن الحضارات التي سكنتها، كانت تفضل المناطق المرتفعة، لسهولة الكشف عن الأعداء ومحاربتهم.
وكشف العقاد عن أساب تعرض مناطق شرق المحافظة المذكورة على الدوام لعمليات اجتياح وتجريف إسرائيلية وحفر خنادق، فهي محاولات قديمة جديدة لطمس معالم أثرية مفترضة وتدميرها.
ويستغل العقاد مواسم هطول الأمطار الغزيرة خاصة في الوديان، للبحث عن الآثار، مستعيناً بعينه الخبيرة، فقد عثر في ظروف جوية مماثلة على قطع أثرية، ونقود بعضها يبلغ من العمر عدة قرون، كما عثر أيضاً على تابوت نادر من مقبرة بيزنطية، وهو يقوم بعمليات البحث بمساعدة أبنائه.
أقسام المتحف
ويقسم العقاد متحفه إلى عدة أقسام وزوايا، فثمة قسم خاص بالقطع النقدية القديمة، وآخر للملابس الفلسطينية عبر مر العصور، وقسم آخر للأسلحة ومعدات الحرب، ويحتفظ بأسلحة ومعدات حربية تعود لعصور يرجع عمرها إلى أكثر من 700 عام، إضافة إلى مواد قتالية تعود للحربين العالميتين الأولى والثانية، وسلاح يتبع للثوار الفلسطينيين خلال قتالهم ضد الانتداب البريطاني عام 1931
وتنقل العقاد بنظره في ثنايا متحفه، إلى أن استقر إلى زاوية بدت حائزة على اهتمام كبير منه، وقال: "أعز القطع الأثرية على قلبي هي بلاطة تعود لقبر إسلامي في الفترة المملوكية، نقش عليها "بسم الله الرحمن الرحيم"، تنعى فيها معلم الملك الظاهر بيبرس، الأمير جمال الدين الشنقير، عثرت عليها في بيت جدي القريب من قلعة خان يونس".
وأضاف العقاد وجود هذا الكم من الآثار والمقتنيات التي تم العثور عليها دلالة على أن قطاع غزة صاحب حضارات وتاريخ منذ القدم، بشهادة علماء الآثار، منهم العالم الفرنسي جون تيست الذي قال عن غزة "غزة تتميز بحضارة وثقافة قبل 2300 عام "
وقدمت الكثير من الوفود الأجنبية لزيارة متحفه، منها وفد أكاديمي من جامعة هارفرد الأمريكية، ووفد روسي من جمعية الصداقة الروسية، ويوناني، وبريطاني، وهولندي، وجزائري، من المختصين بعلم الآثار والمهتمين به.
وترفض سلطات الاحتلال طلب العقاد للحصول على تصريح للوصول إلى الضفة الغربية، وقد سبق وناشد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عدة محافل، لاتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية الآثار في غزة والضفة، خاصة وسط محاولات وسعي الاحتلال لتخريب وتجريف المناطق الأثرية وطمسها.
وسبق وأصدر مركز التخطيط الفلسطيني بمنظمة التحرير الفلسطينية، كتابا بعنوان "متحف العقاد" ورقة طابو وشاهد حضاري على آثار فلسطينية كنعانية عريقة.