السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ندوة بعنوان "منظومة الانتداب كفترة انقطاع: كيف نقرأ أرشيف الأراضي"

ضمن فعاليات مؤتمر مراجعة الانتداب البريطاني على فلسطين

2022-10-31 08:43:01 PM
ندوة بعنوان
منير فخر الدين

الحدث الثقافي

عقدت مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ضمن فعاليات اليوم الأول من مؤتمر مراجعة الانتداب البريطاني على فلسطين ندوة بعنوان "منظومة الانتداب كفترة انقطاع: كيف نقرأ أرشيف الأراضي".

واستعرض خلالها الأكاديمي في جامعة بيرزيت منير فخر الدين مسألة التأريخ لملكية الأرض والاستعمار الاستيطاني في فلسطين على مستويين، محاولا الربط بينهما: أولا، على المستوى البنيوي، وتحديدا دور الاستعمار البريطاني في استعمار فلسطين من خلال تعزيز قوى السوق والسيولة العقارية وفرض إطار عرقي استيطاني للسيادة على الأرض، وثانياً، على مستوى التأريخ الاجتماعي الفلسطيني، والبحث في التحولات والتحديات التي واجهتها شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني جراء الحكم الاستعماري والتكوين السياسي الجغرافي للاستيطان الصهيوني.

وغطت مداخلة فخر الدين منظومة الانتداب كقطيعة تاريخية مع الحقبة العثمانية وتاريخ تسوية الأراضي الانتدابية، في إطار مفاهيمي يربط الماضي بالحاضر، ويفهم الأثر البنيوي العميق للانتداب.

واستهل فخر الدين مداخلته بالقول إن  الأدبيات التاريخية تركز على قانون تسوية الأراضي الانتدابية لعام 1928، الذي أطلق عملية مسح وتسجيل للملكيات العقارية في فلسطين على نمط حديث يعتمد الخرائط الحديثة، وهناك نقاشات مهمة حول هذا القانون وأثره من ناحية تقنية وإدارية وسياسية استعمارية، لكن الحديث يدور أقل عن مشروع آخر تبعه بعد سنوات قليلة، وهو مرتبط به هو مسح الأحواض لغايات ضريبية، موضحا أن هذا المسح اهتم بتسجيل أسماء المزارعين دافعي الضريبة وميز تماما بين حق الملكية وتسجيل الضريبة، فأحال الأول إلى نظام التسوية في مساره المضيء، نظرا للإجراءات المعقدة المطلوبة للفصل النهائي في حقوق الملكية بين الناس أنفسهم، وإنهاء نظام المشاع وبينهم وبين الدولة.

وتابع: وجعل من الممكن الاستمرار بجني الضريبة على نحو جديد كمصدر أساسي لميزانية الانتداب، هذا التمييز بين الملكية والتسجيل لغايات ضريبة، هو مفتاح أساسي لفهم القطيعة البنيوية مع النظام العثماني، فهذا الفصل شطر ما جمعه الطابو العثماني في مفهوم واحد إذ ارتكز النظام العثماني على مفهوم الأرض الميري المتوارث من مراحل سابقة في الدولة الإسلامية وما قبل ذلك، الذي يقوم على إدعاء أن للدولة حق ملكية لرقبة الأرض بينما للناس حق الانتفاع في الأرض.

ووفقا للأكاديمي في جامعة بيرزيت على هذا المبدأ القانوني نشأ اقتصاد سياسي زراعي عثماني يعتمد على حق الدولة في أسرة الأرض على شكل أعشار، كانت عملية الإنتاج أشبه بعلاقة مزارعة بين الدولة التي توفر الأرض والمزارعين المنتجين الذين يوفرون العمل ووسائل الإنتاج الأخرى.

وبحسب فخر الدين أعلنت الدولة العثمانية عن نيتها تركيز عملية جني الغلة من المنتج مباشرة والتخلص من طبقة الملتزمين في قانون الأراضي والطابو الشهير من عام 1858-1859، لكنها في المحصلة الأخيرة أنتجت نخبة اقتصادية إقطاعية جديدة إلى جانب النخب القديمة ومنافسة لها، وهي نخبة تجار الساحل، الذين باتوا نخبة ملاك كبار غائبين يسيطرون على مساحات واسعة من أراضي فلسطين وأراضي خارج فلسطين ويرتبطون بعلاقات تجارية هامة ونامية عبر البحر المتوسط وعالمية.

ووفقا لفخر الدين لم يأت هذا التحول والاستمرارية في آن معا من فراغ فهو سياسة عثمانية محسوبة.

وبحسب الأكاديمي في جامعة بيرزيت وفي سبعينيات القرن التاسع عشر أرسلت الدولة فرقا مسحية للتقرير حول حيازة الأراضي في السهول الكبرى الخصبة، فانتزعت الملكية من البدو والقبائل البدوية العربية والتركمانية ومن الفلاحين القرويين وسجلت قرى كاملة كمحلولات، أي انقطعت عنها حقوق التصرف القانوني للأهالي وبات من الممكن أن تباع بالمزاد العلني لكبار المتنفذين من هؤلاء الملاك الجدد الذين اقتربوا جدا من مركز الولاية السياسي في بيروت.

ووفقا لفخر الدين في سردية تاريخية معروفة لا يتم الالتفات كفاية إلى ارتباط حقوق الطابو بالواجبات المالية تجاه الدولة، ويتم التحدث عن تملك هذه النخبة للأرض عبر كوشان الطابو، بدون مشكلة هذه الوثيقة، لكن من الأصح القول بأن ظهور الطابو كوثيقة ملكية عادية خالصة هو أمر لاحق في الحقبة العثمانية لم يكن سهلا هذا الظهور ولا محسوما تماما.

ويرى الأكاديمي أن هذه المرحلة من نظام الأراضي في فلسطين تشبه ما كتبه ماركس في السياق الانجليزي عن نشأة المشاعات التي دمرها التراكم البدائي لرأسمال تلك العملية المبرجة بالعنف والدم، التي نشأت فيها الثنائية بين القلة المالكة والكثرة المسلوبة سوى من حرية بيع قوت عملها.

في التاريخ الفلسطيني ستكون المستعمرة الاستيطانية، هي المحرك المركزي والأعمق أثرا في الانتقال إلى التراكم البدائي ذلك النزاع العنيف للفلاحين من أراضيهم.

وقدم فخر الدين استدلالات أخرى على مقاومة ظهور كوشان الطابو كوثيقة ملكية خالصة خالية من حقوق الانتفاع والعمل العرفية المتوارثة للمزراعين نجد هذا في كتابات قانونية ومعروضات من الناس والمزارعين حتى نهاية الانتداب.

وتطرق فخر الدين إلى ما كتبه وديع البستاني وكيل أهالي الغور في دفاعه عن حقوقهم في أرض السلطان عبد الحميد مطلع العشرينيات في مذكرة طويلة أفضت إلى تسوية أراضي بيسان التي أعيدت فيها الأراضي إلى المزارعين الفلسطينيين.

وطرح الأكاديمي سؤالا حول ماذا فعل الانتداب في الفصل الصارم بين حقوق الملكية وبين الدولة؟

وقال فخر الدين إنه يمكن الاستدلال على هدف ناظم ومنطق مبرر لكل هذه التحولات ونزع ملكية الفلاحين على نحو مركب قانونيا بشكل جزئي اقتصادي بشكل بنويي.

ويرى أن الانتداب سرع ووسع إمكانية وقوة التراكم البدائي للرأس مال ومزاوجة ذلك مع التراكم البدائي للرأس المال الاستعماري الاستيطاني، ورغم أن ذلك لم يتحقق إلا جزئيا إلا أن أثره كان بالغا.

كما أن الانتداب قام على ازاحة واضحة للنخب العثمانية وقام على تفضيل خطير لنخبة اقتصادية سياسية جديدة، بطبيعة الحال الضحية الكبرى كانت النخبة البيروتية التي أصبحت خارجية عن فلسطين دون أي مركز في منظومة الدولة الاستعمارية وفقدت كل حظوتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمتعت بها عثمانيا وهذا يفسر لماذا اندفعوا لبيع ممتلكاتهم في العشرينيات.

وفي السياق، أشار فخر الدين إلى أن النخب الفلسطينية بطبيعة الحال تأثرت بشكل خطير لكن على نحو مختلف، الأهم بالنسبة لها هي أنها بقيت قائمة وظلت تحظى مركزها القيادي في المجتمع الفلسطيني، بل أعادت إنتاج ذاتها في ظل الانتداب واستطاعت أن تواجه بدراجات متوافقة تحديات الحداثة الاستعمارية والتنافس مع المستعمرة الاستيطانية.