قد تكون معركة "خيرسون"، وهي المدينة الكبرى التي استعادها الجيش الروسي في منتصف شهر آذار الماضي، هي المفصل الأهم في تاريخ الأزمة الروسية - الأوكرانية التي اندلعت قبل ثمانية أشهر. فمع إجلاء الجيش الروسي لسكان المدينة، ووصول الكتائب العسكرية الروسية المدججة بأحدث الأسلحة، أصبحت نتائج المعركة القادمة أكثر وضوحا، وهو ما يذكرنا بمعركة مدينة "فولجاجراد" عام 1943، التي كان شعارها "الستاليني":- (ولا حتى خطوة واحدة إلى الخلف")!، حتى استطاع الجيش السوفيتي، بعد قتال استمر 6 أشهر، من تحطيم الجيش النازي، وأسر "ربع مليون" جندي ألماني، لتُسمى المدينة بعدها بمدينة "ستالينجراد" تيمنا بزعيم الكرملين "ستالين".
فروسيا "البوتينية" اليوم، ليس أمامها سوى النصر العسكري الكامل… والكاسح! ولا يمكن لها أن تقبل بهزيمة عسكرية أو حتى بتعادل في الحرب التي يقف خلفها، حلف الناتو، وأكثر من 50 دولة قدمت من العتاد والسلاح ما جعل البعض يسمي هذه الحرب بحرب "عالمية ثالثة" تجري على الساحة الأوكرانية (حتى الآن)!
ويعتقد الكثيرون من المراقبين بأن "قدر" أوكرانيا محتوم منذ اليوم الأول للأزمة، وأنها الخاسر الأول والأكبر. أما الخاسر الثاني فهي أوروبا التي أصبحت الأزمة تطيح بصناعاتها واقتصادياتها وبقياداتها وزعاماتها الواحد تلو الآخر، وهو ما يعكس خلو القارة العجوز من شخصيات سياسية وقيادية.
ومع أن "شائعات" التهديد باستخدام السلاح النووي الروسي لحسم المعركة، هي صناعة إعلامية غربية، تهدف إلى "شيطنة" السياسة الروسية، من أجل إرهاب الأوروبيين وجعلهم أكثر"إنفاقا" والتفافا حول هدف الناتو الأساسي، ألا وهو "استنزاف روسيا" حتى آخر جندي أوكراني لا بل وحتى آخر مواطن أوكراني. علما أن الكرملين كان قد صرح مرارا وتكرارا، أن بلاده غير مضطرة البتة لاستخدام السلاح "النووي"، لأن المعركة الحاسمة سوف تجري فوق أراضيه!.
ويعتقد الكثيرون، أن التدخل العسكري المباشر "لحلف الناتو" في الأزمة هذه، سوف يجعل القيادة البوتينية، دون أي شك أو تردد، تلجأ إلى استعمال السلاح النووي، خوفا ومنعا لعودتهم إلى (عصر الذل والهوان والضياع والجوع والانقسام) الذي عاشوه بمرارة في الحقبتين "الجاربتشوفية" و"اليلتسينية"، وهو ما صرح به "بوتين" مرة عندما رد متسائلا:-
وما الداعي لوجود عالم بدون روسيا؟.
ويسود الاعتقاد، أن عيون القادة الروس بعد معركة "خيرسون"، سوف تتجه نحو ميناء "أوديسا"، الأمر الذي سيجعل من أوكرانيا دولة بلا بحار، "منزوعة السلاح"، إن لم نقل دولة حيادية، وهو الهدف الأول والأخير من هذه الحرب حتى وإن أطلق الروس عليها في البداية اسم:- "العملية العسكرية الخاصة".
ولأن القيادة الروسية، لا يمكن لها أن تخسر المعركة أو تتراجع، فسوف تكون معركة "خيرسون" هي "أم المعارك"، التي ستحسم الأزمة الأوكرانية، والتي ستجعل من بداية المفاوضات الجادة بين الطرفين، أكثر قربا من أي يوم مضى، لتسمى بعدها مدينة خيرسون، بمدينة "بوتينجراد"، ولتصبح روسيا من بعدها "دولة عظمى"، تماما كما وعد "فلاديمير بوتين" شعبه قبل 22 عاما.
.