فصائل فلسطينية: العمل المقاوم أصبح ظاهرة جماهيرية
محللون سياسيون: المجموعات المقاتلة في شمال الضفة أحدثت حالة من استنهاض الوعي
خاص الحدث
عرين الأسود، اسم لمع خلال الأشهر القليلة الماضية لدى الفلسطينيين إلى جانب كتيبة جنين، عقب تنفيذهم عمليات مقاومة في نابلس أصيب وقتل فيها جنود إسرائيليون بحسب اعترافات جيش الاحتلال، الذي حاصر مدينة نابلس منذ أكثر من أسبوعين في محاولة لوأد عملياتهم المسلحة ضد الاحتلال ومستوطنيه. تشكلت المجموعة مع "تأبين الأربعين" للشهيدين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح في أيلول 2022، التي أكدت أن بنادق مقاتليها لن تطلق الرصاص في الهواء، وتعتبر أحد أبرز عناوين الوجود الفلسطيني المسلح في الضفة الغربية إلى جانب كتيبة جنين.
اشتهرت المجموعة - التي ينتمي غالبية عناصرها إلى سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى بالإضافة إلى وجود مقاتلين من حركة حماس والجبهة الشعبية-؛ بزيها الموحد ذو اللون الأسود، وغطاء فوهات بنادقهم بقطع أقمشة حمراء اللون (في إشارة إلى أن بنادقهم لن توجه إلا صوب المحتل ومستوطنيه)، ويؤكدون أنهم يرفضون الانقسام ويجسدون الوحدة الوطنية.
محللون سياسيون، قالوا في لقاءات صحفية مع "صحيفة الحدث"، إن المجموعات المسلحة في شمال الضفة خاصة عرين الأسود، استطاعت أن تحدث حالة استنهاض للوعي الفلسطيني.
وقال المحلل السياسي إياد القرا لـ"صحيفة الحدث"، إن ظهور المجموعات المسلحة كان نتاج أحداث متتالية تمثلت باعتداءات الاحتلال والمستوطنين بحق الفلسطينيين والممتلكات الفلسطينية، خاصة في محافظة جنين ومن ثم في نابلس.
وأضاف القرا: في شمال الضفة نشطت هذه المجموعات المسلحة التي كانت أبرزها كتيبة جنين وعرين الأسود، واستلهمت تجربتها من أحداث سيف القدس في إمكانية التصدي للاحتلال والقيام بعمليات مقاومة، وغالبية هذه العمليات جاءت من نابلس وجنين، وكانت ذروتها في مايو الماضي بعدد من عمليات المقاومة كان أبرزها عمليتي الشهيدين رعد حازم وضياء حمارشة.
وأشار المحلل السياسي القرا، إلى أن العمل الجماعي بالنسبة للمجموعات المسلحة تم تنظيمه بشكل فردي وتوافقي فيما بينهم مقاتليها، وكان هدفهم الأساسي مواجهة الاحتلال، وهناك التفاف شعبي كبير حولهم لذلك كانت المجموعات المقاتلة في شمال الضفة وخاصة عرين الأسود ملهمة للشباب الفلسطينيين.
وأكد القرا، أن الالتفاف الجماهيري الواسع كان دافعا كبيرا ليكون المقاتلون عنوانا جامعا، وقدم الالتفاف الجماهيري حماية كبيرة لهم، كما حدث وقت اعتقال الأجهزة الأمنية المطارد مصعب اشتية في أيلول الماضي، وتحول الشهداء إلى أيقونات، وهو ما أعطاهم مصداقية عالية عن الجمهور الفلسطيني، ونجحوا في تقديم صورة بديلة، لما يبحث عنه الفلسطيني باتجاه البعد عن مسائل الانقسام.
وحول إمكانية استمرار هذه المجموعات المقاتلة، قال القرا، إنها محل دراسة ومتابعة في المرحلة الحالية ومن الصعب الحكم عليها لأسباب أبرزها القرار الإسرائيلي بضرورة القضاء على المقاتلين في شمال الضفة، بعدما وجهوا ضربة أمنية كبيرة للاحتلال.
وبحسب القرا، فإنه ذاع صيت عدد من الشهداء مؤخرا منذ اغتيال العزيزي وحتى اليوم، وتحولوا إلى رموز، وهذا خطير جدا بالنسبة للاحتلال، وهناك قرار بالقضاء على هذه الظاهرة لأنها ستضر السلطة الفلسطينية والاحتلال معا.
وفي الوقت ذاته، أكد القرا، أنه من الصعب التخلص من فكرة هذه المجموعات وسط الدعم الشعبي الواسع الذي تحظى به.
من جانبه، قال المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عن الضفة الغربية، طارق عز الدين، إن الوضع في الضفة الغربية يسير على "الطريق الصحيح" في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي، وأن هذه هي الجدوى المشتعلة في الضفة التي تؤرق الاحتلال، الذي هو غير قادر على استيعاب وتحمل الكم الكبير من عمليات إطلاق النار التي ينفذها المقاومون الفلسطينيون خاصة في جنين ونابلس شمال الضفة.
وأضاف عز الدين في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث": العمل المقاوم اليوم أصبح ظاهرة جماهيرية وشعبية، وما يجري انتفاضة مسلحة باعتراف الاحتلال الإسرائيلي، الذي أكد أن اعتقال المطاردين محفوف بالمخاطر ويحتاج إلى قوات كبيرة ودعم جوي ومصفحات للوصول للمطاردين، وهذا دليل على أن المقاتلين أوجعوا الاحتلال وأصبحوا يشكلون هاجسا حقيقيا للاحتلال.
وبحسب القيادي في الجهاد الإسلامي، عز الدين، فإنه "بعد فشل عملية التسوية وفشل الرهان على المفاوضات والوعودات واستغلال الاحتلال لحالة الهدوء التي سادت في السنوات السابقة بتهويد المناطق الفلسطينية وإقامة المستوطنات وانتهاك حرمة المقدسات والتضييق على الفلسطينيين، لم يعد هناك أفق للفلسطيني، ولكن الفلسطيني لم يعد يحتمل الإجرام الصهيوني الذي استلزم أن يكون هناك رد فعل من أبناء شعبنا".
وأردف: عمليات المقاومة كانت في البداية عمليات فردية، وبعد معركة سيف القدس وتشكيل كتيبة جنين وإعادة الاعتبار للاشتباك مع الاحتلال في الضفة، أصبح العمل المقاوم هو الطريقة الوحيدة للرد على جرائم الاحتلال.
وأكد عز الدين، أن المجموعات المقاتلة في الضفة الغربية، ثبتت استمراريتها بعد مضي ما يقارب العام على تشكيل كتيبة جنين، واليوم هناك العشرات من المقاتلين المنضوين تحت لواء كتيبة جنين في المخيم ولكتيبة جنين المنتشرة في باقي مناطق محافظة جنين.
واعتبر أن نموذج كتيبة جنين، يحتذى به في كافة المدن، قبل تشكيل عرين الأسود التي أصبحت مظلة للكل الفلسطيني. مؤكدا أن ما يجري نموذج على أن المقاومة حية وعلى أن شعبنا الفلسطيني يعي جيدا أين يسير.
وقال عز الدين: رغم الإجرام الصهيوني والعمليات الإسرائيلية بحق أبنا شعبنا إلا أن المقاومة تتسع رقعتها وترتفع وتيرتها وأصبحت هي التي تبادر في العمل المقاومة ولا تنتظر اقتحام قوات الاحتلال للقرى والبلدات والمخيمات وهو ما يدلل على أن حالة الردع التي أراد الاحتلال أن يحققها في الضفة ويقوم بها بحق أبناء شعبنا ومقاومينا لم تنجح، وحالة كي الوعي فشلت وأصبحت هناك ثقافة حمل السلاح ومقاومة الاحتلال وهذا هو المشهد الطبيعي الذي يجب أن يبقى سائدا ما دام هناك احتلال.
وأكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، على أن مشاغلة الاحتلال التي تبنتها حركة الجهاد الإسلامي تنبع من الوعي بأن تحرير فلسطين لا يأتي بسهولة ولا يأتي بيوم وليلة على يد فصيل مهدد، ولكن واجبنا الشرعي والديني أن نوحد ساحات المقاومة في الضفة وغزة والقدس والداخل المحتل عام 48 والشتات ضد هذا الاحتلال، فمشاغلة الاحتلال واستنزافه، لا يستطيع أن يتحملها الاحتلال وقطعان مستوطنيه.
وأردف: الاحتلال أصبح مهزوما من الناحية الأمنية وأدخل كتائب وقوات جديدة للقتال في الضفة وهو ما يدلل على حجم المقاومة الشرسة وحجم إطلاق النار الذي يستهدف قوات الاحتلال في الضفة.
وأكد أن السلطة الفلسطينية يجب أن تكون حامية للمقاتلين في الميدان ضد الاحتلال، وأن حركته ترفض أي تدخل بالمقاومين لسحب أسلحتهم من خلال الأوهام للحد من انتشار المجموعات المسلحة وهذا عمل مستنكر لأنه لا يصب إلا في خدمة الاحتلال.
وأكدت عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مريم أبو دقة، أن ما يجري في الضفة الغربية هو ردة فعل طبيعية على عنف الاحتلال وجرائمه وكوارثه التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، من اعتقال وقتل ودماء وسلب.
وقالت أبو دقة في لقاء خاص لـ"صحيفة الحدث"، إن "معركتنا مع الاحتلال الإسرائيلي مفتوحة، ومن الطبيعي وجود مجموعات مسلحة مقاتلة ضد الاحتلال، وفكرة المجموعات المقاتلة ستستمر في سياقها الطبيعي".
وأضافت القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن ما يجري في الضفة بداية انتفاضة جديدة ولكن بشكل جديد لأن الاحتلال يرتكب جرائم غير مسبوقة ويتمدد على الأرض وينتهك حقوق المواطنين وكرامتهم، فردة الفعل الطبيعية المقاومة لعدم شعور الفلسطينيين بالأمان. مشددة على أن هذه المجموعات المسلحة ستشهد انتشارا وقوة أكبر في الفترة المقبلة.
وبحسب أبو دقة، فإن الالتفاف الشعبي حول نموذج المجموعات المقاتلة هو استفتاء للشعب الذي مجدّ المقاتلين والشهداء وشارك بالآلاف في جنازاتهم.
وأشارت أبو دقة، أن محاولات إقناع المقاتلين بتسليم أسلحتهم، أمر غير سليم وأن المقاتلين امتشقوا سلاحهم بعد عشرات السنين من المفاوضات العبثية التي "بيّعت الأرض وأضاعت القضية وورثتنا كوارث" ولولا ذلك لما تجرأ الاحتلال على الوصول إلى هذا الحد من الإجرام.
ووفقا لأبو دقة؛ نحن بحاجة إلى وحدة وطنية كوننا في مرحلة تحرر ويجب مقاتلة المحتل بكل الطرق والأساليب المتاحة، ومن حقنا مقاومة الاحتلال بكل الطرق بما في ذلك الكفاح المسلح وهذا حقنا الطبيعي.
فيما أكدت حركة حماس، أن عرين الأسود "قوة بحجم فلسطين، وستظل موئلا لكل المقاومين الذي يجسدون وحدة الدم والمصير والقادم أعظم، وأن نابلس ترسم بدم الشهداء مسار العزة والفخار، وأن هذه التضحيات لن تزيد الثورة في الضفة إلا اشتعالا، وسيندم الاحتلال على ارتكابه هذه الجرائم".