(لسان حال الحكم السعودي: حبذا لو يمضي "الأخضر" بعيداً باتجاه الكأس، لعله يسهم في نسيان الناس للدم الذي يعلق بأنياب مصاص الدماء محمد بن سلمان) .
لا بد أن محمد بن سلمان السفاح يتمتع بقوة رهيبة حتى يتمكن من التجوال حول العالم دون خوف من منظمات حقوق الإنسان ومحاكم الجرائم الدولية ...الخ. لا داعي لذكر الأمثلة على قوة تلك المؤسسات وسطوتها حين يبدو أنه لا راد لقضائها وقدرتها على مطاردة من ينتهك حقوق الإنسان أو يرتكب جرائم الحرب..الخ فيأتيها الخبر اليقين من واشنطون بضرورة فتح صناديق "باندورا" كلها وصبها فوق رأسه. بالطبع تزيد المباركة الصهيونية من حدة المطاردة وشدتها حتى تأتي الضحية صاغرة تستجدي ماما راحيل أن ترأف بها.
نتذكر في الزمن القريب رئيس السودان السابق عمر البشير الذي ظل حبيس بيته خوفاً من الاعتقال حتى أقام علاقات الحب مع إسرائيل فتوسط له نتانياهو وأسقط عنه التهم بارتكاب المجازر وغسله من الذنوب فعاد كما ولدته أمه ليشارك في حفلة القتل السعودية في اليمن. وقد تنبه خلفاء البشير "الثوار" من قبيل حميدتي والبرهان إلى أهمية أن يطلبوا البركة من الأم راحيل حتى يضمنوا القبول لدى سكان البيت الأبيض، وقد تفوقوا في هذا على سلفهم البشير إلى حد تقديم التهاني والتبريكات بفوز نتانياهو وبن غفير وسموترتش في الانتخابات الأخيرة.
يبدو إذن أن كل شيء قابل للمغفرة والنسيان إذا ما قدم المرء القرابين المناسبة للآلهة العبرية والصهيو/مسيحية. ولكن ابن سلمان قام بجريمة كبرى يصعب تجاهلها؛ نقصد طبعا قتل الخاشقجي صحفي الواشنطون بوست، ولا نقصد أبداً ملايين الضحايا اليمنيين الذين لا قيمة لهم في عواصم الغرب المتحضر . لو كانت جريمته أصغر قليلاً لما احتاج إلا القليل من غض البصر، لذلك كان المتوقع أن يواجه الكثير من المشاكل والصعوبات.
على الرغم من ذلك، على الرغم من أن الجريمة من صنف الكبائر إلا أن ولي العهد الأعجوبة في الحداثة والتحديث ينجو فعلاً من المحاسبة بفضل الدور الهائل الذي يضطلع به في تصفية قضية فلسطين وخدمة المشروع الصهيو/أمريكي وصولاً إلى التبني المطلق لصفقة القرن أيام ترامب ومواصلة التآمر الكامل على المقاومة اللبنانية وأرض فلسطين على السواء في عهد بايدن مع الاستعداد لمواصلة العمل الدؤوب مع أي ساكين جديد للبيت الأبيض.
كما ترون، إنه منجم أهم من مناجم النفط بالنسبة للصهيونية والاستعمار العالمي. وذلك فقط ما يسمح له بأن ينفش ما تبقى من ريشه الذي نتفه أردوغان عقب اغتيال الصحفي التركي الأصل وصولاً إلى التجول الحر بين العباد في رعاية أنكل سام وماما راحيل. عموماً حتى السلطان إردوغان صياد المناسبات تراجع تماماً وثاب إلى رشده وأغلق ملف الخاشقجي. ترى كم قبض السلطان لقاء ذلك؟
لقد رتب رئيس تركيا العاشق للصراخ والاستعراض المصيدة لابن سلمان كما ينبغي. وذلك ما كشفته السنوات اللاحقة التي أثبتت أنه كان على علم بمخطط قتل الصحفي. وقد تابعت أجهزته الحدث في مراحله المختلفة، ووثقت التفاصيل كلها بغرض ابتزاز السعودية.
في لحظات معينة سخنت أنقرة الأجواء مطالبة بإحضار المسؤولين ليواجهوا العدالة الدولية. وعلا صياح إردوغان وإعلامه ليملأ الدنيا قعقعة تشي بقرب الحصول على الطحين. فجأة ضاعت الطاسة في منزل رجب طيب إردوغان وهدأ موضوع خاشقجي مثلما هدأ قبله موضوع السفينة "مافي مرمرة" التي اقتحتمتها قوات النخبة الإسرائيلية وقتلت عدداً من المتضامنين الأتراك مع غزة. وهكذا تصالحت تركيا مع السعودية مثلما تصالحت مع إسرائيل التي وصل الحب معها إلى إدانة "الإرهاب" الفلسطيني في عملية القدس.
اليوم تركيا على ما يبدو تتعاطى بدون تعفف مع مشاريع إماراتية ترعاها إسرائيل والولايات المتحدة، كما أنها تتعاطى مع مشاريع سعودية، وتحافظ بالطبع على علاقاتها العاطفية مع قطر راعية الثورات في العقد الأخير من تاريخنا الهزلي.
ترى أين تتجه المؤامرات في هذه اللحظة بعد تدمير سوريا مع الفشل التام في إسقاط حكومتها ونظامها السياسي؟
ليس في وسعنا التفكير بعيداً عن فلسطين. فلسطين على الأرجح (أو ما تبقى منها) تقع في قلب الترتيبات "الإقليمية" التي يقودها محمد بن زايد ومحمد بن سلمان ورجب طيب إردوغان وتميم بن حمد، وفي هذا السياق يأتي حراك إردوغان "المشبوه" باتجاه سورية ومصر مع استغلال الظروف لتعزيز قبضته على شمال الهلال الخصيب.
يظل محور المقاومة بعنصريه السوري واللبناني الأمل الواقعي الوحيد لردع المشاريع الأطلسية/الصهيونية في المنطقة بألوانها المختلفة.
حاشية: تظل قدرة الجماهير على التحرك الحاسم عنصرا هاما في صناعة التاريخ، ويشمل ذلك دون شك الجماهير التركية ناهيك عن الأردنية والمصرية والفلسطينية.