لم يعد الأول من مايو/أيار يمثل حدثا مميزا في حياة الفلسطيني خالد سلامة، بعد أن بات واحدا من آلاف الموظفين الذين يمتنعون بأوامر من السلطة للعام الثامن على التوالي عن الذهاب لأماكن عملهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية بغزة عقب سيطرة حركة حماس على القطاع صيف عام 2007.
وقبل ثمانية أعوام كان سلامة (42 عاما) وهو أب لستة أبناء يشعر بالرضا أثناء الإجازة التي يتم منحها للعمال احتفالا بيومهم العالمي، إلا أنه في الوقت الراهن يأسف على حاله كما يقول لوكالة الأناضول.
ويضيف سلامة، الذي يعمل محاسبا في إحدى الوزارات، :" أشعر أني بلا قيمة، ثمانية أعوام، وأنا لا أذهب إلى عملي، سنوات الانقسام عطلت إنتاجنا، نحن موظفون عاطلون عن العمل".
ويتمنى سلامة، تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، من أجل العودة إلى العمل، والبدء في عيش تفاصيل "حياة طبيعية" وفق وصفه.
ولا تزال المصالحة الفلسطينية متعثرة، رغم مرور عام كامل، على التوصل لاتفاق "الشاطئ"، الذي وُقع في 23 إبريل/نيسان 2014، في منزل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة.
وتقول سهير الريس، التي تعمل مدرسة، بأنها أوشكت على نسيان كافة الخبرات وما تعلمته في السنوات الماضية.
وتضيف الريس (39 عاما) لوكالة الأناضول:" إنها أعوام طويلة من الانقسام، لا أشعر أني أستحق الاحتفال بيوم العمال، إنه ليس يومنا".
وتنظم كثير من الدول في يوم العمال العالمي الذي يصادف الأول من مايو/أيار من كل عام، احتفالات رسمية، كما تخرج احتجاجات في هذه المناسبة تطالب بتحسين أحوال العمال المعيشية.
ولم يعد الأمر مقتصرا على الجانب الإداري والمهني كما يقول الموظف أحمد عاشور، الذي يعمل مهندسا، فآلاف الموظفين كما يروي لوكالة الأناضول بحاجة إلى تأهيل نفسي.
ويضيف عاشور (34 عاما) :" ونحن في سن الشباب، نشعر وكأننا وصلنا إلى مرحلة التقاعد، بعيدا عن الخبرات واكتساب المهارة في العمل، نفسيا لم يعد الأمر سهلا للعودة، بعد كل هذه السنوات، نقترب من عقد كامل، نلتقى رواتبنا من السلطة، دون أي إنتاج، وهو أمر من الصعب تقبله".
ولا تزال السلطة الفلسطينية تدفع مرتبات موظفيها في قطاع غزة والبالغ عددهم نحو 55 ألف موظف، يمتنع أكثرهم عن الذهاب لأماكن عملهم بأوامر من السلطة عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، في صيف يونيو /حزيران 2007 بعد الاقتتال الداخلي مع حركة فتح.
ولا توجد أرقام رسمية من قبل السلطة حول أعداد الذين امتنعوا عن الذهاب عن عملهم، بعد الانقسام إذ عاد عدد كبير منهم إلى وظائفهم بعد سنوات قليلة، من الجلوس في المنازل.
غير أن مسؤولين رسميين يقدرون أعداد الممتنعين عن الذهاب لوظائفهم بـ(15) ألف موظف، أغلبهم ينتمي إلى الأجهزة الأمنية العسكرية، إلى جانب مئات المدرسين والأطباء وغيرهم من الموظفين في الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة، وفق مراسل الأناضول.
ويشعر الموظف أنور صبيح الذي يعمل طبيبا بالحسرة، لمرور تلك الأعوام، دون اكتساب أي خبرة، معربا عن أمله في أن يتم تنفيذ بنود المصالحة، لكي تعود حياتها إلى سابق عهدها قبل عام 2007.
ويضيف صبيح (42 عاما)، :" حياتنا الاجتماعية تغيرت، وليس الاقتصادية فحسب، لا قيمة إنتاجية، إضافة إلى مشاكل نفسية يسببها الجلوس الطويل في المنزل ولا أدري ما هو مصيرنا في الأيام القادمة".
ونقلت صحيفة الأيام الفلسطينية الصادرة من رام الله في الضفة الغربية، أمس الخميس، عن دبلوماسي أوروبي قوله، بأن الاتحاد الأوروبي أبلغ السلطة في اتصالات أخيرة أنه لن يكون بإمكان أوروبا مواصلة الدعم المالي لرواتب الموظفين في غزة في حال استمرار عدم التحاقهم بوظائفهم.
وقال الدبلوماسي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ"الأيام" قلنا للسلطة الفلسطينية إنه بات من الصعوبة بمكان على الاتحاد الأوروبي مواصلة تبرير المساهمة في دفع رواتب الموظفين في قطاع غزة في غياب حل لهذه القضية حيث إن هؤلاء الموظفين لم يلتحقوا بعملهم منذ العام 2007.
ولفت الدبلوماسي إلى أن موضوع مساهمة الاتحاد الأوروبي في رواتب الموظفين من غزة الذين لم يلتحقوا بعملهم منذ العام 2007 قد برز في تقرير هيئة المدققين الأوروبية حول الدعم المالي المباشر إلى السلطة الفلسطينية الصادر في نهاية العام 2013.
واستنادا إلى تقديرات هيئة التفتيش المالي في الاتحاد الأوروبي فإن حوالي 22% من العاملين في الأجهزة الصحية و24% من العاملين في قطاع التعليم يتلقون رواتب أوروبية رغم أنهم لا يعملون.
وأشار التقرير إلى أن برنامج مساعدة الفلسطينيين الذي يطلق عليه "بيغاس" هدفه "دعم الخدمات العامة المقدمة للشعب الفلسطيني، ودفع رواتب موظفين لا يعملون ليس جزءا من هذا الهدف".