الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الإعلام الإسرائيلي في مونديال قطر.. لماذا لم يتغير وعي الشعوب العربية رغم كل هذا التطبيع؟

بقلم: ماجد عزام

2022-12-05 02:28:39 PM
الإعلام الإسرائيلي في مونديال قطر.. لماذا لم يتغير وعي الشعوب العربية رغم كل هذا التطبيع؟
العلم الفلسطيني في مونديال قطر

جاء مونديال قطر 2022 حافلاً بالدلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والرياضية، لعل أهمها بالطبع رفض الجماهير العربية والإسلامية، وهم شباب في غالبيتهم العظمى، القاطع للتطبيع مع الدولة العبرية، أو التعاطي مع الإعلاميين والجماهير الإسرائيلية بشكل عام، ما اضطرهم إلى إخفاء هويتهم ولغتهم، وتقييد حركتهم ونشاطهم. هذا المعطى يكتسب في الحقيقة أهمية استراتيجية كون الجيل الشاب الحالي وُلد في ظل ما تسمى معاهدات الصلح مع الدول العبرية، بل ترويج فكرة أن السلام معها بات بمثابة  خيار استراتيجي للجامعة والمنظومة العربية الرسمية، حتى تلك التي لم توقع اتفاقيات معها، ثم انطلاق الموجة المحدثة من التطبيع قبل 3 سنوات وفق ما سُميت بالاتفاقيات الإبراهيمية، والتي صاحبها ضخ إعلامي هائل في سياق التأثير على الشباب بحجج وذرائع الانخراط والتكاتف والتعاون التكنولوجي مع الدولة العبرية لحل مشاكل وأزمات المنطقة المستعصية، والتي لا يمكن فصلها أصلاً عن الصراع العربي – الإسرائيلي، بل هي ناتجة في معظمها عن زرع الغرب إسرائيل ككيان استعماري غريب في المنطقة.

لكن قبل الحديث عن الدلالة المهمة برفض التطبيع، لا بد من الإشارة إلى الحدث نفسه، أي مونديال قطر 2022، الذي أثبت قدرة الدول العربية والإسلامية على التنظيم الدقيق ومع الإمكانات المالية على أهميتها، غير أنها وحدها قاصرة عن النجاح والتفوق دون اتباع أسس وقواعد الحكم الرشيد والعمل المؤسساتي المنظم والدقيق.

متصل بما سبق، هذا الوجود والتفاعل الرائع للمشجعين والجماهير، باعتبار المونديال سبباً ووسيلة للتلاقي والتعارف وتواصل -لا صدام- الحضارات مع إبراز الكرم والتسامح من قبل قطر وشعبها، واحترام الحريات وحقوق الإنسان على قاعدة الالتزام بقوانين البلد وعاداته وتقاليده وثقافته.

في السياق، لا بد من الإشارة إلى فشل وانكشاف، بل انفضاح حملات العنصرية والتحريض ضد قطر واستضافتها المونديال أولاً بنجاح التنظيم، كما للأجواء الرائعة والحضارية التي صاحبته، والكرنفالات الجماهيرية التي نراها يومياً على هامشه مع فعاليات اجتماعية وثقافية وفنية أضفت مزيد من النجاح والأهمية على عقده لأول مرة في دولة عربية إسلامية.

وبالعودة إلى موضوع المقال أي رفض التطبيع العربي بأي شكل من الأشكال مع الإسرائيليين، سواء كانوا إعلاميين أو جماهير، واضطرار هؤلاء إلى إخفاء هويتهم، علماً أن حضورهم كان إلزامياً لقطر تماشياً مع معايير وتوجهات الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، الجهة الأساسية والرئيسة الراعية والمشرفة على المونديال بتنسيق تام مع الدولة المضيفة طبعاً.

 مبدئياً ومنهجياً يعبر رفض التطبيع عن الوجدان والعقل الجمعي العربي الإسلامي كما عن الارتباط بفلسطين باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وإن هذا ليس شعاراً إنشائياً وعاطفياً، بل هو متجذر في الوعي الجمعي للشعوب والجماهير العربية والإسلامية. التي لم ترفض التطبيع فقط وإنما الاحتلال بحد ذاته، وحتى تسمية إسرائيل نفسها كونها بالنسبة لهم فلسطين في تجسيد للذاكرة العصية والوعي الجامع وترجمة حية لقصيدة شاعر القضية محمود درويش كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين.

 رفض التطبيع يُظهر كذلك انفصام المنظومة العربية الرسمية عن الرأي العام والعقل الجمعي، واعتبارها السلام خياراً استراتيجياً مع الدولة العبرية لا يعبر عن الناس وعقلها ووعيها الجامع، والاعتراف والصلح والتفاوض جاء أساساً نتيجة العجز والهزيمة أمام إسرائيل، رغم موازين القوى الهائلة لصالح الدول العربية، وللأسف لم يتغير الفاشلون والمهزومون، وإنما غيروا القضية من تحرير كامل فلسطين إلى الصلح والاعتراف والتفاوض واختصار فلسطين إلى الضفة الغربية وغزة أي إلى خمس فلسطين التاريخية.

هنا تتبدى أهمية المعطى والعامل الديموقراطي، كما أسباب وخلفيات معاداة الأنظمة للديمقراطية والثورات الأصيلة التي طالبت بها في أجواء حرة ونزيهة تعبر الشعوب فيها عن مزاجها وعقلها الجمعي، وتفرض إرادتها على حكامها. وعليه يمكن الاستنتاج، بل الجزم بأن اتفاقيات التطبيع ما كانت لتمر وأنظمة الهزيمة والتطبيع ما كانت لتبقى في سدة الحكم أصلاً. كونها غير شرعية وغير منتخبة ومع فقدان شرعيتها الداخلية بحثت ولا تزال عن شرعية ما من الخارج عبر القوى العظمى كالولايات المتحدة ووكيلتها في المنطقة إسرائيل وفق القاعدة المهزومة والمأزومة القائلة إن الطريق إلى واشنطن يمر بتل أبيب.

مرتبط أيضاً بما سبق، الأجواء الحضارية السلمية والديمقراطية التي عبّرت بها الجماهير العربية والإسلامية عن رفض التطبيع وحبها لفلسطين، كونها ببساطة تمسكت بحقها الأصيل في مقاطعة من تشاء ومقابلة من تشاء.

في السياق يجب الانتباه أيضاً إلى أن فلسطين حاضرة ومتجذرة بقوة لدى الشعوب التي طبعت أنظمتها أو تتبنى قيادتها لهجة ناعمة مع تطبيع خفي غير معلن، بينما تمنع شعوبها من معارضة التعبير عن آرائها أو العداء لإسرائيل.

 لذلك كله لم يكن غريباً أن تحضر أعلام فلسطين بكثافة وكثرة في المونديال، ورغم أن المنتخب الفلسطيني لا يشارك بها، بينما القضية نفسها كانت حاضرة بقوة ولا يمكن انتقاد ذلك أبداً، خاصة مع سماح اللجنة الأولمبية الدولية و"فيفا" بالتعبير عن دعم أوكرانيا وقضيتها "العادلة أيضاً" داخل الملاعب والساحات والميادين الرياضية، ومن هنا أكد مونديال قطر مرة أخرى حقيقة ومفهوم بل مفاهيم أن كرة القدم كانت دوماً أكثر من مجرد لعبة، وأن المونديال نفسه أكثر من مجرد بطولة.

لا يقل أهمية عما سبق أيضاً، أننا نتحدث عن جيل شاب عشريني وُلد بعد قمة بيروت العربية، واعتبار السلام خياراً استراتيجياً وإسرائيل نفسها حقيقة واقعة لا يمكن تجاوزها، ولا بد من الاعتراف والتعاطي وحتى التعاون، وربما التحالف معها أيضاً.

وفي ذروة مسيرة التطبيع الإبراهيمية المحدثة قيل إنها ستتجاوز القديمة، وسيكون التطبيع على كل المستويات، وهو ما لم يحدث، حيث بقي التطبيع رسمياً وبارداً، وهنا تكمن أهمية الذاكرة العصية على الكسر والنسيان التي تتوارثها الأجيال، والأولى التي عاصرت نكبة فلسطين والحروب مع إسرائيل رحلت عن دنيانا، ولكن الأجيال التالية لم تنسَ أو تسامح أو تتخلّ عن وعيها وذاكرتها التاريخية. 

وبما أننا نتحدث عن الأجيال الشابة التي رفضت التطبيع وتعاطت مع مونديال قطر وكأنه مونديال فلسطين، حيث علمها مرفوع وحاضر في كل مكان من كل الجماهير العربية الحاضرة، فلا بد أن نتحدث عن أهمية وسائل التواصل الاجتماعي – الإعلام الجديد – التي لم يسيطر عليها الغزاة والطغاة، وهي ساحة عمل ونشاط الأجيال الشابة. التي وعلى عكس الانتقادات الظالمة، ورغم أنها متصلة بالتكنولوجيا ومنفتحة على العالم وبمستويات مختلفة، فإنها لم تتخلّ عن هويتها وقناعاتها وثقافتها وقضيتها المركزية فلسطين.

رد فعل الإسرائيليين أنفسهم جاء لافتاً أيضاً لجهة الإقرار بحقيقة أن التطبيع سقفه من زجاج كما قيل حرفياً في الصحافة العبرية، حيث نقض المونديال كل ما يقال من أوهام في تل أبيب عن الموجة الجديدة، وترحيب شعوب تلك الدول بها، وأنها ستكون مختلفة عن التطبيع البارد في السابق مع مصر والأردن.

في الأخير بتركيز وباختصار ثمة استنتاجات لازمة وضرورية من الحدث، حيث قدرتنا كعرب ومسلمين على مجاراة ومنافسة العالم والانفتاح عليه، دون التخلي عن هويتنا وقيمنا وقناعاتنا وثقافتنا، وبالطبع قضيتنا المركزية فلسطين، مع أهمية الديمقراطية والحرية لتعبير الجماهير عن إرادتها وعقلها الجمعي، كما حقيقة أن منظومة الاستبداد والفساد الرسمية تمثل العقبة المركزية أمام تطورنا وتقدمنا ونهضتنا كما أمام تحرير فلسطين.