الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. هل تقود الفلسطينيين للمصالحة؟

2022-12-06 08:43:33 AM
الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. هل تقود الفلسطينيين للمصالحة؟

ترجمة الحدث

هذه المادة ترجمت من مقالين نشرهما معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب:

نتائج انتخابات الكنيست لم تفاجئ الفلسطينيين، على العكس من ذلك، لقد عززت ما يعرفوه منذ فترة طويلة: إسرائيل تتجه إلى اليمين، وفكرة حل الدولتين تستمر في الابتعاد عن الواقع. والآن، فإن أي خطوة تتخذها الحكومة الجديدة ويفسرها الفلسطينيون على أنها انتهاك لطموحهم في الاستقلال الوطني، قد تعزز التعاون بين الأطراف المتنافسة لدى الفلسطينيين وقد تأخذهم أكثر نحو الوحدة الوطنية. وقد يكون نضال الفلسطينيين في مثل هذه الحالة أكثر اتحادًا وقوة. إذن، كيف يجب أن تتصرف الحكومة المستقبلية؟.

لم تفاجئ نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ 25 الفلسطينيين. وباعتبارهم من المتابعين المهتمين بالأحداث في إسرائيل، فقد أدركوا التغيير الذي يحدث منذ أكثر من عقد في موقف الجمهور الإسرائيلي من القضية الفلسطينية والزيادة المستمرة في قوة الأحزاب المعارضة للتسوية السياسية.

عززت النتائج بالفعل التقييمات التي كانت تتشكل في هذه السنوات بين العديد من الفلسطينيين، والتي بموجبها: لن تعترف إسرائيل أبدًا بالفلسطينيين كشعب وبحقهم في تقرير المصير. ترفض إسرائيل حل الدولتين وفي أفضل الأحوال ستوافق على توسيع نطاق الحكم الذاتي الفلسطيني. ستستمر إسرائيل في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية ولن تُخلي البؤر الاستيطانية في المنطقة. التنسيق الأمني ​​هو الأهم بالنسبة لإسرائيل وليس التسوية السياسية. إن جهود الجيش الإسرائيلي الذي يسعى إلى مأسسة العلاقات على أساس "التعايش والسلام" وصلت إلى حالة من الضعف. يتزايد خطر الانتقال من الصراع القومي إلى الصراع الديني.

التقارير المسربة من مفاوضات الائتلاف في إسرائيل، والتي بموجبها تطالب "الصهيونية الدينية" بنقل سيطرة الإدارة المدنية إليهم، وإلغاء قانون الفصل، وتأهيل البؤر الاستيطانية، وضم المستوطنات، تزيد من الدعوات للمصالحة والوحدة لدى الفلسطينيين ويتم تفسير هذه المطالب على أنها محاولة لتهويد الضفة الغربية والقضاء نهائيًا على فكرة حل الدولتين، والتي لا يؤمن بها معظم أعضاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

ومع ذلك، يبدو أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية على وجه التحديد والخوف من أن تغلق الحكومة الجديدة الباب أمام الإنجازات السياسية للفلسطينيين حتى الآن، هي التي تعطي منحا معينة للسلطة الفلسطينية، مما يثبت بقاءها حتى في مواجهة نزع الشرعية عنها وانتقادات غير مسبوقة لسياساتها وأدائها على الساحة الداخلية.

في ضوء نتائج الانتخابات، بدأ الرئيس محمود عباس أيضًا في الحديث عن المصالحة الوطنية، واجتمع عزام الأحمد، ممثل فتح في محادثات المصالحة، في لبنان في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) مع عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق. اقتراح السلطة الفلسطينية باللجوء إلى محكمة العدل الدولية بشأن السيطرة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية، والذي أيدته الأمم المتحدة، لاقى العديد من ردود الفعل الإيجابية حتى من حماس، وكذلك إعلان مكتب التحقيقات الفدرالي عن فتح تحقيق في وفاة الصحفية شيرين أبو عاقلة، كما يعود الفضل للسلطة الفلسطينية في قرار اللجنة الثالثة للأمم المتحدة الذي ينص على أن للفلسطينيين الحق في تقرير المصير.

في الخطاب الداخلي الفلسطيني الذي يتطور بعد الانتخابات، يتزايد الانشغال بمسألة استمرار الاعتماد على الخيار السياسي كمخطط رئيسي لتحقيق الاستقلال الفلسطيني، والأصوات المطالبة بالتخلي عن الالتزام باتفاقات أوسلو. والاستجابة للمطالبة الشعبية للمصالحة الوطنية بين الفصائل آخذ في الازدياد. صحيح أن الخطاب الحر والصاخب بشأن الحلول والسيناريوهات التي قد تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية لا يملك في هذه المرحلة القدرة على ترجمته إلى إجماع عملي. ومع ذلك، وبالنظر إلى النقيض الذي تواجهه السلطة والمتمثل بالحركات الإسلامية ومجموعات المقاومة بالضفة الغربية، تبرز السلطة الفلسطينية كهيئة لديها القدرة على التعامل بفعالية مع التحديات السياسية والدولية.

إن دراسة ثلاث عمليات يمر بها الفلسطينيون على مدى الثلاثين عامًا الماضية قد تعلمهم كيف يمكن أن يواجهوا التحديات المترتبة على تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

بدأ التصالح مع وجود إسرائيل في المنطقة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، وقد تتوج هذا باتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. في عام 2017، أدركت حماس أيضًا أنها يجب أن تذهب بذات الاتجاه، وقبلت مبدأ الدولة الفلسطينية على طول خطوط 67، وإن كان ذلك دون اعتراف وسلام مع إسرائيل، وأعلنت أن الاعتراف بإسرائيل يخضع للاستفتاء.

بعد أوسلو جرى الانتقال من الثورة إلى بناء المؤسسات، لكن الرئيس الراحل ياسر عرفات، واصل روح الثورة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وألحق أضراراً جسيمة بالنهوض بالاستيطان، وقد عارضه الرئيس الحالي عباس في هذا الأمر، وانتخابه للرئاسة عام 2005 كان مصحوبًا بشفافية كبيرة وفي عرض علني للسياسة التي ينوي اتباعها، والتي عبرت عن التزامه الكامل باتفاقيات أوسلو والاستعداد لتنفيذها وفقًا لرسالتهم وصياغتهم. خلال فترة الرئيس فترة عباس، شغل سلام فياض منصب رئيس الوزراء، حيث تم بناء النظام الفلسطيني على أسس مؤسسية وفاعلية أكثر من الأول إذ كان عرفات يعمل بنظام غير هرمي دون تقسيم واضح للأدوار والسلطات.

إضافة إلى ما سبق، راعت السلطة التحولات الدولية، وتمسكت باتفاقيات أوسلو معتبرة أنها إنجاز للفلسطينيين منذ أن بدأوا نضالهم ضد الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وأن هذا الإنجاز هو إلى حد كبير نتيجة التزام منظمة التحرير الفلسطينية بقواعد اللعبة والقرارات الدولية التي تم رفضها حتى ذلك الحين. واليوم، تستثمر حماس أيضًا في هذا السياق، وإن لم تنجح كثيرًا، فهي تسعى لتطوير العلاقات الخارجية الخاصة بها. وهو ما يعبر عن الإدراك بالحاجة لهذه العلاقات، وتعتمد أهمية الحفاظ على السلطة الفلسطينية إلى حد كبير في الحفاظ على الدعم الدولي للسلطة، ورغم ضعفها المستمر، إلا أنها حاليًا "البيت الوطني الفلسطيني".

لذلك، إذا حاولت الحكومة الإسرائيلية الجديدة إعادة الساحة الفلسطينية إلى الواقع الذي سبق اتفاقيات أوسلو، أو إعادة تحديد علاقتها مع أوسلو بما يمكن أن يفسره الفلسطينيون على أنه حكم ذاتي لا يسير نحو الاستقلال الكامل، ستواجه نظامًا فلسطينيًا لن يوافق على التنازل عما حققه بالفعل، والتطلعات والآمال التي تغذي التبرير لاستمرار وجود السلطة الفلسطينية. السلطة الفلسطينية، ككيان وطني، مقبولة من قبل الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني وضرورة الحفاظ عليها إجماع لكل فلسطيني تقريبًا.

الخلاف الحالي بين الفلسطينيين على مسألة السياسة التي يجب أن تتبناها السلطة وكيف يجب أن تعمل. حتى الآن، فإن الادعاءات العديدة التي تفيد بأن السلطة الفلسطينية ليست أكثر من مقاول تنفيذي لإسرائيل لم تستطع تقويض موقف السلطة بشكل خطير. وحماس، على الرغم من معارضتها للتنسيق الأمني ​​بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تدرك أكثر مما كانت عليه في الماضي حدود استخدام الأسلحة النارية. مشاركة حماس في الانتخابات، والضغوط التي تمارسها من أجل الحفاظ عليها، والرسائل المتكررة منها للرئيس عباس وقادة فتح، والتي بموجبها يؤكدون على أن فتح لن تتمكن من قيادة المشروع الوطني لوحدها، وهذه القواسم المشتركة بين فتح وحماس سينتج عنها نضج سياسي واعتراف بالقيود التي تم تجاهلها في السابق.

ورغم الضغط الشديد على "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" وضعفهما نسبيا إلا أنهما تتركان "إرثاً قتالياً" ونموذجاً يحاول العديد من الشبان في أماكن مختلفة في الضفة الغربية تقليده. وفي الصورة الأوسع، تواصل فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، على الرغم من ضعفها الكبير، الاعتماد على القواعد التي أرستها اتفاقيات أوسلو كفكرة للنظام، بما في ذلك متابعة المفاوضات السياسية والأمنية. التنسيق والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل. من ناحية أخرى، تريد حماس الحفاظ على قواعد اللعبة الجديدة التي تطورت بينها وبين إسرائيل في قطاع غزة، والتي جلبت الهدوء لسكان المستوطنات وأتاحت إعادة إعمار وتطوير البنى التحتية في القطاع. حماس، على ما يبدو، وطالما أن تقديراتها بأن السلطة ليست على وشك الانهيار، فلا مصلحة لها في كسر هذه القواعد والوقوع في صراع آخر مع إسرائيل، وهو الصراع الذي قد يؤدي إلى حرب في قطاع غزة. وهكذا، تسعى السلطة الفلسطينية وحماس إلى الحفاظ على إنجازاتهما.

لم يتم تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل بعد، لكن تشكيلها يثير مخاوف الجانب الفلسطيني. إن السياسة التي سيتم تبنيها تجاه الفلسطينيين، إذا تضمنت زيادة في التطرف فيما يتعلق بقضية الصراع والسلوك مع الفلسطينيين، قد تخلق ديناميكية في التعاون بين مختلف عناصر القوة في الساحة الفلسطينية. على الرغم من أنه نظرًا للاختلافات العديدة بين الفواعل في الساحة الفلسطينية، من الصعب في هذه المرحلة التحدث عن المصالحة بين الفصائل، إلا أن الفهم المشترك بأن تهديدًا حقيقيًا للحلم الوطني قد نشأ، قد يؤسس لخلق تعاون وتقارب، وهذه فكرة شائعة في فم كل فلسطيني كدرس من هزيمة 1948. هذا درس يعني عدم تكرار ذلك أبدًا، لن يتم ترحيلنا بعد الآن ولن نسمح بالاستيلاء على أراضينا وسنقف بحزم ونقاوم.

قد يأتي بعد ذلك البعد الجماهيري للنضال إلى تعبير حقيقي ويؤدي إلى تواصل إعلامي ودولي. السلطة الفلسطينية بدأت بالفعل في التحرك في هذا الاتجاه. وقد خططت السلطة منذ فترة طويلة لعمليات أخرى مماثلة، وقد يتسارع مع  تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل. الساحة الدولية ستكون محور النضال الفلسطيني ضد إسرائيل، وهذه المرة ستزداد فرص نجاحه لكسب دعم دولي واسع، وحتى من الولايات المتحدة إذا قام قادة "الصهيونية الدينية" بتنفيذ شعاراتهم. عندها سيكون النضال في أراضي الضفة الغربية أكثر احتجاجًا وحشدًا، وستكون إمكانية المصالحة الوطنية الفلسطينية الداخلية أكثر واقعية مما هي عليه الآن.

ستفعل الحكومة الإسرائيلية الجديدة خيرا إذا حددت لنفسها بوضوح الأهداف التي ترغب في تحقيقها في علاقاتها مع الفلسطينيين، ووقفت في وجه الأسباب التي تثير مخاوف الجانب الفلسطيني، وفحصت جديا شعارات وطموحات أعضائها التي أعرب عنها. عشية الانتخابات يمكن إدراك ما يستحق الرفض وما هي تكلفة كل خطوة. كما أنه من المناسب اتخاذ إجراءات تهدئة تجاه الفلسطينيين ويمكن أن يكون الحوار عاملاً مفيدًا في هذا الشأن. يمكن أن تكون التنمية الاقتصادية والبنية التحتية مفيدة أيضًا، إذا امتنعت الحكومة عن إصدار إعلانات يمكن تفسيرها على أنها تغلق الباب أمام فكرة التسوية السياسية.