الحدث- الأناضول
بمقادير ثابتة، يخلط المواطن الفلسطيني، عامر الحلو، من قطاع غزة، الذي تحاصره إسرائيل منذ عام 2007، القمح "المُحمَّص" المُضاف إليه بعضاً من"الكُزبرة" و"السُّماق" و"الملح" و"البهارات الحارّة" و"حامض الليمون"، ليطحنها جميعها بواسطة آلة كهربائية قديمة يُطلق عليها اسم الـ"الطاحونة"، لينتج في النهاية مادة تشبه "الرمال" بلونها ونعومة ملمسها، لكنها أكلة شهيرة في فلسطين.
"الدُّقة"، هو المُسمّى الذي أطلقه الفلسطينيون منذ عشرات السنين على مكونات ذلك الخليط من القمح والبهارات، الذي يؤكل مثل "الزعتر"، بـ"زيت الزيتون"، أو مع إحدى الأجبان، أو مع الخبز فقط.
بينما يزن الحلو، صاحب مطحنة الحلو لطحن الحبوب والأعشاب، الكمية التي حصل عليها من "الدُّقة" الناعمة يقول لمراسلة وكالة "الأناضول": "هذه الأكلة الشعبية ترجع أصولها إلى الفلسطينيين، خاصة في غزة، فهم أول من بدأوا بصناعتها وتوزيعها على المناطق المجاورة لهم".
وعن بداية "الدُّقة"، يوضح الحلو: "ظهرت الدقة، وهي حارة المذاق، في فلسطين قبل أكثر من 30 عاما.. بدأ تصنيعها في المنازل على الطريقة اليدوية، حيث لم تكن تتوافر الآلات الكهربائية".
لكن ثمة من يقولون إن "الدُّقة" ظهرت في مدن فلسطينية، منها عكا ويافا، قبل قيام دولة إسرائيل على أراض فلسطينية محتلة عام 1948، ثم صارت تنتقل من جيل إلى آخر.
الحلو يعتبر "الدّقة" من التراث الفلسطيني، الذي انتقل من الأجداد إلى الأبناء، ويضيف: "منذ أكثر من عشرة أعوام بدأنا في صناعة الدّقة.. هي أكلة يتميز بها الغزيون، وتربط الفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج بالوطن، حين يبتاعونها وتسافر معهم إلى دولهم التي يقيمون بها".
و"يطلق مغتربون فلسطينيون على الدُّقة اسم (تراب أهل غزة)، إذ يشبه لونها وشكلها وملسمها التراب الناعم.. وهي أساس مائدتي الفطور والعشاء عند الكثيرين في غزة، حيث تمدّ مستهلكيها بعناصر غذائية كثيرة"، وفقا لصاحب المطحنة.
وثمن الدُّقة، بحسب الحلو، "زهيد، وهو مناسب لكافة الشرائح المجتمعية، إذ يبلغ ثمن الكيلو جرام الواحد منها منها حوالي 8 شيقل، أي ما يعادل نحو دولارين أمريكيين".
ويوضح أنه يضع الدُّقة داخل أكياس بلاستيكية شفافة، إلا أن مطاحن أخرى تضعها داخل أكياس عليها تصاميم معينة، ويضاف إليها تاريخي الإنتاج وإنتهاء الصلاحية والشركة المصنّعة.
ولا تكاد تخلو مائدة الفطور في أي منزل فلسطيني، سواء في الأراضي الفلسطينية أو في أرجاء العالم، من الدُّقة.
تقول سها ديب (34 عاما)، ربة منزل: "الدُّقة غذاء الفطور الأساسي لأطفالي، وأطلق عليها ساندويتش المدرسة".
وتضيف أنها "نوع من الطعام متكامل العناصر الغذائية، وهو مفيد صحياً للأطفال لأنه مكون من مواد وأعشاب طبيعية، كما أن رخيص الثمن مقارنة بطعام الفطور الذي تتناوله الشريحة المُقتدرة اقتصاديا".
و42.8% من الفلسطينيين في غزة، البالغ عددهم نحو 1.9 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر، ويبلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 194.7 ألف شخص، حسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) في فبراير/شباط الماضي.
وكثيرا ما يقرن غزيون حديثهم عن الدقة بالعديد من الفوائد الصحية.
ووفق عثمان ماضي (45 عاماً)، وهو خبير بالأعشاب الطبيعية وصاحب مركز "أطاكي" للأعشاب، فإن "للدُّقة فوائد صحية جمّة، فهي تساعد على تنشيط الجسم، وزيادة سعراته الحرارية، وتعمل على تنشيط الذاكرة".
ماضي يتابع موضحا بقوله، في حديث مع "الأناضول" أن "فوائد الدقة تكمن في المواد المصنوعة منها، فالقمح يساعد على زيادة الوزن وزيادة حيوية الجسم، إذ كان مختصو التغذية يستعملوا القمح للأطفال قليلي السمنة (النحاف)، كونه يزيد الوزن، ويستخدم في المدارس مع حبوب زيت السمك، لتنشيط الذاكرة والجسم معا".
وبجانب تصنيعها في الكثير من منازل غزة، عادة ما تُباع الدُّقة في محلات بيع البهارات.
صاحب إحدى هذه المحلات في سوق "الزاوية الشعبي" شرقي مدينة غزة، وهو إبراهيم عامر، يقول إن "الإقبال على شراء الدٌّقة كبير؛ لأنها من المنتجات رخيصة الثمن، ومفيدة لجسم الإنسان، تمدّه بالكثير من الطاقة، وتنظف معدته".
ويتحدث عن فوائد صحية بقوله لمراسل الأناضول: "هي مفيدة صحيا لكونها تحمل فوائد القمح، والكزبرة، والبهار الحار، وهي الأكلة الأساسية على مائدة الفطور عند الغزيين".
ويوضح أن "عشرات المطاحن والمصانع تصنع الدٌّقة، ناهيك عن تصنيعها من قبل ربة المنزل سواء عبر طحنها داخل المنزل أو في مطحنة خاصة".
وعن مذاق الدٌّقة، يبين أنها "عبارة عن خليط من الأعشاب نفسها، وما يتحكم في تغير مذاقها هو كمية المواد المضافة إليها، وكل شخص يصنّع الدٌّقة يصنعها حسب مذاقه المفضل أو حسب مذاق المستهلكين لمنتجه".
ويزيد بأن "بيع منتج الدُّقة ازدهر في الفترة التي شهدت زيارة للوفود الأجنبية لغزة قبل إغلاق معبر رفح الحدودي (بين غزة ومصر) وهدم الأنفاق الأرضية التي كانت تستخدم لتهريب البضائع والأشخاص".
وهو ازدهار يرجعه في ذلك الوقت إلى "شراء الأجانب والمغتربين عن فلسطين، وخاصة غزة، كميات كبيرة من الدُّقة، لأن الدول الخارجية، عربية وغربية، تفتقر إلى تصنيعها"، وفقا لصاحب محل بقالة بيع البهارات.
ويرى عامر أن "الدُّقة يجب أن تتصدر قائمة البضائع القليلة التي يتم تصديرها من قطاع غزة إلى الخارج".
وعن تجربتها مع الدُّقة، تقول المواطنة الأمريكية، ليدا محمد (31 عاما)، وهي متزوجة من فلسطيني من غزة: "في آخر زيارة للقطاع تذوقت الدُّقة للمرة الأولى، وهي تشبه (في شكلها وملمسها) رمال البحر الناعمة".
وتتابع ليدا: "كان طعمها لذيذا حارة المذاق، وهي تمدّ الجسم بالطاقة، وقد حزمت مع أكثر من كيلو جرام من الدقة عند مغادرتي غزة".