الحدث- سوار عبد ربه
تعتبر كرة القدم الرياضة الشعبية الأولى التي يتابعها مليارات الأفراد حول العالم، ويرجع ذلك لأسباب عديدة لعل أهمها أنها اللعبة الأولى التي يمارسها الأطفال في الشوارع وأزقة الحارات، سيما في عصر ما قبل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، ذلك لسهولة ممارستها، فهي لا تتطلب إلا مجموعة من الأطفال، كرة، وحجارة لتحديد المرمى، وفي أحيان أخرى قد يتوفر ملعب حقيقي تمارس فيه هذه الرياضة.
يكبر الأطفال ويكبر معهم حب المستديرة، ليصبحوا متابعين لها عبر شاشات التلفاز، ثم منهم من يختار ناديا عالميا ليصبح الفريق المفضل، ومن الفريق ينتقي لاعبا، ثم يختار منتخبا عالميا ليشجعه فيأتي كأس العالم ويبدأ كل واحد بمتابعة مباريات فريقه، وترتيبه ونقاطه، ومراحل تأهله، والخطوات التي تفصله عن الفوز في لقب كأس العالم.
في ألمانيا يشجع الألماني المنتخب الألماني، وفي البرازيل يشجع البرازيلي منتخب بلاده، وفي الأرجنتين يشجع الأرجنتيني منتخب بلاده أيضا، وكذلك الحال في إسبانيا، فرنسا، كرواتيا، هولندا، البرتغال وغيرهم، أما عربيا فلم يعرف العرب على الصعيد الرياضي إنجازات تذكر باستثناء بعض المحاولات لعدد قليل من المنتخبات التي لم تتجاوز دوري الـ16، على الأقل لجيلنا الحالي، لذا تتوزع الأنظار العربية على الفرق العالمية.
عام مختلف
في العام 2022، بدا الأمر مختلفا قليلا، فهناك 4 فرق عربية تأهلت إلى كأس العالم، المغرب، تونس، السعودية، وقطر التي تعتبر الدولة الأولى عربيا وشرق أوسطيا التي تستضيف الكأس، ليبدأ العرب رحلة تشجعيهم المختلفة، في بادئ الأمر كان المعظم يؤازر المنتخبات العربية لاعتبارات قومية، مع الاحتفاظ بحب وتشجيع الفريق العالمي المفضل لهم، لتأتي المفاجأة الأولى بفوز السعودية على الأرجنتين أحد أبرز المرشحين للفوز بكأس العالم، بهدفين لهدف ضمن منافسات المجموعة الثالثة، لندرك في حينها مستوى متقدم للمنتخب السعودي العربي، وتتوالى بعدها المفاجآت العربية.
أما الفريق البطل وخاطف الأنظار الأبرز في هذه الدورة من كأس العالم، فكان المنتخب المغربي العربي الذي صار ضمن المربع الذهبي للمونديال، ولم يعد تفصله عن نيل اللقب سوى خطوتين، الأمر الذي أجج المشاعر العروبية والقومية، وتحولت العواصم العربية كلها إلى ساحات للاحتفال بهذا الإنجاز التاريخي للعرب، وكذلك منصات التواصل الاجتماعي التي لا سيرة لها إلا المغرب وما تقدمه المغرب.
وفي هذا السياق كتب الأديب اللبناني إلياس خوري مقالة بعنوان "لحظة فرح مغربية" قال فيها: "طار يوسف النصيري وتلقى الكرة برأسه مسدداً إلى المرمى البرتغالي ليسجل الهدف الوحيد في المباراة التي انتهت بانتصار المغرب، وانفجر الفرح في العالم العربي، كأننا في هذه البلاد المنكوبة كنا في حاجة إلى قشة أمل نتمسك بها وسط هذا الخراب الذي يحتلنا".
وتابع: "سحرني الفريق المغربي عندما نجح في الفوز على المنتخب الإسباني، وهذا لا علاقة له بالحنين الأندلسي الذي تحوّل إلى حنين أدبي، ولا علاقة له بسقوط الأندلس، بعدما صار البعد الأندلسي رمزاً فلسطينياً على يد محمود درويش. قلت إنه سحرني لأنني أصبت بالرعب في لحظة ركلات الجزاء الترجيحية التي أنهت المباراة لصالح المغرب".
وعن رفع اللاعبين والمشجعين المغاربة للعلم الفلسطيني إلى جانب علمهم الوطني، قال خوري هذا الفعل أكد المؤكد، وهو أن التطبيع الإبراهيمي لم ولن يمس الشعوب، وأن عزلة الإعلام الصهيوني في المونديال جاءت كمؤشر إضافي بأن على الاحتلال أن يعرف أن لحظة السقوط العربية لا تعني أنه حقق انتصاره النهائي.
وختم بالقول: "قلوبنا ستخفق مع اللاعبين المغاربة في مباراتهم الحاسمة مع المنتخب الفرنسي، على أمل أن يرتفع علم فلسطين إلى جانب علم المغرب كي لا ينسى العرب لغتهم".
المغرب.. بطلنا المفقود
أما الشاعر الفلسطيني خالد جمعة فقال في مقال له بعنوان: "المغرب والعرب... والبحث عن بطل": "لا يمكن التقليل من الإنجاز العظيم الذي حققه المنتخب المغربي بوصوله إلى نصف النهائي في بطولة كأس العالم المقامة في قطر، وهو إنجاز تم بفضل الفريق ومدربه وجماهيره، بمعنى ليس من هدف تسلل، ولا من تواطؤ حكم، ولا من ضعف فريق منافس، ولا حتى من أخطاء مدافعي الخصم، بل من جهد وعرق الفريق بكل أفراده، بمن فيهم الأمهات الجالسات في المدرجات".
وأضاف: "يبحث الجمهور العربي عن بطل، حتى لو كان هذا البطل "أمازيغياً" كما كان معظم جيش طارق بن زياد، لكن هذا الأمر يطرح أسئلة كثيرة لا بد منها، أولها: إذا كانت الوحدة العربية ممكنة عاطفياً، كالوحدة التي حققها المنتخب المغربي لكل الوطن العربي، فلماذا لا تكون هذه الوحدة ممكنة سياسياً؟".
أما التساؤل الثاني لجمعة فكان: "لماذا، ورغم وجود عدد كبير من اللاعبين الأفذاذ في العالم العربي، لم يتمكن أحد من الوصول إلى ما وصل إليه المنتخب المغربي؟"، إلى جانب أسئلة كثيرة أخرى تدور في أذهان المواطنين الذين رفعوا أعلام فلسطين مثلاً، وأسئلة أكثر تدور في أذهان المفكرين والمحللين عن دور المغرب الحكومي في عمليات التطبيع، وتلك الإشارات الإيجابية التي قدمها الجمهور العربي في المونديال في موقفه من محطات البث الإسرائيلية، وذلك الذكر الدائم لفلسطين وعلمها".
وتابع: "يبحث الجمهور العربي عن بطل، في وقت عز فيه وجود الأبطال الفردي أو الجماعي، لذا، فقد وجدنا كلنا في المنتخب المغربي بطلنا المفقود، والذي حقق ما لم نحلم به يوماً، أن يكون هناك فريق عربي ضمن منظومة الفرق المتقدمة في كأس العالم، إنه ليس إعجازاً كما يصوره الكثيرون، إنه عمل، إنه إيمان بالنفس وبالقدرة على تحقيق الحلم، لعبت المغرب بطريقة أربكت كل الفرق التي قابلتها، وبالتالي فازت بنتائج المباريات، وبطريقة اللعب، وبمدربها الوطني، وبعلاقة اللاعبين بأسرهم، وبمستوى البدلاء الذي يساوي مستوى الأساسيين".
وختم الشاعر بالقول: "بحثنا عن بطل، ووجدناه، ولعلنا ذات يوم نجد أبطالا موازين لأبطال المغرب في الحياة السياسية، أبطال يمكنهم أن يوحدوا القلب العربي حول قضايا أخرى، تجعل من الشرق الذي نام طويلاً، جسماً يحترمه سكان الأرض حين يستيقظ، متسائلا: من قال إن ما فعلته المغرب بفرق العالم حتى هذه اللحظة، لا يمكن فعله بالمجتمعات العربية على كل المستويات الأخرى؟".
تعليقات الرياضيين
قال الإعلامي والمعلق الرياضي الجزائري حفيظ الدراجي عن تأهل المغرب إلى نصف النهائي: "المنتخب المغربي في نصف نهائي كأس العالم على الطريقة الإيطالية بعد أن سجل 5 أهداف وتلقى هدفا واحدا في خمس مباريات، وأكد أن مباريات كأس العالم "تُكسب ولا تُلعب".
وأوضح الدراجي: "تُكسب" بالمهارة والإرادة والروح العالية، وبمدرب محترم "متواضع"، يعمل أكثر مما يتكلم، ما كان وهما بالنسبة للأفارقة، صار حلما، تحول مع الوقت إلى واقع، وليس مجرد صدفة.
بدوره، أثنى لاعب المنتخب البرازيلي السابق ريكاردو كاكا على أداء المنتخب المغربي بعد تغلبه على نظيره البرتغالي في الدور ربع النهائي لكأس العالم "قطر 2022".
وقال كاكا، في تصريحات لشبكة "بي إن سبورتس": "المنتخب المغربي حقق إنجازا تاريخيا، وليس بالإنجاز العادي".
وأضاف الحائز على الكرة الذهبية لعام 2007: "الآن المنتخب المغربي يعد من بين أفضل أربعة منتخبات في العالم، وبعد هذا الفوز لم لا يحلم أسود الأطلس بكأس العالم، متقدما بالتهاني "لهذا المنتخب المنظم والمنضبط، ركز كثيرا وحارب في الاتجاه الصحيح".
كما أثنى كاكا على حارس المنتخب المغربي، ياسين بونو، معتبرا أنه كان متميزا في هذه المباراة، كذلك عز الدين أوناحي، اللاعب رقم 8 وقال: "يا له من لاعب".
أما لاعب منتخب ساحل العاج المعتزل ديدييه دروغبا فكتب عبر تويتر: "لقد فعلوها، برافو المغرب لهذا الإنجاز. تحيا إفريقيا. أخي وليد الركراكي سعيد جداً لأجلك".
تفاعل سياسي
ولم يقتصر الثناء على المنتخب المغربي وتأهله إلى نصف النهائي على الرياضيين فقط، بل طال طبقة السياسيين العرب.
فقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية: "نفرح لما يُفرح العرب.. فوز أسود الأطلس التاريخي على البرتغال، وتأهله إلى نصف نهائي المونديال في قطر، يجمع العرب ويوحدهم".
وأضاف: "كالعادة فلسطين حاضرة في قلوب العرب أينما حلوا".
بدورها، هنأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المنتخب المغربي على فوزها التاريخي، وقالت: "نحيي أبناء الشعب والمنتخب المغربي الذين يحتضنون فلسطين ويحتفلون دائما بانتصارهم رافعين العلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية تلتف حول أعناقهم، ليؤكدوا أن القضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية المركزية لكل الشعوب العربية والشعوب المضطهدة".
وأضافت أن "الشعب المغربي الشقيق يستحق الفرح، ونرسل أجمل التحيات من فلسطين وغزة المقاوِمة لأشقائنا أسود الأطلس الذين حققوا انتصارًا تفخر به كل الشعوب العربية"، متمنية أن تتواصل سلسلة الانتصارات المغربية، فكل العرب يحلمون بوصول أول منتخب عربي إلى نهائيات كأس العالم.
وقالت حركة حماس: "نبارك للمغرب الشقيق هذا الإنجاز الرياضي الكبير بتأهل فريقه لكرة القدم لنصف نهائي مونديال قطر".
وأضافت: "هذا إنجاز تاريخي للرياضة العربية وخالص التمنيات بالفوز في المباريات القادمة".
كما هنأ نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم المنتخب المغربي بفوزه قائلا: "نحبكم أيها الأُسود وهنيئا لفلسطين بكم".
بدوره، كتب ولي عهد الأردن الحسين على تويتر "أسود الأطلس يصنعون التاريخ مبارك الفوز".
كما جاء في تغريدة لوزارة الخارجية المصرية: "خالص التهاني القلبية للمملكة المغربية الشقيقة على الفوز المشرف للمنتخب الوطني والتأهل التاريخي للدور قبل النهائي".
وكتب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: "أفريقيا تصنع التاريخ وتحتل الصدارة داخل الميدان وخارجه".
وتابع: "في عشية قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، أهنئ أسود الأطلس على فوزهم، لقد أصبحوا أول منتخب أفريقي وعربي يصل إلى نصف نهائي كأس العالم"، مضيفا هاشتاغ #ديما_المغرب.
أما رئيس تشاد محمد إدريس ديبي فكتب على تويتر إنه فوز "تاريخي واستثنائي! تأهل أسود الأطلس لقبل نهائي كأس العالم 2022 هو تأهل لكل أفريقيا. ندعم بالكامل ممثلي أفريقيا في النهائي. بطل أفريقيا العالمي، نعم إن هذا ممكن إن شاء الله!".
يشار إلى أن المنتخب المغربي سيواجه المنتخب الفرنسي يوم الأربعاء 14 كانون أول الجاري في نصف نهائي مونديال قطر، وفي حال فوزه، سيتأهل "أسود الأطلس" للمرة الأولى في تاريخ مشاركاتهم.