بعد إحتفاظه بمنصب رئيس وزراء اسرائيل لأكثر من عشرة أعوام، وفشله بتشكيل حكومة في اعقاب الانتخابات الإسرائيلية الرابعه في العام 2021، عاد بنيامين نتنياهو ليشكل حكومة يمينية متطرفة، بعد فوزه في الانتخابات الخامسة في خريف 2022، ليطلق بتحالفه مع الثنائي بن غفير وسموتريش ظاهرة "البنيامينية" اليمينية المتطرفه في الحياة السياسية الإسرائيلية، والتي بلا شك سيكون لها أثرعلى حياة الفلسطينيين بين البحرالأبيض ونهر الأردن.
وعلى مدى عقود، فإن مزاوجة "الكاهانية" مع "الصهيونية الدينية" لم تكن الاستثناء في النظام والفكر السياسي الاسرائيلي، بل القاعدة، فالكاهانية والأصوليه الدينية الصهيونية تنتميان لتيار ديني يهودي برز بشكل قوي في العقد الأخيريجمع، بين التشدد الفقهي للتيار"الحريدي" والتطرف القومي للتيار الديني الصهيوني..
وتشير تحليلات بشأن التحالف الذي شكله نتنياهو، مع حزبي "القوة اليهودية" و "الصهيونية الدينية"، اللذان يوصفان بأنهما الأكثر تطرفا، الى أنه سيكون الأكثر سوءً للفلسطينيين، وستلحق الحكومة "البنيامنية" الجديدة الضرربهم، أكثر من أي حكومة إسرائيلية سايقه، وكأن إسرائيل لم تأتِ سابقا بحكومات، إن لم تكن أكثر سوء، فهي على نفس المستوى من السوء.
إن الفلسطينيين الذين خبروا في السابق احزابا وحكومات إسرائيلية متطرفه، ليسوا فقط من سيتأثر من إلإئتلاف "البنياميني" الجديد، بل إن المجتمع الاسرائيلي أيضا سيتأثر، بتحول اسرائيل الى كيان أصولي ديني و"دولة شريعة"، بحسب ما اعلن "سمورتيش" من أنه "سيعمل على إحلال أحكام الشريعة اليهودية محل القانون الوضعي"، ما قد يضع الصهيونية العلمانية "الملحدة"، على مسارٍ تصادمي مع التحالف الكاهاني-الصهيوني الديني.
الفلسطينيون كانوا قد خبروا في السابق، عدة احزاب يمينية، كحزب "موليدت" على سبيل المثال لا الحصر، الذي أسسه رحبعام زئيفي (غاندي) في العام 1988، والذي يدعو لتهجير العرب، ونص برنامجه السياسي على أن "السلام يجب ان يقوم بين اسرائيل والفلسطينيين بالانفصال التام بين الشعبين، وبما أن السلام ليس في متناول اليد، فيجب الاحتفاظ بما هو موجود في اليد الآن، وتوجيه ضربات قوية إلى العرب"
إن حزب "موليدت" بدى في المعايير الإسرائيلية، أكثر تطرفاً من باقي الأحزاب المشاركة في الحكومة الإسرائيلية آنذاك، بسبب رفعه صراحة لواء طرد (ترانسفير) الفلسطينيين العرب، لكنه في واقع الأمرليس الحزب الوحيد الذي كان يدعو لذلك، إذ قاسمته في هذا الموقف عدة أحزاب وجماعات، شكلت وتشكل معه ما يسمى بـ "أقصى اليمين" في إسرائيل، منها: كاخ، وغوش إيمونيم، وتحيا، وتسومت، والقاسم المشترك بينها جميعاً المحافظة على "أرض إسرائيل الكاملة" تحت السيادة الإسرائيلية، هي الفكرة المركزية في نظرتها الشاملة من جانب؛ والدعوة لترحيل الفلسطينيين أو أعداد كبيرة منهم إما فوراً، أو عندما تحين الفرصه لذلك.
إن ما يميز أحزاب وجماعات أقصى اليمين الإسرائيلي عن حزب الليكود، الذي تعتبر مواقفه السياسية في المعاييرالإسرائيلية، الحد الفاصل بين اليمين وأقصى اليمين، ليس فكرة المحافظة على "أرض إسرائيل الكاملة" بحد ذاتها، إذ تشترك الأحزاب اليمينية كلها في هذه الفكرة (بما فيها الليكود) ، وإنما الإختلافات بشأن الاستراتيجيات والسياسات الواجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف، والتي يمكن تلحيصها بالتالي:
(1) السيادة الإسرائيلية في المناطق المحتلة: تدعو أحزاب أقصى اليمين إلى تطبيقها فوراً، بينما يدعو الليكود إلى تأجيل ذلك حتى تنضج الأوضاع الملائمة.
(2) الحكم الذاتي للفلسطينيين: يشكل حجر الزاوية في سياسات الليكود لحل المشكلة الفلسطينية، بينما ترفضه أحزاب اليمين جملة وتفصيلاً.
(3) الإحتجاجات الشعبية الفلسطينية: تدعو أحزاب أقصى اليمين إلى إصدار أوامر إلى الجيش بإخمادها فوراً، وتخويله اتباع كل الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك، بينما يجنح الليكود إلى تفضيل السياسات والوسائل المتبعة حالياً، والتي تراعي الاعتبارات الداخلية والخارجية.
(4) الاستيطان: تدعو أحزاب أقصى اليمين إلى توسيعه وتكثيفه من دون مراعاة الحساسيات الخارجية والاعتبارات الداخلية، وإلى إعطاءه أولوية قصوى في المخصصات المالية، بينما يجنح الليكود إلى مراعاة الحساسيات الخارجية (المواقف الأميركيه والأوروبيه)، والاعتبارات الداخلية النابعة من الضرورات الاقتصادية، وضرورات الحكم الائتلافي.
وفي اطا رالنهج "البنياميني"لبناء تحالفه الحاكم، منح نتنياهو زعيم اليمين المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" سلطات واسعة على المستوطنات الإسرائيلية، والبناء الفلسطيني في الضفة الغربية، ما يعني هيمنته على الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تعتبر الذراع العسكري الاسرائيلي في الاراضي المحتلة.
والإدارة المدنية كان قد أسسها ارئيل شارون عام 1981، بدعوى الإهتمام بالشؤون اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الا ان الهدف من إنشائها كان في الواقع، إبعاد الأنظارعن حقيقة وجود احتلال مرفوض من قبل الفلسطينيين، وهي مكونه من ثلاث دوائر: إقتصادية للتجارة والصناعه والمواصلات. وخدماتيه وتضم التربية والتعليم والداخلية والرفاه الإجتماعي والصحة. والأملاك، وتضم الأراضي العامة والثروات الطبيعية وأملاك الغائبين. ورئيس الإدارة المدنية هوضابط برتبة عميد يعينه رئيس الأركان، ولا يخضع لتدخلات سياسية، وكذلك الأمر بالنسبة لمنسق نشاطات "الحكومة".
وأشارت صحيفة هآرتس، إلى أنه حتى إن لم يتول "سموتريتش" نفسه منصب الوزير في وزارة الدفاع، فسيكون له دور كبير في عملية تعيين المنسق ورئيس الإدارة المدنية، اللذين تخضع لسلطتهما قضايا التخطيط والبناء والهدم، وجميع المسائل المتعلقة بمناحي الحياة في الضفة الغربية المحتلة بحسب الأتفاق الذي أبرمه نتنياهو معه.
إن تعيين وزير من حزب "الصهيونية الدينية" سيكون له الاثرعلى واقع الحياة في الضفة الغربية، إذ سيؤدي هذا التعيين لتوسيع المستوطنات، وتنفيذ مشاريع استيطانية معلقة، وزيادة عدد المستوطنين، وكذلك خنق التوسع السكاني في القرى والبلدات الفلسطينية في المناطق "ج"؛ بالإضافة لعمليات هدم بيوت بشكل واسع، بزعم أن بناءها تم بدون تصاريح، والإمتناع عن إصدار مثل هكذا تصاريح.
إن ما يسعى الثنائي بن غفير وسموتريش لتحقيقه ،هو إحياء خطط الحركة الصهيونية القديمه، "لتهجير" الفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس والداخل، دون انتظار توفر "الظروف الملائمة" لذلك، كما يطرح الليكود. وسيطرتهما في الإئتلاف الحكومي "البنياميني" على المؤسسات المرتبطة بشكل مباشر بعمليات الاستيطان والإدارة المدنية والأمنية في الضفة الغربية، تمهد الطريق لتطبيق سياسة التهجيرفي الفكر الصهيوني القديم الجديد.
وعلى الرغم من تدجين إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال إتفاق أوسلو، الا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبه لم تلتزم به، بل إن نتنياهو خلال فترات حكمه الطويله دفنه دون الاعلان عن ذلك، وأبقى على ما ورد فيه من بنود في صالح الاحتلال، ولا سيما التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطيينة. رغم ذلك فإن المستوطنين ممثلين ببن غفير وسموتريش، يرفضون الإتكال على "وكيل" محلي لتحقيق هدف توسيع الاستيطان، وزيادة عدد المستوطنين، ولهذا فإنهم سيعملون على تقويض دور السلطة الفلسطينية، وتحويلها الى وكيل دون رايات ورموز سياسية، توظفها لإضفاء الشرعيه على إستمرار تنتسيقها الأمني مع إسرائيل..
لكن الأسئله التي تطرح بشأن "تسونامي" إئتلاف "نتنياهو- بن غفير – سموتريتش" هي: هل يمكن أن يعتري قيادة السلطة الفلسطينية القلق من سياسات الإئتلاف "البنياميني" تجاه القضية الفلسطينية ؟؟ أم ستكتفي بتطمينات مستويات عسكرية وسياسية إسرائيلية، من أن "البنيامينية" الجديدة لن تغير بمعادلة الضفة الغربية القائمة على اتكالية وتبادلية الأمن والاقتصاد، لأن الجيش لن يسمح بتغييرات دراماتيكية على الأرض؟؟ وهل السلطة ستكون قادرة (إذا رغبت) على مواجهة "تسونامي" غلاة المتطرفين، بوضعها قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير، تجميد العمل بإتفاق أوسلو ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل موضع التنفيذ؟؟