يمكن القول إن مبارايات كرة القدم هي "حروب دون نيران"، لأن وقع الهزيمة والانتصار النفسي في الرياضة على الشعوب، كساحات المعارك في الحروب، وكرة القدم كانت سببا في اشتعال حروب، كتلك التي نشبت بين السلفادور والهندوراس عام 1969، خلال تصفيات فرق دول امريكا الجنوبية، للمشاركة ببطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1970على ملاعب المكسيك، ففي المباراة بين منتخبي هندوراس والسلفادور، فاز فريق الهندوراس، وإعتدت جماهيره على أنصار الفريق السلفادوري، فنشبت حرب بين البلدين، عرفت بـ "حرب كرة القدم".
والرياضة عامة، هي مسرح لصراعات ثقافية وإثنية، كما حدث في دورة الألعاب الأولمبية عام 1936 في برلين، حيث عمل النازيون على خلق صورة جديدة لألمانيا، كدولة قوية ومتحدة، ومحاولة تغطية سياساتها العنصرية وطموحاتها العسكرية المتزايدة، إذ سعى هتلر لاستثمارهذا الحدث الرياضي في خدمة النازية، لإثبات نظريته بتفوق العرق الآري، الا أن العداء الأمريكي من أصول إفريقية "جيسي أوينز" كسر نظرية التفوق هذه عندما حصد 4 ميداليات ذهبية في عدة مباريات للجري في برلين، كما أنه بفوزه كسر السياسة العنصرية الأمريكية، التي كانت تفرض قيودا على مشاركة اللاعبين الأمريكيين من أصول إفريقية، في المنتخبات الأمريكية للمسابقات الدولية.
ولم تختلف الصورة كثيرا خلال مباريات كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022، إذ تعرض هذا البلد العربي الصغير بمساحته والكبير بإمكانياته، لهجوم سياسي وإعلامي ورياضي من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والدانمارك، مرة بحجة الدفاع عن حقوق العمال الأجانب، وحماية المثليين جنسيا، حتى أن بعض المطارات الأوروبية، ضيقت على سفر المشجعين المتوجهين إلى الدوحة، ووصلت حمى الهيستيريا الأوروبية هذه، الى حد نشر صحيفة "لوكانار إنشينيه" الفرنسية كاركتير يصور لاعبي المنتخب القطري لكرة القدم على أنهم "إرهابيون" .
الا أن وزير الخارجية الألماني السابق "زيغمار غابرييل"، إعتبر في تغريدة على التويتر، أن هجوم المسؤولين الألمان على قطر هي بمثابة غطرسة الألمانية، أو بكلمات أخرى إنها تعكس اعتقاد الكثير من المسؤولين الألمان والغربيين بشكل عام، أنهم يمتلكون قوانين ومبادئ مميزة، يجب أن تطبق ولو بالإكراه في كل بلدان العالم، بغض النظر عن الاعتبارات الدينية والثقافية والاجتماعية في البلدان الأخرى، كما تعكس عدم تقبل الكثير من الأوروبيين فكرة حصول دولة مسلمة وعربية على استضافة هذا الحدث الكروي العالمي، الذي يعتبرونه حكرا على أوروبا.
ولسنوات طويلة، ظلت الهيئات الدولية الرياضية عالمياً، كاللجنة الأولمبية الدولية، والإتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، تدعو لإبعاد السياسة عن الرياضة، وتتخذ مواقف متشددة مع كل من يستغل حدثا رياضيا، بتوجيه رسائل محددة أو لنصرة قضايا سياسية، الا أن هذه الهيئات رضخت لإملاءات الدول الغربية، وأدارت الظهر لأنظمتها الداخلية، بفرضها حظر على مشاركة روسيا في المباريات القارية والدولية، في اطار العقوبات التي فرضت عليها بسبب الحرب في اوكرانيا، وإستبعد الـ (فيفا) المنتخب الروسي من المشاركة في كأس العالم في قطر ، بعد أن تم إستبعاد الأندية الروسية، من المشاركة في البطولات الأوروبية للتأهل لكأس العالم.
ومن الطبيعي أن أي بلد يجري تنظيم بطولة كأس العالم على أراضيه، أن يكون تحت الأضواء، بالحديث عن مشاكله، كالحديث عن الأمن حين نظمت البطوله في جنوب إفريقيا في العام 2010، والحديث عن الفقر في البرازيل في 2014، والحديث عن الحريات في روسيا في 2018، لكنه لم يصل أبدا، إلى الهجوم والتحريض الذي تعرضت له قطر في مونديال 2022، الذي يعكس مواقف استعلائية للدول الغربية الإستعماريه، التي لا ترى في نفسها سوى مركزا للعالم، وعلى بقية دول العالم الدوران في فلكها القيمي والسياسي والإقتصادي، مع الإبقاء على العربي والمسلم، أسيرا للصور النمطيه التي ألصقت به على مدى عقود.
وكما هو لأول مرة يتم تنظيم بطولة كأس العالم في كرة القدم في دولة عربية، فإنه لأول مرة، نشهد تضامنا للشعوب العربية من المحيط الى الخليج، ليس فقط بدعم المنتخبات العربية المشاركة في مونديال قطر، بل بما تعنيه هذه المشاركة من حضور سياسي وحضاري، في مواجهة فكر الغرب ومواقفه العنصرية الإستعلائية..