بعد صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف الى سدة الحكم بقيادة بنيامين نتنياهو، بدأت تطفوعلى السطح دعوات للهجرة المعاكسه من إسرائيل، إذ أعلن رجل الإعمال الأمريكي اليهودي "مردخاي كهانا"، عن تأسيس حركة "لنغادر البلاد معا"، وذلك على ضوء نتائج الإنتخابات الإسرائيلية 2022 ، وتزايد المخاوف من تحول اسرائيل الى كيان ديني أصولي. وقال "كهانا" لصحيفة معاريف " بعد سنوات من عملي على تهريب اليهود، من مناطق الحروب في اليمن وأفغانستان وسوريا وأوكرانيا، قررت مساعدة الإسرائيليين للهجرة الى الولايات المتحدة".
وبعد 74 عاما على إقامتها، لا يزال الصراع العرقي – الثقافي في إسرائيل يزداد حدة، الامرالذي يشير الى فشل نظرية "الصهر"، التي كان أول من طرحها رئيس الوزراء الأسبق "دافيد بن غوريون"، في خطاب ألقاه في العام 1950 ، حول إيجاد مجتمع يهودي متجانس، إذ قال في معرض تبريره لهذه النظريه، " في اللحظة التي يصل فيها يهودي من العراق إلى البلد يبقى يهوديا عراقيا ويركز على العراق، وعندما يلتقي يهودي عراقي بيهودي روماني في معسكرات المهاجرين، سيشعران بالاختلاف وبالمسافة بينهما. ما يحدث هو تجمع لقبائل مختلفة ومتباعدة، والأصح أنه تجمع لقطع ممزقة لا تجانس بينها، وجمعهم معا في بقعة أرض واحدة سيبرز الاختلافات والفجوات بينهم" ..
ويقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي "إن ذبول الدول والحضارات، وموتها قلما تجيء عواملُه من خارج الحدود، إنما تأتي تلك العوامل دائماً من داخل الحدود، وكل الدول التي قامت على القوة العسكرية وتمجيدها انتهت إلى زوال ". وعلى هذا الأساس فإن التناقضات الموجودة في إسرائيل تؤشر بانهيارها من داخلها، فالعسكرة على النمط الإسبارطي، والقتل ونفي الآخرلن يفيدها، فالمجتمع الإسرائيلي مكون أصلاً من فسيفساء، غير متجانسة لأقليات يهودية وصهيونية، ولم تعد فكرة "صهيون" ومشاعر الأرض المقدسة تشكل عاملا للجذب .
إن صعود اليمين المتطرف الى سدة الحكم في إسرائيل، يفاقم من ظاهرة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، ويزيد من حدة الخلافات اليهودية – اليهودية حول طابع الكيان وهويته، او بكلمات رئيس اركان الجيش السابق "غادي إيزنكوت"، في مقابله مع صحيفة معاريف " أعتقد أن التصدع في المجتمع الإسرائيلي، وتبادل الاتهامات وتراجع وجود الدولة، وانخفاض الثقة في مؤسساتها وفي المحاكم، كلها أمور تشكل أكبر تهديد لمستقبل إسرائيل".
وكان للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والإختلافات بين القوى والأحزاب الصهيونية الدينية والعلمانية حول سبل تسويته، دورا بارزا في صعود اليمين المتطرف في الإنتخابات الإسرائيلية 2022، من خلال غرس الكراهيه والخوف، ما عزز هيمنته على المشهدين السياسي والإجتماعي في إسرائيل.
إن الشرخ بين اليمين العقائدي والبراغماتي بشأن مشاريع التسوية مع الفلسطينيين، وقع في البداية في الفترة الممتدة بين التوقيع على اتفاق أوسلوعام 1993، وفشل مفاوضات كامنب ديفيد بين ياسرعرفات وإيهود باراك، واندلاع الإنتفاضه الثانية عام 2000 ، وبلغ ذروته بإغتيال إسحق رابين..
وبعد خطة الإنفصال عن الفلسطينيين، التي نفذها آرئيل شارون في عام 1995 ، بالإنسحاب من قطاع غزة، وقع طلاق بائن بينونة كبرى بين اليمين "البراغماتي"، الذي يمثله حزب "كاديما" برئاسة إيهود أولمرت، والذي كان يرى بضرورة تنظيم الإستيطان وفقا للحاجات الأمنيه، واليمين "العقائدي" ممثلا بالمستوطنين وبحزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي يرفض الإنسحاب من أي أرض تحتلها إسرائيل. وبعد وصول اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو الى سدة الحكم في انتخابات 2009 تم وضع الأسس لحسم الصراع، على أساس ضم ما يمكن ضمه من الأراضي الفلسطينية، وترسيخ الإستعلائية اليهودية.
ولأن المجتمع الإسرائيلي هش داخليا، فإنه لضمان تماسكه ومنع إنهياره، لجأت الصهيونية الى إثارة الخوف والعنصريه، وتأجيج العداء للعرب، بطرح شعارات مثل " إن اليهود محاطين بالمتوحشين الأغيار" وغيرها من الشعارات، كما أن نظام التربية في اسرائيل، يرتكز على "الإسبارطية " بعسكرة المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والعرب..