الحدث الفلسطيني
لم يعد السجن محصورا على ما نعرفه من قبل، بل أبتكر الاحتلال الاسرائيلي نوعا جديدا من السجون وخص به أهل القدس وأطفالهم، مطلقا على هذا الإجراء التعسفي والعنصري مصطلح الحبس المنزلي أو الاقامة الجبرية، حيث برزت هذه الظاهرة بشكل واضح بعد موجة الاحتجاجات عقب خطف الطفل محمد أبو خضير وقتله في تموز 2014، واتسعت مع اندلاع انتفاضة القدس في تشرين الأول 2015.
و تفيد هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تلجأ الى الحبس المنزلي كنوع من أنواع العقاب للأطفال المقدسيين ما دون 14 عاما، لأنّ القانون "الإسرائيلي" لا يُجيز حبسهم، فتقوم باحتجاز الطفل داخل البيت طوال الفترة التي تبحث فيها المحكمة الإسرائيلية في ملفه إلى حين انتهاء الإجراءات القضائية بحقه، وإصدار المحكمة حكمها في قضيته، والتي قد تكون بضعة أيام وربما تصل إلى عام كامل أو أكثر، وهذه الفترة لا تُحتسب من فترة الحكم الفعلي الذي يصدر لاحقاً بحق الطفل. ويُجبر الطفل خلال هذه الفترة بعدم الخروج من البيت بتاتاً، ويوُضع لهم أجهزة تتبع "سوار إلكتروني" مع GBS، ونادراً ما يُسمح للطفل، بعد أشهر من الحبس المنزلي، بالتوجه إلى المدرسة أو العيادة برفقة الكفيل، ذهاباً وإياباً.
وتفيد الاحصائيات الرسمية بأن أكثر من 600 حالة حبس منزلي حصلت خلال عام 2022، انقسمت الى نوعين:
1. يبقى الطفل في بيته وبين أفراد أسرته طوال الفترة المحددة وفقاً لقرار المحكمة إلى حين البت في قضيته، ويضطر الأهل في أحيان كثيرة الى بيع ممتلكاتهم ومدخراتهم، لإيداع مبالغ مالية كبيرة في خزينة محكمة الاحتلال، لضمان تنفيذ شروط الافراج عن أطفالهم.
2. وهو الأصعب والأكثر تعقيدا، حيث يُبعد الطفل عن بيت الأسرة ، وقد يكون الإبعاد إلى خارج المدينة، وهذا ما ينطبق حاليا على وضع 4 من شبان القدس، ما دون الـ18 عاما، اذ أجبر الاحتلال اثنين منهم على التزام الحبس في مدينة الرملة، واثنين آخرين في مدن شمال الداخل المحتل، الأمر الذي يشتت العائلة و يكلف الأهالي مزيداً من الأعباء المالية لاضطرارهم إلى استئجار بيت بعيد عن سكنهم ،الى جانب المشكلات الإجتماعية بين أسرة الطفل والكفيل من الأقارب والأصدقاء، ولا سيما إذا طالت فترة الحبس.
ويترك الحبس المنزلي آثاراً نفسية صعبة على الأطفال وذويهم الذين يضطرون لمراقبة طفلهم بشكل دائم ومنعه من الخروج من البيت، تنفيذاً لشروط الإفراج التي فرضتها عليهم المحاكم الإسرائيلية، فيظهر الوالدان في مخيلة أطفالهم بصورة "السجان"، كما يترتب على الإقامة الجبرية حرمان الأطفال من حقهم في التعليم، وشعور دائم بالقلق والخوف والحرمان لديهم ، مما يسبب له حالة من عدم الاستقرار النفسي و تبول لا ارادي وعصبية مفرطة، تدفع الطفل أحيانا الى التفكير بالانتحار
وفي ظل هذه المعطيات الصعبة والمعقدة، فإن نسبة كبيرة من أطفال الحجز المنزلي و ذويهم، باتوا يفضلون بقاء الطفل في السجن الى حين انتهاء محكوميته، وهذا أكدته لنا محامية الهيئة هبة اغباريه، فيما يخص وضع الطفل أيهم حجازي ( 15 عاما) من سكان البلدة القديمة/ القدس، الذي اعتقل بتاريخ 19.08.2022، بعد اقتحام رجال الشرطة الاسرائيلية لمنزله، حيث اقتادوه الى سجن المسكوبية، و ادخلوه الى التحقيق لساعات طويلة وهو مقيد اليدين والقدمين، كما اعتدى عليه المحققين بالضرب المبرح التعسفي على وجهه وبطنه وأوقعوه أرضا.
بعد انتهاء التحقيق نقل الى غرف في سجن المسكوبية , وبعد أسبوع عرض على محكمة وتقرر اخراجه الى الحبس المنزلي، ولكن بعد 3 أشهر قرر هو وأهله بأن يرجع الى السجن، وذلك بسبب صعوبة الحبس المنزلي و قرار المحكمة بتمديد حبسه لفترة أخرى ، فجدته كان كفيلته ومحبوسة معه في البيت، وكان رجال الشرطة الاسرائيلية يصلون لبيته كل ساعة ونصف ليتفقدوه، وفي ساعات الليل المتأخرة كذلك. لذلك في تاريخ 11.11.2022 سلم نفسه في سجن المسكوبية، مصرا على السجن الفعلي بدل الحبس المنزلي، بقي هناك 5 ايام ، ومن ثم نقل الى سجن الدامون لقسم الأشبال .
وفي هذا السياق تؤكد هيئة شؤون الأسرى والمحررين، على أهمية قيام المؤسسات الحقوقية والإنسانية بالوقوف الى جانب الطفل الفلسطيني، الذي تمارس في حقه إجراءات تعسفية وغير اخلاقية، تنسف أدنى حقوقه الحياتية التي نصت عليها اتفاقيات حقوق الطفل، وتهدف الى تدمير حاضره ومستقبله بشكل صارخ.